يوماً عن يوم تثبت التقنية الإلكترونية أنها أصبحت أبا وأما شرعيين للتعبير عن الرأي والمساهمة في التغيير، من الصورة التلفزيونية المباشرة إلى تقنيات الهاتف الجوال وصولاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي تحتضنها شبكة الإنترنت وربما خلال أيام أبعد من ذلك. المشهد اليومي المعاش في معظم المجتمعات العربية أصبحت التقنية جزءا مهماً منه، وربما عنصرا أساسياً فيه إلى درجة تأثيرها في نمط العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة. هذا النمط من العلاقات الاجتماعية تحول إلى شكل حياة جديدة، نوع غير مألوف من العلاقات الجديدة بين الإنسان والحياة، الإنسان والمجتمع، القضايا المؤقتة واليومية والدائمة، نوع جديد من التتابع والصلات يوفر ميزة الاختصار والجِدّة والتحديث المستمر والرفض أيضاً، استطاعت التقنية أن تصبح العنصر الرئيسي والمباشر في صناعة الحياة والمشاركة فيها وتغيير العادات، ثقافة إلكترونية بامتياز تعمل على نفسها لتغيير جلد التاريخ والفكر والنظرية وإكسابه ملمساً جديداً ومناسباً. مناسبٌ لفكرة الحياة المعاصرة المعبرة عن نفسها المنتمية لحريتها والمؤمنة بدورها في الاختيار، ما يعني إتاحة فرص أكبر للفرد الإنسان بمعية أدواته وخياراته وأخلاقه ومبادئه، للمشاركة في التغيير وصناعة الخيارات الجديدة لحياته. الميزة الأهم التي برزت فيها الثقافة الإلكترونية أو الرقمية عربياً أنها «متاحة» كممارسة بالإضافة إلى سهولة أدواتها وتخلصها من الرقابة وإن كان ذلك في أضيق حدودها، ما جعل الإنسان العربي الذي يعيش عزلة قاسية بفعل السيطرة الإيديولوجية لبعض التيارات التي تقف موقف الضد من الاستقلالية الفردية وإنتاج الأفكار خارج سياق نظامها الفكري الأخلاقي، مثلما حدث في فهم وتحوير مصطلح (الحداثة) في الوسط الصحوي وربطها بالنص الشعري، والأقل من ذلك النص الشعري في شكل من أشكاله فقط (التفعيلة) إمعاناً في إضفاء القداسة على الشكل العمودي بصفته جزءاً من التراث. تمرير ذلك الفهم جعل المتلقي غير منتج لهذه الأسباب بالإضافة إلى تشويه الحداثة وتشويه المصطلح وتشويه التجربة، ما مثّل عملية انسحاب من المرحلة (العصر) رغم أن ما بعد الحداثة شكلت نوعا من أنواع التمرد على الحداثة نفسها قبل نصف قرن! ما يستدعي ذلك الآن أن الإنسان وفق معايير المرحلة الجديدة (الحداثة الرقمية) تحوّل إلى منتج ومشارك رغم أن هناك من يقول ان إنتاج الحداثة الرقمية سريع الزوال ولا يتصف بالديمومة وسريع التغير، وكل هذه الأحكام صحيحة والأهم منها أنها منحت الفرصة للفرد أن يتحول إلى منتج لا إلى «متلقٍ»، إلى مشارك لا متفرج، ويمكن وصف ذلك بنزع صفة الأبوية الثقافية التي مورست بلذة ضد الفرد وضد المجتمع مهما تنوعت السلطات واتجاهاتها. ربما علينا أن نلتفت الآن إلى أن كل الأحداث مهما قربت أو ابتعدت جغرافياً، هي جزء من صورة تكمل المشهد، صورة مرئية ومكتوبة وحيّة للثقافة الجديدة التي ينتجها ويخرجها ويحمّلها المتلقي معناها الرمزي أو المباشر، بغض النظر عن كل الاعتبارات الفنية أو الاقتصادية أو الفكرية أو الدينية أو السياسية. هذه المرحلة هناك من يقول بأنها «أكثر العصور ديمقراطية على مر التاريخ» بينما هناك من يرى أن «الفضائيات وسيلة وحجة للغرب لإفساد المجتمعات» ويروي ذلك لأناس ينصتون!