"لا أتخيّل أني سأترك بيتي الذي وُلدت فيه، وأنتقل إلى مكانٍ آخر؛ لأن بلدية حيفا قررت أن تقيم حديقة عامة مكان بيوتنا".. يقول توفيق ابو عباس، أحد سكان حي وادي السياح الذي يشكّل امتدادًا لأراضي جبل الكرمل الحرجية الساحرة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. وتقيم عائلتا أبو عباس التي تعد نحو 60 فردًا وعائلة حجير في الحي الواقع على ساحل البحر المتوسط عند منحدر جبل الكرمل في بيوت متلاصقة محاطة بأشجار معمرة. وتطالب سلطات الاحتلال ممثلة ببلدية حيفا ووزارة الداخلية وسلطة حماية الطبيعة، أفراد العائلتين بإخلاء بيوتهم التي يملكونها بشكلٍ فوري ليصار هدمها في إطار ضم المنطقة إلى "المتنزه الوطني"، أو يجبروا على العيش فيها بدون أي خدماتٍ بلديةٍ خلال مهلة عشر سنوات سيضطرون بعدها للرحيل، وإلا سيتم إخلاؤهم بالقوة مع انتهاء تلك المهلة، بحسب محامي العائلتين. ويقول توفيق ابو عباس ل"فرانس برس": ولدنا في هذه البيوت، وكنا فيها قبل تأسيس دولة اسرائيل وبحوزتنا طابو (سندات الملكية) ولولا أوراق الطابو لقاموا بترحيلنا منذ زمن بعيد. ويضيف: "في البداية حاولت شركة كاديشا لليهود المتدينين أن تبسط يدها على اراضينا لتضمها للمقبرة اليهودية المجاورة لنا وترحّلنا. فتصدت لها سلطة حماية الطبيعة التي حسمت القضية مع المتدينين، وبعدها قررت سلطة الطبيعة ان تستولي على أراضينا لتحويلها إلى متنزه وطني". ويضيف: "السلطات الاسرائيلية تفضل الأموات اليهود والطبيعة علينا نحن العرب، حتى أن إحدى مسؤولات الطبيعة وصفتنا بأننا مستوطنون، وتساءلت: كيف غزوا هذا المكان الطبيعي وكيف تواجدوا فيه؟". ووادي السياح هو امتداد لأراضي جبل الكرمل الحرجية المغطاة بأشجار البطم والسنديان والازهار البرية. وفوق وادي السياح آثار لكنيسة وكهوف للرهبان الكرمليين، وعند السفح توجد عين ماء ونبعة وجدول يسير بين الصخور الجيرية. وشيّدت سلطة الطبيعة مسارات للسير بمحاذاة بيوت عائلة «ابو عباس»، ينطلق منها المتنزهون حتى قمة الجبل، كما أقامت معرشات طبيعية للتخييم. يقول المواطن توفيق ابو عباس: ولدنا في هذه البيوت، وكنا فيها قبل تأسيس اسرائيل وبحوزتنا سندات الملكية، ولولاها لقاموا بترحيلنا منذ زمن بعيد.. إحدى المسؤولات الإسرائيليات وصفتنا بأننا مستوطنون، وتساءلت: كيف غزيتم هذا المكان الطبيعي وكيف تواجدتم فيه؟ويحيط وادي السياح من الغرب البحر الابيض المتوسط، ومن الجنوب مقبرة كفار سمير لليهود، وعلى قمة الكرمل من الجهة الشرقية حي كرميليا اليهودي، وعلى القمة الشمالية حي الكبابير العربي. ومضى توفيق ابو عباس يقول: "هل كانت بلدية حيفا ستتجرأ على ترحيل السكان لو كانوا يهودًا؟ نحن ندفع كل الضرائب المفروضة علينا، ونقوم بواجباتنا للبلدية التي لم تعطنا أي خدمات". ويوضح: "كنا نصعد سيرًا على الأقدام الى حي الكبابير على قمة الكرمل للذهاب للمدرسة، ولم يعطونا كهرباء أو ماء حتى عام 1995". ولا توجد إنارة ليلية في الحي. ويقول أبو عباس: "المكان مخيف في الليل. ما ان تغيب الشمس حتى تغرق المنطقة في ظلام دامس". وتقول صابرين ابو عباس: "لا أعرف ماذا سنفعل، نحن نعيش على أعصابنا. أين سنعيش في حيفا لو رحّلونا؟ تعودنا على العيش هنا، كيف سنترك بيوتنا وأراضينا وبساتيننا". وتضيف: "العرب يعيشون في شقق صغيرة في حيفا، وهناك اماكن كثيرة لا يستطيعون شراء بيوت فيها لأنهم عرب، نحن نعيش حرب استنزاف، ففي كل مرة يخلقون لنا قصة جديدة". وتبنى مركز "مساواة" الحقوقي في مدينة حيفا قضية سكان وادي السياح ويتصدى للبلدية وسلطة الطبيعة والداخلية من الناحية القضائية. وقال محامي المركز سامح عراقي: "تريد البلدية ان تستولي على ارض تصل الى 35 دونمًا هي ارض عائلة ابو عباس وبستان عزيز الخياط المتوفى والذي كان احد اكبر الملاكين العرب في حيفا وتحويلها الى متنزهات عامة". ويؤكد سامح عراقي: "أعلنت المؤسسات الاسرائيلية على ان مخططاتها في منطقة وادي السياح جاءت للحفاظ على منطقة الوادي وتأهيله نظرًا لقيمته الطبيعية والاثرية، ولكنهم ناقضوا مخططهم اذ باتوا يريدون تهجير السكان العرب دون النظر الى انهم جزء من وجود هذا المكان ومن تراثه". واضاف "نحن الآن نريد ان نقدم مخططًا بديلًا يستثني التجمع السكاني لوادي السياح من عملية الهدم، لعلنا ننجح". وينشط مركز مساواة على تفعيل المسار الشعبي اذ نظم حملة شعبية لمساندة سكان الوادي من خلال إقامة ايام عمل تطوعي ومحاضرات وحشد جماهيري للتظاهر امام المحاكم. ويؤكد مديره جعفر فرح: "نحن نعمل من حيث المبدأ على حق السكان بالبقاء والعيش في بيوتهم وعلى اراضيهم، وضمن قرارات البلدية وسلطة الطبيعة. استيلاء سلطة الطبيعة على ارض وادي السياح لا يعني ان العائلات العربية غير مالكين للأرض. سيكونون مالكين للارض لكن ليس من حقهم البناء او ابقاء بيوتهم المبنية عليها لأنها متنزه طبيعي". ويضيف "لذا نحن نصر على ان تقوم بلدية حيفا بتغيير مخططاتها وهذا ما نطالبها به".