على غير عادتها كرمت إثنينية عبد المقصود خوجة مؤخراً علماً من الراحلين هو علامة الجزيرة حمد الجاسر، حيث نوه الشيخ عبد المقصود خوجة إلى أن ذلك قد يعد بدعة حسنة، نظراً لأن الإثنينية درجت على تكريم الأحياء مؤملاً مواصلتها لتكريم الراحلين في كل موسم لرجال أسهموا بجهد مشكور في الحركة الثقافية، وأضاف الشيخ متحدثاً عن ذكرياته مع حمد الجاسر من خلال الرسائل المتبادلة بينهما، وقال أول ما يتبادر إلى الذهن لقب (علامة الجزيرة) الذي التصق بشيخنا الجليل، كيف يرى هذا اللقب؟ وماذا يشعر نحو هذه الصفة؟ ولكي يضع الحضور في صورة الحدث قرأ عليهم جزءاً من رسالة تلقاها من الجاسر بتاريخ 22/11/1420ه يقول فيها (وأقولها كلمة حق هو أن وصفي ب "علامة الجزيرة" وصف لا أرتضيه، فرحم الله امرأ عرف قدر نفسه، وهذا اللقب ألصقه بي أحد العابثين، فتداوله بعض الكتاب الذين يجهلون حقيقة الأمر). وبعد وصفه لتواضع الضيف ختم الشيخ خوجه حديثه بالإشارة إلى سعة علمه ومكانته في بلادنا الغالية والبلاد العربية. وبقدر من الوفاء والحق قدم د. محمد عبده يماني كلمة تفيض بالعرفان في حق علامة الجزيرة واصفاً إياه بأنه لم يسع إلى مال أو جاه وإنما اتجه إلى العلم والأدب حيث قدم أبحاثه التي أعلت من شأنه محلياً وعربياً بتواضعه وأدبه الجم في الحوار. وعلى هذا النحو أيضاً قدم إبراهيم العواجي مداخلته الصغيرة متحدثاً عن المحتفى به كرائد صحفي تنويري، وقال إنه كان يتبنى قضايا جديدة لم تكن مقبولة من المجتمع آنذاك، ووصفه بأنه رجل مستنير، وإن اهتماماته تتجاوز ما عرفه عنه كباحث وأديب إلى أبعاده الموسوعية الأخرى. وقال عبد الرحمن الشبلي عضو مجلس الشورى إنه لا يمكن أن نختزل تاريخ حمد الجاسر في ليلة واحدة، فهو علامة موسوعي ترك بصمات واضحة لانتشال المجتمع من مجاهل العزلة، فهو رائد في مجال التنوير الاجتماعي والثقافي، مؤكداً إن دربه لم يكن ممهداً بالورود كما قد يتصور البعض وإنما تعرض لصعوبات كثيرة في طريق البحث عن الحقيقة. وتطرق الشبيلي إلى مجال النشر والصحافة ووصف علامة الجزيرة بأنه مؤسس المطبوعة الأولى في المنطقة الوسطى، حيث كانت بدايته الصحفية عام 1350ه فكتب في صوت الحجاز وأم القرى والمنهل والبلاد وغيرها من الصحف كما أنه شاغب الكثير من الكتاب كالعواد والفتراوي وعطار وباخير وعبد القدوس الأنصاري رحمهم الله. وذكر د. عبد الله مناع (إعلامي) أن العلامة حمد الجاسر صاحب أول مكتبة هي (مكتبة العرب) وأول مطبوعة بنجد وهو المعجمي الأول لاهتمامه بالمعجم الجغرافي للجزيرة العربية ومعجم اللغة بمصر والشام وبغداد والهند. وتحدث مناع عن قصة رفع الرقابة عن الصحافة وذكر أن جواهر لال نهرو زار البلاد عام 1379ه فرحب به الجاسر بمقالة ذكر فيها أنه (رسول السلام) وكتب مقالاً آخر عن القاديانية وعلى أثر هذين المقالين أوقف الجاسر وأقفلت الجريدة فبدأ التوجه إلى رفع الرقابة عن الصحافة آنذاك. الشاعر والكاتب سعد البواردي تحدث عن الجاسر بأنه جامعة لعلمه الموسوعي فهو كلية في اللغة العربية وكذلك في الجغرافيا والتاريخ والتربية والإعلام. وفي محور آخر تحدث الإعلامي حمد الجاسر عضو مجلس الشورى متناولاً بدايات الجاسر حيث كان يعمل فلاحاً بمنطقة البرود وأصيب بمرض أقعده عن الفلاحة ليتجه إلى فلاحة الورق، وتطرق إلى زهده بالأضواء والشهرة وكذلك عن تقديره لدور المرأة في المجتمع مسانداً لها لرفع ما كانت تعانيه من اضطهاد من قبل المجتمع آنذاك وأبرزها في مجال التعليم. أما د. عايض الردادي فقد تحدث عن ذاكرة الشيخ وعن حرصه على الدقة في ذكر المعلومات، وأشار إلى أن الشيخ المحتفى به كان يفرح بالنقد أكثر من فرحه بالثناء، كما أنه كان لا يتجاهل أحداً ويحتفي بما يهدى إليه من كتب ومؤلفات. وتناول معن بن حمد الجاسر الجانب الإداري لوالده حيث تحدث عن تحديده للأهداف والدقة في المواعيد والموارد المالية، وشكر الشيخ عبد المقصود خوجه لهذا الاحتفاء متناولاً العلاقة الوطيدة بين والده وبين خوجه. أما سهم الدعجاني مدير مركز حمد الجاسر فقد تطرق إلى ما يقدمه المركز من توثيق لأعمال حمد الجاسر وتخصيص موقع على الشبكة الإلكترونية وطباعة الكتب الثقافية عن أعمال الجاسر والاهتمام بالخميسية كما أن المركز يقدم إعانات مالية للباحثين. الباحث أحمد العلاونة أحد الذين تناولوا أبحاث الجاسر بالكتابة عنه بمؤلف (حمد الجاسر جغرافي الجزيرة العربية ومؤرخها ونسابتها) تناول منهجه في النقد وتقبل العلماء لآرائه وملاحظاته. ويمكن القول في ختام الأمسية أنها كانت ثرية وتناولت أغلب الجوانب المرتبطة بحياة علامة ساهم في إثراء الحياة الثقافية والأدبية في المملكة في زمن هي بأمس الحاجة إلى مثل هذه الطاقات، وقد ساهم مع زمرة من مجايليه في إرساء قواعد مجتمع مثقف.. لقد وضعت الشهادات التي ألقاها نخبة ممن اتصلوا بحياة الشيخ أمام المتلقي زاداً ثقافياً وأدبياً هو في أمس الحاجة إليه.