استمرت الاشتباكات العنيفة في بلدة عرسال بين الجيش وتحت غطاء من المدفعية الثقيلة، وبين المسلحين، في محاولة من الجيش لاسترجاع بعض النقاط التي احتلتها المجموعات المسلحة أمس، بعدما كانت قد شهدت عرسال يوم السبت «أخطر ما تعرّض له لبنان واللبنانيون» من أعمال إرهابية، بعدما أوقف الجيش اللبناني السوري عماد أحمد جمعة على أحد الحواجز المحيطة بالبلدة، ما أدى الى انتشار مسلحين في محيط عرسال وداخلها ومطالبتهم بالإفراج عنه قبل أن يعمدوا إلى خطف جنديين من الجيش اللذين تحرّرا في وقت لاحق. وبدت الحركة صباح أمس، معدومة في بلدة عرسال باستثناء حركة آليات المسلحين التي تجوب شوارعها، ولوحظ حركة نزوح من قبل اهالي بلدة عرسال باتجاه قرى مجاورة آمنة. ولا يزال الجيش اللبناني يستقدم تعزيزات اضافية باتجاه عرسال وعمل على نقل عدد من جرحاه الى المستشفيات. وأكدت مصادر امنية ل«اليوم» ان «الجيش استطاع اسر عدد من المسلحين المشاركين في المعارك». وكما اقتحم المسلحون المنتمون إلى «داعش» و«النصرة» فصيلة قوى الأمن الداخلي في البلدة وأطلقوا النار على أقفال النظارات في الفصيلة وأخرجوا منها أربعة سوريين كانوا موقوفين بتهمة الدخول خلسة إلى لبنان، ثم احتلوا الفصيلة وأحرقوا قسماً منها بعد خروج عناصر الدرك منها واستولوا على أسلحتهم قبل أن ينتقل العناصر ليلاً إلى منزل الشيخ مصطفى أحمد الحجيري الكائن في مبنى يضم مسجداً ومستشفى. إلى ذلك، تابعت وحدات الجيش طوال الليل وحتى صباح امس، عملياتها العسكرية في منطقة عرسال ومحيطها، حيث قامت بملاحقة المجموعات المسلحة والاشتباك معها. وقد سقط للجيش خلال هذه الاشتباكات 8 شهداء وعدد من الجرحى. وتعرضت بلدة عرسال خلال الليل إلى قصف متقطع بمدافع الهاون مصدرها المجموعات المسلحة التي تقاتل الجيش، وتقوم وحدات الجيش بالرد على مصادر النيران بالأسلحة المناسبة. الجيش لن يسكت وأكد الجيش، في بيان، انه «لن يسمح بأن يكون أبناؤه رهائن، ولن يسكت عن أي استهداف يطال الجيش وأبناء عرسال.. ولن يسمح لأي طرف أن ينقل المعركة من سوريا إلى أرضه». اضاف انه «لن يسمح لأي مسلح غريب عن بيئتنا ومجتمعنا بأن يعبث بأمن لبنان وأن يمس بسلامة العناصر من جيش وقوى أمن»، مؤكداً انه «سيكون حاسماً وحازماً في ردّه ولن يسكت عن محاولات الغرباء عن أرضنا تحويل بلدنا ساحة للإجرام وعمليات الإرهاب والقتل والخطف». في حين قال قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي إن الهجوم الذي شنه إسلاميون متشددون في بلدة عرسال الحدودية قرب سوريا «كان محضرا والجيش قام برد سريع ونفذ عملية نوعية». وأضاف في مؤتمر صحفي بثه التلفزيون في بيروت «الهجمة ليست صدفة إنما كانت محضرة وبانتظار الوقت المناسب». استنكارات واستدعت هذه التطورات اتصالات عاجلة بين رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص لمتابعة الأوضاع. واعتبر سلام في تصريح أدلى به ان «ما يجري في عرسال اعتداء صارخ على لبنان الدولة وعلى القوات المسلحة اللبنانية، مثلما هو اعتداء على المواطنين اللبنانيين»، مؤكداً ان الدولة «لن تتهاون في حماية أبنائها مدنيين كانوا أم عسكريين»، موجهاً تحية إلى صمود أبناء عرسال الصابرة». وأدان رئيس مجلس النواب نبيه بري «استهداف الجيش والقوى الأمنية»، فيما أكد رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة «انحيازنا من دون تردّد إلى جانب الدولة اللبنانية ومؤسساتها الأمنية ودعم الجيش وقوى الأمن الداخلي قبل أن نسأل مع أي طرف هي المواجهة». ودعا إلى «انسحاب المسلحين السوريين من عرسال وانسحاب حزب الله من سوريا». من جهته، أكد تيّار «المستقبل» ان قيادته «تابعت بتوجيهات من الرئيس سعد الحريري التطورات الأمنية والعسكرية التي شهدتها منطقة عرسال». ورأى ان «الاعتداءات المسلحة التي استهدفت مواقع الجيش اللبناني وحواجزه والفصيلة التابعة لقوى الأمن الداخلي، عمل إجرامي لا يمتّ إلى الثورة السورية وأهدافها بأي صلة بل يسيء إليها ويصيبها في الصميم خصوصاً أنه يستهدف بلدة عرسال الصابرة والصامدة والتي لعبت دوراً كبيراً في احتضان النازحين». وسبق ونشرت «جبهة النصرة» شريط فيديو بُثّ عبر «يوتيوب»، يُظهر عناصر قوى الأمن الداخلي المختطفين في عرسال وهم يعلنون مرغمين «انشقاقهم» عن الجيش و«حزب الله». تشديد على صعيد آخر شدد الجيش اللبناني من إجراءاته الأمنية أمس داخل أحياء وفي محيط مدينة صيدا الجنوبية الواقعة على بعد نحو 40 كيلومترا عن العاصمة بيروت. وأقام الجيش الحواجر الثابتة وسير الدوريات الآلية والراجلة في شوراع وأحياء هذه المدينة وفي محيط مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين المتواجدين في ضواحيها الجنوبية على خلفية التوترات الأمنية التي انفجرت في محيط بلدة عرسال. وأنشأ الجيش العديد من الحواجز للتدقيق في هويات المارة وأخضع السيارات للتفتيش الدقيق خوفاً من حدوث ردود فعل بعد الاشتباكات التي اندلعت في بلدة عرسال. وفي الشمال ساد التوتر الحذر امس المناطق التي شهدت اشتباكات عنيفة بالأسلحة المتوسطة والخفيفة بين الجيش اللبناني ومسلحين ملثمين في عدد من أحياء مدينة طرابلس شمال لبنان. وكان المسلحون قد أطلقوا النار في اتجاه مراكز الجيش اللبناني في شوارع سوريا وستاركو وبراد البيسار والغرباء وطلعة العمري ومشروع الحريري - القبة، فرد جنود الجيش على مصادر النيران بالأسلحة المناسبة وحصلت عمليات كر وفر أثناء المواجهات في عدد من شوارع المدينةاللبنانية الشمالية. كما تم تفجير عبوة ناسفة بدورية للجيش أثناء خروجها من مركزها في مشروع الحريري في اتجاه طلعة العمري مما أدى إلى إصابة ضابط وجندي تم نقلهما إلى أحد المستشفيات المجاورة للمعالجة.