الوجود اليهودي في اليمن ظل على مدى السنوات الأخيرة موضوع رهان في أن يكون يوما ما مدخلال للتطبيع اليمني مع إسرائيل، استنادا الى المحاولات المحمومة التي قامت بها ولا تزال مراكز ومنظمات صهيونية عالمية، للبحث عن ثغرة لاختراق هذا البلد الذي ظل يرفض باستمرار مجرد فكرة التطبيع . ومنذ وقت مبكر حسم المسؤولون اليمنييون جدلا واسعا حول زيارة يهود اسرائليين إلى اليمن أو سفر يهود يمنيين إلى إسرائيل فيما اعتبره البعض تطبيعا مع الكيان الصهيوني غير أن الحكومة وعلى لسان مسؤولين كبار اعتبرت ذلك إجراء عاديا على اعتبار أنه لايمكنها منع أي مواطن يمني من السفر سواء كان يهوديا او مسلما طالما وهو يسافر بجواز سفر يمني أو بجواز سفر أمريكي بالنسبة للواصلين إلى اليمن . بعض يهود اليمن يؤكدون أنهم ظلوا هدفا لنشاط منظمات صهيونية تروج لترحيلهم من اليمن إلى فلسطينالمحتلة وأن ضغوطات ترحيلهم ما زالت مستمرة وبوتيرة عالية منذ أن تجددت بشكل ملحوظ عام 1992 ، الذي شهد ظهور ناشطين من يهود اليمن مرتبطين بحركة ( ستمار )، والذين تمكنوا حتى عام 2000 من ترحيل عدة آلاف من يهود اليمن إلى أمريكا وإسرائيل. وعلى مدى السنوات الماضية وحتى اليوم يجرى إرسال العشرات وربما المئات من اليهود اليمنيين الشباب في بعثات دراسية مجانية إلى أمريكا كما قام الكثير منهم بزيارة إسرائيل عن طريق بلد ثالث. ويقول يوسف النهاري وهو يهودي من سكان منطقة ريدة : لم يعد هناك الكثير من اليهود في ريدة .. وقبل حوالي 3 سنوات هاجر أكثر من 600 شخص إلى أمريكا معظمهم من الشباب .. ولا يتجاوز عدد من يعيشون هنا الآن ال 170 غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن. الحكومة اليمنية كما يبدو لا تتدخل في العلاقات بين يهود اليمن ويهود الخارج ويعتقد المسؤولون هنا أن اليهودي اليمني هو كأي مواطن يمني يتمتع بكافة الحقوق المكفولة دستوريا للمواطن. وبالمثل لا تخف الحكومة حقيقة وجود العديد من المنظمات اليهودية الناشطة في تهجير اليهود والضغوطات التي تمارس في العلن على يهود اليمن للهجرة إلى إسرائيل .. كما أنهم يعلنون صراحة أن اتصالات تجري مع اليهود في مناسبات عديدة ، علاوة على تلقيهم مساعدات مالية من منظمات يهودية معروفة. ورغم كل ذلك فان معظم من تبقى من اليهود على حد تعبير إسحاق ألمورفي (وهو شاب يهودي من أبناء صعده ) .. لا يفكرون بالهجرة عدا الشباب الذين يهاجرون إلى الولاياتالمتحدة وأوروبا.. أما كبار السن فإنهم لا يفكرون بترك اليمن ..خاصة بعد أن وجدوا بعضا ممن رحلوا في سنوات سابقة عادوا إلى اليمن لعدم قدرتهم على التكيف مع المجتمع الإسرائيلي . ويقول المورفي :ان معظم اليهود يشعرون بأن وطنهم الحقيقي هو اليمن وليس لديهم أي استعداد للعيش في بلد آخر .. (وما بش أشكل من بلادنا) حسب تعبيره الدارج . ويتعايش المسلمون و اليهود في كثير من المناطق اليمنية بصورة هادئة وود وقد ألفوا بعضهم البعض في تداخل غريب .. ربما بسبب الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام تجاه التعامل مع اليهود اليمنيين للإبقاء على حالة الود والألفة بين بينهم غير أن هذا التوجه لا يخلو من هدف سياسي. اليهود من الداخل من الصعب على الباحث الحصول على إحصائيات دقيقة حول عدد اليهود الباقين في اليمن في الوقت الحاضر، وتقول تقديرات ان عددهم حوالي ال2000 نسمة ، يتوزعون في مناطق صعدة ، العراس ، ريده ، أرحب وعمران ، وكلها مناطق تقع شمال العاصمة صنعاء . وعلى مدى قرون تركز يهود اليمن في مناطق يمنية متعددة وعرفت لهم أحياء بعينها بدءا من صعدة في الشمال وحتى عدن في الجنوب مرورا بصنعاء وذمار وإب وتعز وحتى حضرموت شرقا ، لكن معظمهم يقطنون اليوم في مناطق قليلة جدا أهمها ريده الوقعة على بعد 60 كيلومتراً إلى الشمال من صنعاء ، ومنطقة ظليمة في صعده إضافة إلى أرحب حيث تعتبر هذه المناطق مراكز أساسية لتجمع اليهود. وفي ريدة كغيرها من مناطق تركز اليهود، يعيش ما تبقى من يهود اليمن، بعاداتهم وتقاليدهم التي لا تختلف عن نمط حياة اليمنيين سوى في العبادة. ومن الصعب أن يلمح الزائر لريدة أو العراس أو أرحب أو صعده ، فرقا بين من هو يهودي ومن هو مسلم فالجميع يتعايشون بسلام و ليس ثمة ما يميز اليهود سوى في خصلة الشعر المتدلية من جهة الأذن "الزنار" في حين أن منازلهم وعاداتهم المعيشية ولهجتهم هي نفسها السائدة لدى سكان هذه المناطق . حاليا يتناثر اليهود في أكثر من مكان، ويوجد بينهم حاخامات ومزارعين وموظفين وتجار كما يوجد بينهم مدرسون يعلمون أطفال اليهود التوراة في مدارس قليلة وإن كان معظمهم يعلمون ابناءهم في المنازل على حد تأكيد أحد يهود ريدة . ولليهود في مناطق تركزهم مراجع دينية ( حاخامات )كما أن لهم مدارسهم الخاصة التي تعلم التلاميذ القراءة والكتابة باللغة العبرية وغالبا ما تعلمهم التوراة . في منطقة ريدة يقطن الحاخام يعيش بن يحي مع عائلته في المنطقة التي عاش فيها اجداده منذ قرون. ويؤكد سكان في ريدة أنه لم يحدث أن التحق يهودي بالمدارس الحكومية أو الخاصة ، ويحظر معظم اليهود على ابنائهم دخول المدرسة الحكومية ربما لأسباب دينية . ويوجد في قرية ريدة التي تتميز بخصوبة التربة والانتشار الكبير للمزارع مبنى صغير من ثلاثة فصول يعتبر مدرسة اليهود وفيها يدرس طلاب يهود عددهم حوالي 25 طفلاً وجميعهم يدرسون المراحل الأولية من التعليم باللغة العبرية ويتولى تدريسهم معلمون يهود من شباب المنطقة الذين درسوا في أمريكا سابقا . ويؤكد الحاخام يعيش بن يحيى أن جميع اليهود في اليمن لا يتعلمون القراءة والكتابة باللغة العربية لكنهم يستخدمون العربية فقط للتخاطب ، ولذلك فان من النادر أن تجد يهوديا يعرف الكتابة العربية. ويؤدي هذا الحاخام دورا مهما في نشر تعاليمهم الدينية في أوساط اليهود كما يفد إليه الناس سواء يهودا أو مسلمين للتداوي من الأمراض . يقول يوسف النهاري(60 عاماً ) وبلهجة صنعانية : نعيش في هذه القرية مثل كل الناس ، والقبائل والسلطات المحلية يعاملوننا معاملة طيبة وطبيعية .. وكلهم باهريون(جيدون). يوضح النهاري : لا فرق بيننا والقبائل ونعيش مثلهم تماما ونعمل معا في الزراعة وفي بعض الحرف اليدوية.. ونتزاور ونحتكم للشيخ عند وقوع مشكلة. وقال : ان عادات الأفراح والزواج هي نفس العادات لديهم .. لكن لانتزوج منهم ولايتزوجون منا .. والمسلم بشريعة محمد بن عبدالله لايتزوج من يهودية إلا إذا اسلمت على حد قوله. والحال نفسه مع المرأة اليهودية التي لا تختلف كثيرا عن المرأة المسلمة سواء في الملبس أو العادات النسائية وحتى في الطبخ .. وكل ما يفرضه المسلم على نسائه يفرضه اليهودي ايضا من ناحية الحشمة والبقاء في المنزل والخروج مع محرم والتفرغ لتربية الأولاد وأداء الدور المنزلي. نظرة تاريخية يؤكد الكثير من المراجع التاريخية التي تناولت حياة اليهود أن يهود اليمن من أقدم يهود العالم على الإطلاق ، وتواجدهم فيها يرجع إلى ما قبل هدم الهيكل الأول في القدس عام 586 قبل الميلاد. وتقول المراجع ان اليمن كانت الملاذ الرئيسي لهجرة اليهود بعد غزو الإمبراطور الروماني "تيتوس" فلسطين عام 63 قبل الميلاد وتدميره معبد القدس للمرة الثانية عام 70 قبل الميلاد. ويؤكد يهودي يمني وهو الحاخام الأكبر يحيى سعيد جريدي من مواطني ذمار (150 كلم جنوبي صنعاء) أن بعضاً من اليهود قدموا إلى اليمن قبل خراب الهيكل بعامين وأن بعضهم جاء بعد خرابه ، وانهم نزلوا في مكان يدعى (برش) يقع شرق جبل (نقم) ، وهو جبل يحيط بصنعاء شرقاً ، بل وانهم الذين بنوا صنعاء وأعطوها اسماً مشتقاً من اسم سام بن نوح عليه السلام ، كما أنهم قاموا ببناء مدن أخرى غير صنعاء وهي صعدة (300 كلم شمالي صنعاء ) وذمار 150 كلم جنوبا. يؤكد اليهود أنهم ليسوا من سكان اليمن الأصليين ، كما يقول الحاخام اليهودي يحيى إسحاق (من مواطني صنعاء) ، ولكنهم أتوا من أرض كنعان قبل أن يتشتت شملهم من القدس ، وأنهم جاءوا إلى اليمن مهاجرين. وتتباين المصادر حول عدد اليهود الذين تواجدوا في اليمن شماله وجنوبه قديما ، فبحسب إحصاء قامت به السلطات البريطانية عام 1955 بلغ عدد اليهود في عدن وحدها 5 آلاف شخص ؛ فيما حددتهم مؤسسة الشؤون اليهودية ( مقرها لندن ) ب 7 آلاف شخص. بينما حدد تقرير للجنة التحقيق بحوادث عدن عام 1947 التي أحرقت فيها عدداً من منازل اليهود ان عددهم 8 آلاف و500 شخص. وفي الشمال كانت الأرقام هي الأخرى متباينة ؛ فقد قالت تقريرات ان عدد اليهود خلال القرون السنة الأولى للميلاد ب3 آلاف شخص ؛ فيما يذكر ي. ر. يتش الذي زار اليمن عام 1909 لصالح ( الاتحاد الإسرائيلي العالمي ) أن عدد اليهود في اليمن بلغ 12 ألفا و106 أشخاص يعيشون في 150 موقعاً ، منهم 2774 في صنعاء وحدها. وقد ظل اليهود حتى أولئك الذين بقوا في اليمن إلى وقت قريب يمارسون حياتهم وطقوسهم الدينية العادية ، وأفراح الزواج بنوع من الحرية ، بل إن المواطنين اليمنيين المسلمين كانوا يشاركونهم أفراحهم دون وجود أي حواجز. وشكل اليهود اليمنيون كتلة متماسكة ، بالرغم من كل العواصف التي مرت بحياتهم في فترات متفاوتة من تواجدهم في اليمن ؛ واستطاعوا المحافظة على تعاليم دينهم القديم ، وتزودوا بالأصول الدينية التلمودية على أيدي قادة دينيين في الكنائس ، كما حافظوا على تراثهم الثقافي وأساليبهم في الحياة ولغتهم وطريقة نطقهم. وتشير المراجع أن صنعاء وحدها كانت تضم 15 مدرسة و19 كنيسا يهوديا ، وهناك ما يقابلها في عدد من المدن اليمنية الأخرى كمدن صعده ، عدن ، ذمار ، إب ( جبله ) وغيرها من المدن اليمنية ، غير أن أوضاع هذه الكنائس في حالة من الإهمال الشديد بسبب نزوح اليهود اليمنيين إلى الخارج وانحسارهم في مناطق معينة في الداخل. اسرة يمنية الزي الشعبي لمرأة من يهود اليمن