شهد لبنان أمس فصلاً جديداً خطيراً من فصول انتقال الحرب السورية إليه عبر بلدة عرسال البقاعية الحدودية وجرودها، حيث وقعت اشتباكات ومطاردات بين الجيش اللبناني ومسلحين تابعين ل «جبهة النصرة» التي اقتحمت البلدة وخطفت عناصر من قوى الأمن الداخلي. وسقط شهداء وجرحى في صفوف الجيش والمدنيين من أبناء البلدة التي دبت فيها الفوضى، وهو ما اعتبره الجيش «أخطر ما تعرّض له لبنان واللبنانيون». وتطور توقيف أحد مسلحي المعارضة السورية الذي تردد أنه كان أصيب في المعارك في الجرود مع الجيش السوري، على حاجز للجيش اللبناني في أطراف عرسال أثناء نقله الى المستشفى الميداني المخصص للسوريين في البلدة، الى اشتباكات عنيفة بين مسلحين سوريين أتوا من الجرود، وبين حواجز الجيش على أطراف البلدة قبالة الجرود. وطوق مسلحون مركز فصيلة الدرك في البلدة وخطفوا اثنين من عناصرها. وأفادت معلومات من البقاع بأن الاشتباكات أدت الى استشهاد جنديين وإصابة عدد آخر من الجنود، والى مقتل مدنيين وجرح آخرين من اللبنانيين والنازحين السوريين، فيما عزز الفوج المجوقل المنتشر في البلدة قواته وكذلك اللواء الثامن المتواجد في جرودها. وأعلنت قيادة الجيش- مديرية التوجيه أنه «في الساعة 12 ظهر أمس، تم توقيف السوري عماد أحمد جمعة على أحد حواجز الجيش في جرود منطقة عرسال، واعترف عند التحقيق معه بانتمائه إلى «جبهة النصرة». وسلم الموقوف إلى المراجع المختصة لاستكمال التحقيق». وبحسب «الوكالة الوطنية للإعلام» (الرسمية)، هاجم مسلحون سوريون حاجزين للجيش في منطقة المصيدة ووادي حميد على السلسلة الشرقية، فرد على مصادر النيران بمختلف الأسلحة، ومنها المدفعية، كما دارت اشتباكات بين المسلحين والجيش وقوى الأمن الداخلي- فصيلة عرسال، في محاولة لصد هجوم المسلحين على مراكز الجيش والقوى الأمنية في عرسال، بعدما كان أفيد عن أن مسلحين ملثمين دخلوا إلى فصيلة قوى الأمن في البلدة. وأشار مراسلون محليون في البقاع إلى أن طوافتين تابعتين للجيش تحركتا من قاعدة رياق باتجاه جرود عرسال بحثاً عن المسلحين في ظل انتشار كثيف للجيش. وأطلق أهالي عرسال دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى طرد المسلحين وعدم الاصطدام مع الجيش. وتوسعت رقعة إطلاق النار بعد الظهر لتشمل منطقتي الحصن ووادي عطا. وتمكن مسلحون من احتجاز جنديين من الجيش كانا ينقلان صهريج مياه. ثم ذكر أن عناصر الفوج المجوقل حررتهما بعملية نوعية وأصيب 4 جنود بجروح خلالها. وتمكن أهالي عرسال من إخراج ضباط وعناصر فصيلة عرسال من مبنى الفصيلة، في الوقت الذي استولى المسلحون على الأسلحة وأطلقوا عدداً من الأشخاص كانوا موقوفين في سجنها. وأدى اتساع الاشتباكات إلى إصابة مدنيين لبنانيين بالرصاص كانوا يصدون اقتحام المسلحين لمقر فصيلة الدرك توفي منهم كمال عز الدين وآخر من آل نوح. وتحدث مدير المستشفى الميداني السوري الدكتور قاسم الزين ل «الحياة»، عن مقتل امرأة نازحة وإصابة أربعة آخرين بجروح في أحد المخيمات القريبة من أحد حواجز الجيش جرى نقلهم إلى المستشفى. وأشار إلى حال من الفوضى الأمنية. ووصف شهود عيان في عرسال في اتصال مع «الحياة»، الوضع مساء بأنه «لا يزال متفجراً»، وأن هناك العديد من القتلى والجرحى بين صفوف المدنيين نقل بعضهم الى المستشفيين الميدانيين في البلدة ولا يزال آخرون على الأرض في الشوارع والمنازل التي طاولها رصاص الاشتباكات. وتحدث هؤلاء عن أن مناصري جمعة سيطروا على عدد من حواجز الجيش وعن حرائق اندلعت في مخيمات للنازحين، وأشاروا إلى أن رجل دين تدخل وسيطاً وتمكن من استرداد عنصري الدرك اللذين تم احتجازهما وعاد بهما إلى منزله. وعرضت قيادة الجيش اللبناني – مديرية التوجيه في بيان وقائع ما حصل في عرسال، معلنة أنه «لم تكد تمضي ساعات على احتفال لبنان واللبنانيين بعيد الجيش، حتى هاجمت مجموعة من المسلحين الغرباء من جنسيات مختلفة مواقع الجيش ومراكزه في منطقة عرسال، ما أدى الى وقوع عدد من الإصابات بين شهيد وجريح في صفوف العسكريين والمدنيين من أبناء البلدة الذين تضامنوا مع القوى العسكرية والأمنية ضد العناصر المسلحة التي تواجدت في البلدة». واعتبر أنّ «ما جرى ويجري اليوم، يعد أخطر ما تعرض له لبنان واللبنانيون، لأنه أظهر بكل وضوح أن هناك من يعد ويحضر لاستهداف لبنان ويخطط منذ مدة للنيل من الجيش اللبناني ومن عرسال. فالمجموعات المسلحة شنّت هجوماً مركزاً على منازل اللبنانيين من أهالي عرسال والمنطقة التي يدافع عنها الجيش ويحمي أبناءها، وخطف المسلحون عدداً من جنود الجيش وقوى الأمن الداخلي وهم عزّل في منازلهم يمضون إجازاتهم بين أهلهم، وأخذوهم رهائن مطالبين بإطلاق أحد أخطر الموقوفين لدى الجيش». وأكدت قيادة الجيش «أنّ الجيش لن يسمح بأن يكون أبناؤه رهائن، ولن يسكت عن أي استهداف يطاوله وأبناء عرسال الذين وفر لهم الجيش الحماية وعزز وجوده في المنطقة، بناء على قرار مجلس الوزراء، لكن المسلحين الغرباء أمعنوا في التعديات وأعمال الخطف والقتل والنيل من كرامة أبناء المنطقة». وشددت على أنّ الجيش «لن يسمح لأي طرف بنقل المعركة من سورية إلى أرضه، ولا لأي مسلح غريب عن بيئتنا ومجتمعنا بأن يعبث بأمن لبنان ويمسَّ بسلامة العناصر من جيش وقوى أمن، والجميع اليوم مدعوون الى وعي خطورة ما يجري وما يحضر للبنان وللبنانيين وللجيش، بعدما ظهر أن الأعمال المسلحة ليست وليدة الصدفة بل مخططة ومدروسة، والجيش سيكون حاسماً وحازماً في رده، ولن يسكت عن محاولات الغرباء على أرضنا تحويل بلدنا ساحة للإجرام وعمليات الإرهاب والقتل والخطف». وأصدرت قيادة الجيش بياناً ثالثاً شرح حيثيات ما جرى في عرسال جاء فيه أنه «إثر توقيف المدعو جمعة على أحد حواجز الجيش في جرود عرسال، توتر الوضع الأمني في المنطقة ومحيطها نتيجة انتشار مسلحين ومطالبتهم بالإفراج عنه، وأثناء مرور صهريج مياه تابع للجيش عمد المسلحون إلى خطف جنديين من الجيش، كما أقدمت هذه المجموعات المسلحة الغريبة عن لبنان وعن منطقة عرسال تحديداً والتابعة لجنسيات متعددة، على الاعتداء على عسكريين من الجيش والقوى الأمنية الأخرى داخل البلدة وخطفت عدداً منهم». وأضاف البيان أن «وحدات الجيش اتخذت التدابير الفورية لمواجهة الوضع، فيما اعتدى مسلحون على أحد مراكز الجيش وأطلقوا النار باتجاهه، وتقوم وحدات الجيش بالرد على مصادر النيران باستخدام الأسلحة الثقيلة واستهداف أماكن تجمعهم، وبنتيجة الاشتباكات سقط للجيش عدد من الشهداء والجرحى كما استشهد عدد من سكان بلدة عرسال أثناء محاولتهم منع المسلحين من الدخول إلى فصيلة الأمن الداخلي، كما تمكن الجيش نتيجة عملياته من تحرير الجنديين المخطوفين». وكان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع سمير مقبل، أكد «أن القرار موجود بمواجهة كل معتد على الجيش الذي له كل التغطية السياسية». ودان رئيس البرلمان نبيه بري «الاعتداءات الإرهابية على الجيش والقوى الأمنية، وأجرى اتصالاً بقائد الجيش العماد جان قهوجي أثر قيام الجيش اللبناني باعتقال أحد الإرهابيين». وأشار إلى «مهاجمة مجموعات الإرهاب التكفيري نقاطاً للجيش وموقعاً لفصيلة الدرك في عرسال وعلى استهداف الجيش»، معتبراً أنه عدوان على كل لبنان وكل اللبنانيين. وأكد أن «أهلنا في عرسال، شأنهم شأن أهالي الموصل، لن يدعوا الإرهاب يتسلط على بلدتهم ويمارس العدوان على الجيش والقوى الأمنية، وهم الذين نشهد لهم في مواقع المقاومة الوطنية والوطن». وأكد رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة «الانحياز ومن دون تردد إلى جانب الدولة ومؤسساتها الأمنية ودعم الجيش وقوى الأمن الداخلي قبل أن نسأل مع أي طرف هي المواجهة. وليس مسموحاً لأي طرف كان أن يرفع سلاحه في وجه القوى الشرعية وأن يحمل السلاح على الأراضي اللبنانية».واعتبر الرئيس السابق ميشال سليمان أن «من يعتدي على الجيش والقوى الأمنية سيدفع الثمن غاليا». ورأى رئيس الحكومة تمام سلام أن «هجوم جماعات غير لبنانية مسلحة» على الجيش والقوى الأمنية «اعتداء صارخ على لبنان الدولة، التي لن تتهاون في حماية أبنائها مدنيين وعسكريين ولن تسمح بفرض الفوضى الأمنية». وطالب ب «ضرورة انسحاب المسلحين السوريين من الأراضي اللبنانية ومن عرسال بالتحديد، ووضع البلدة ومحيطها تحت سلطة الدولة وأجهزتها الأمنية وضرورة انسحاب «حزب الله» من القتال في سورية». واتصل سلام وزعيم تيار «المستقبل»سعد الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق بالعماد قهوجي وأكدوا دعمهم لمواجهة الإرهاب. ومساء، أُعلن عن غارات للطائرات الحربية السورية على جرود عرسال، وبثت مواقع إلكترونية شريطاً للموقوف جمعة يبايع فيه تنظيم «داعش»، فيما ترددت معلومات إعلامية عن تحرك لمسلحي «حزب الله» في الجرود لتطويق المسلحين السوريين.