بالرغم من اتفاق الزعيمين أوباما وفلاديمير بوتين على تنسيق الضربات الجوية قبل يومين فقط من الهجمات، وذلك في اللقاء الذي جمعهما في نيويورك، وذلك لتجنب حدوث صدام عسكري عرضي بين المقاتلات الحربية للبلدين، والتي تجوب الأجواء السوريّة، الا ان الاتفاق ضرب به عرض الحائط وبدأ شن الهجمات دون أي تنسيق حقيقي مع الولاياتالمتحدة. اثار التدخل العسكري الروسي في سوريا حزمة من التحليلات والتساؤلات حول طبيعة الدوافع الحقيقية الكامنة وراء قرار التدخل، واعتقد أن هذا التدخل ينطوي على شقين رئيسيين: شق أمني- سياسي، وشق اقتصادي، وسوف يقتصر مقالي على الشق الاول (أمني- سياسي) والتي يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط رئيسية: أولا: احتواء تشكل تنظيم داعش في شمال القوقاز. اعتقد ان حديث بوتين عن خطر داعش ومحاربة داعش ليس كله مبالغة وانما فيه شيء من الحقيقة. فروسيا تخشى من وصول داعش وتغلغله النشط في شمال القوقاز (الشيشان وداغستان)؛ خصوصًا بعد إعلان العديد من «مجاهدي القوقاز» من أربع جمهوريات قوقازية هي: (داغستان، والشيشان، وأنغوشيا، وقبردينو الروسية) مبايعة زعيم التنظيم «أبو بكر البغدادي»، من خلال تسجيل صوتي باللغتين العربية والروسية، يعلنون فيه مبايعة «الخليفة» على السمع والطاعة. وقد رحّب المتحدث باسم «تنظيم داعش» أبو محمد العدناني بتلك البيعة، من خلال رسالة صوتية تحت عنوان «يا قومنا أجيبوا داعي الله»، أعلن فيها عن قيام «ولاية القوقاز»، وتعيين «أبو محمد القدري» واليًا على «القوقاز». وفي 12 اكتوبر 2015 أعلن جهاز الأمن الروسي ايقاف مجموعة كانوا يحضرون لعمليات ارهابية في العاصمة الروسية، وبحسب موسكو فقد تلقوا تدريبًا في معسكرات تابعة لتنظيم داعش في سوريا. وفي مقابلة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أجرتها معه قناة «سي بي إس» التلفزيونية الأميركية تحدث عن وجود «أكثر من 2000 مقاتل من دول الاتحاد السوفياتي (السابق) على الأراضي السورية. وتشير الدراسة الصادرة عن المعهد الألماني للشؤون الدولية والامنية الى أن مجاهدي القوقاز ينقسمون في سوريا إلى ثلاث مجموعات رئيسية: تنظيم جيش المهاجرين والأنصار بقيادة أبو عمر الشيشاني ويعد هذا التنظيم من أبرز المجموعات المقاتلة في سوريا والمنضمة لتنظيم داعش، جماعة سيف الدين الشيشاني والمنشقة عن جيش المهاجرين والأنصار والتي بايعت جبهة النصرة «تنظيم القاعدة في بلاد الشّام» في أواخر عام 2013، تنظيم جند الشام بقيادة أبو وليد (المعروف بمسلم الشيشاني أو مسلم مارجوشفيلي) وهو تنظيم يدين بالولاء ل «إمارة القوقاز الإسلاميّة» وهي مجموعات مستقلّة تنظيميّاً، وتُنسّق عسكريّاً مع جبهة النصرة وتنظيم داعش. وبالتالي تخشى روسيا من هذه المجموعات الشيشانية بعد عودتها من سوريا والبدء بعمليات ارهابية داخل الاراضي الروسية ونشرهم الفوضى وتكرار الحالة الافغانية في اوائل التسعينات بعد الانتهاء من الحرب. ثانيا: ملء الفراغ في المنطقة. تردّد ادارة أوباما وتخبطها وعدم وضوح سياستها في سوريا خلال الخمس سنوات الماضية، شجع روسيا على التسلل لملء الفراغ. نشرت فورين بوليسي مقالا للكاتبة جوليا إيوفي أشارت فيه الى أن «لعبة روسيا في سوريا بسيطة جدا»، موضحة أنها تعتمد على ملء الفراغ الذي تركته أمريكا في المنطقة. وأشارت الكاتبة الى أن «نمو التأثير الروسي في المنطقة يتناسب طرديا بشكل مباشر مع غياب التأثير الأمريكي في المنطقة». فروسيا ما زالت ترى انها قوى عظمى تخوض صراعا لا نهاية له مع قوة عظمى أخرى, وهي الولاياتالمتحدة. ثالثا: تحجيم الدور الإيراني، لا اعتقد ان هناك تنسيقا ايرانيا/ روسيا في التدخل الاخير وانما هناك تنافس صامت او بارد. فبعد الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 وشبه الانفتاح والتقارب مع الولاياتالمتحدة والتفاهم على بعض الملفات، تغير المزاج الروسي نحو ايران وزادت خشيته من تعاظم دورها في سوريا والهيمنة على الكعكة السورية. «في احد الاجتماعات الاخيرة قال نائب وزير الخارجية الروسي للسفير السوري بالحرف: مللنا من لفكم ودورانكم.. بلغ سيدك إما أن تكونوا معنا أو تكونوا مع الإيرانيين». وهذا يظهر مدى التنافس بين طهرانوموسكو على الكعكة السورية. وبالتالي دخلت روسيا للحد من تنامي الميليشيات الشيعية التابعة لإيران، بحيث تكون روسيا قادرة على الامساك بالورقة السورية وفرض التسوية السياسية الذي يعزز نفوذها ويخدم مصالحها. الامر الثاني منع ايران من السيطرة على الشاطئ المتوسط من خلال الانتشار الروسي في الساحل السوري والذي قابله بشكل مباشر سحب الميليشيات الشيعية منه. واعتقد ان هذا الحلف (ايراني- روسي) على وشك الانهيار ليس في الظروف الحالية، وقد حصل مثل هذا الامر في الحروب السابقة، عندما برز التنافس بين الحليفين السوفييتي والأمريكي في نهاية الحرب العالمية الثانية، على تقاسم ألمانيا. واخيرا ليس هناك بعد واحد لفهم تعقيدات السياسة الدولية وتفسير السلوك الخارجي للدول وانما هناك ابعاد مختلفه يتشابك فيها السياسي بالامني بالاقتصادي. وفي مقالي القادم سوف احاول القاء بعض الضوء على الشق الاقتصادي كأحد الاهداف في تفسير التدخل الروسي في سوريا.