أعلنت «القوى الديمقراطية السورية» الأحد الماضي أنها شنت عملية لاستعادة السيطرة على مدينة الرقة، التي تُعد مركز الثقل لتنظيم «داعش» وكل عملياته في المسرح السوري العراقي. وكانت الولاياتالمتحدة تلمح إلى أنها كانت تعد لهجوم الرقة منذ أسابيع حتى الآن، ورحب المسؤولون الأمريكيون بالإعلان في تفاؤل. ووصف وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر هذا التحرك بأنه إيذان «بالخطوة التالية» في الكفاح من أجل تدمير «داعش»، وقال المتحدث باسم الجيش الأمريكي في بغداد لصحيفة «نيويورك تايمز»: «إن طائرات حربية أمريكية كانت تدعم بنشاط عمليات «القوات الكردية». نجحت القوى الديمقراطية السورية أن تقدم لنفسها بنجاح لدى الغرب. وباتت صحيفة «نيويورك تايمز» تشير حاليًا للقوى الديمقراطية السورية باسم «الميليشيات الكردية العربية المشتركة». ومع ذلك، تتخذ القوى الديمقراطية السورية زيًا كرديًا برغم محاولات الولاياتالمتحدة لصبغها بصبغة عربية لجعلها أكثر قبولًا لدى تركيا. ويتألف الجزء الأكبر من مقاتلي القوى الديمقراطية السورية من «وحدات حماية الشعب السوري»، ويُقدر عددها الإجمالي من 30-40 ألف جندي، وفقًا للتقديرات الأمريكية، وهي قوة الميليشيا الرئيسية التي تحارب نيابة عن حوالي 1.5 مليون كردي سوري. وقد استوعبت هذه القوة أعدادًا صغيرة من المقاتلين العرب والتركمان السنّة في صفوفها. ويعتبر تعزيز القوات الكردية السورية أمرا غير مقبول لتركيا. فمن غير المستغرب عندئذ أن قام رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكي، الجنرال جو دانفورد، بزيارة غير معلنة يوم الإثنين إلى أنقرة للقاء نظيره التركي الجنرال، خلوصي عكار، لتقليص أي خلاف بعد إعلان القوى الكردية عن عمليتها في الرقة. وأصدرت الدفاع الأمريكية بيانًا صحفيًا لها بشأن الاجتماع وصرحت فيه بأن تركيا و«التحالف» وافقا على «العمل معا على خطة طويلة الأجل للاستيلاء على الرقة والاحتفاظ بها وحكمها». خرجت الولاياتالمتحدة من هذا الاجتماع وهي تروج لعلاقتها العسكرية الوثيقة مع تركيا، من ناحية أخرى، خرج الأتراك من الاجتماع وهم يعزفون لحنًا مختلفًا قليلًا. وصرح نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش يوم الإثنين بأن تركيا أخبرت دانفورد بأنهم يعطون أولوية أولى في سوريا حاليا لطرد ميليشيا وحدات حماية الشعب السوري التابعة للأكراد من مدينة منبج، إذن تركيا لم توافق إلا على عدم مشاركة القوى الديمقراطية السورية، التي ذكرت أمريكا في اليوم السابق أنها تدعمها. الشييء الثاني، الذي ينبغي ملاحظته هو أن دانفورد قال بصريح العبارة: «كنا نعرف دائما أن القوى الديمقراطية السورية ليست الحل للسيطرة على الرقة وحكمها». وأردف دانفورد: إن مزيجا من «المعارضة المعتدلة السورية والقوات السورية المنقَّحة وقوات الجيش الحر» ستشكل القوة المهاجمة الرئيسة في الرقة. وهذه كيانات وهمية في هذه المرحلة، بحسب ما أفاد تحليل لمؤسسة «جيوبوليتكال فيوتشرز» الأمريكية، مشيرا إلى أن واشنطن أنفقت 500 مليون دولار لتدريب المتمردين السوريين المعتدلين. وألغت البرنامج في 2015 عندما اكتشفت أنها لم تنجح إلا في تدريب ما يقرب من 60 مقاتلا. وعانى الجيش السوري الحر وحلفاؤه على اختلاف مشاربهم من خسائر صعبة خلال القتال ضد نظام الأسد المدعوم من روسيا. ولا تقع دائرة نفوذه بالقرب من الرقة، والمقاتلين الباقين يقاتلون من أجل حياتهم ضد الأسد وليسوا في موضع يمكنهم من الانضمام لمسيرة تتجه نحو الرقة. وقالت تركيا: إنها غير قادرة على التعامل مع الرقة بشكل مستقل، وتعتزم القيام بذلك بمجرد الانتهاء من معركة الموصل. تعتبر الموصل نقطة مرجعية جيدة للتفكير بشأن هجوم محتمل على الرقة. لقد بدأ الهجوم على الموصل قبل أكثر من ثلاثة أسابيع. وكانت الولاياتالمتحدة تتحدث عن الهجوم على الموصل منذ أبريل 2015، وهو تاريخ بدء المخطط الأصلي للعمليات قبل التراجع عنه عدة مرات. بدأ الهجوم وسط ضجة كبيرة، ولكن ترى مؤسسة الأبحاث الأمريكية أن القوات المهاجمة وقعت في مستنقع. دخلت قوات الأمن العراقية بعض الأحياء الواقعة على أطراف المدينة، ولا تزال باقية هناك. تخرج علينا تقارير متناقضة باستمرار، فيذكر تقرير أن القوات العراقية استعادت بعشيقة من «داعش» في أحد الأيام، وهي قرية لا تدخل حتى ضمن حدود الموصل، وفي اليوم التالي، تقرير آخر يذكر أن القوات العراقية تستعد لدخول بعشيقة. استغرق الأمر من التنظيم ستة أيام للتغلب على القوات العراقية ودخول الموصل. وهذا يعني أن العملية المدعومة من الولاياتالمتحدة لاستعادتها استمرت أكثر من ثلاثة أضعاف الوقت، الذي استغرقه «داعش». وتعتبر الموصل أقل أهمية للتنظيم وعملياته من الرقة. تقع الموصل أيضا في العراق، وتضم قوات الأمن العراقية التي دربتها الولاياتالمتحدة ومقاتلي اليبشمركة ومختلف الميليشيات الشيعية. وقد أوضحنا من قبل أن هذه حرب طائفية تختمر عند جلاء «داعش» عن المدينة بالكامل. ولكن على المدى القصير، تتفوق قوات التحالف في العراق من حيث العدد على مقاتلي التنظيم بالموصل، وبسبب طبيعة حرب المدن، لا تستطيع قوات التحالف إحراز تقدم كبير. والرقة مدينة أصغر بكثير من الموصل. ويشكل سكانها قبل دخول داعش ما يقرب من عشر حجم سكان الموصل، حيث يُقدر عددهم بما يقرب من 200 ألف نسمة. وتحيط الصحراء بالمدينة من كل جانب، واستغرق تنظيم «داعش» أكثر من عاميْن لتأمين مواقعه الدفاعية في المدينة. ويُعتقد أن التنظيم قد دفع بنخبة مقاتليه ومعظم معداته الأكثر تقدما في الرقة. وقال دانفورد في البيان الصحفي: إن البداية كانت مجرد «مرحلة العَزْل»، التي من شأنها أن تستغرق شهورًا قبل شن هجوم فعلي على الرقة. وبحسب تحليل «جيوبوليتكال فيوتشرز»، فإنه يتوجب على السياسة الداخلية الأمريكية عمل الكثير بشأن الطريقة التي يتم بها تشكيل وجهة النظر هذه. لقد قللت إدارة الرئيس باراك أوباما من قدرات «داعش» منذ البداية. ووصفته ساخرة بأنهم «فريق أشبال». واتضح أن التنظيم يستطيع فعل ما يفوق قدرات فريق أشبال. وتقول القوى الديمقراطية السورية: إنها بدأت عمليتها في الرقة، لكنها لا تملك ما يكفي من المقاتلين لإنجاز المهمة، وليست على مقربة حقيقية من المدينة، ووجودها غير مقبول بالنسبة لتركيا. وتقول الولاياتالمتحدة: إنها اتفقت مع تركيا على خطة للاستيلاء على الرقة، لكنها لم تجب عن كل الأسئلة المهمة، مثل طبيعة القوة التي تنوي القيام بالهجوم ومتى، ولا تزال تركيا تركز اهتمامها على التأكد من عدم قيام الأكراد السوريين بتوسيع قاعدة سلطتهم في الوقت، الذي تحاول شق طريقها الخاص إلى ما يجري في الموصل، ويذهب تحليل «جيوبوليتكال فيوتشرز» إلى أن الرقة ستأخذ جدولا زمنيا مشابها.