يصور الاعلام الامريكي "نائب الرئيس" عادة بالشخص الذي لاعمل له سوى ان يطوف في اروقة البيت الابيض ليسأل كل من يقابله سؤالا تقليديا واحدا هو: هل تحتاج لأية مساعدة؟ وهو تصوير لم يجنح كثيرا للخيال، بل ان هناك من الشواهد ما يدل على ان منصب نائب الرئيس في ظل وجود رئيس قوي ليس سوى "منصب شرفي". ان منصب نائب رئيس الولاياتالمتحدة في ظل عدم وجود صلاحيات محددة له دستوريا سوى "مساعدة الرئيس" وخلافته فيما اذا حدث له طارئ كالوفاة، او توجيه (تهمة الخيانة العظمى له).. او غير ذلك من الاسباب التي تجعل احتفاظ الرئيس بمنصبه امرا غير ممكن تجعل من هذا المنصب صوريا ودوره رمزيا، وبالتالي فمن يقبله عادة ما يعتقد أنه "مرحلة سياسية عابرة" في حياته وبالتالي فهي الخطوة قبل الاخيرة في طريق تحقيق حلمه للوصول للمكتب البيضاوي. من هنا فالعلاقة بين الرئيس ونائبه عادة تكون اما باردة او متوترة او معدومة كما حدث مع جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على البيت الابيض نظرا لان اختيار الرئيس نائبه عادة ما يتم لاسباب حزبية انتخابية لاتعكس بأي حال من الاحوال عمق العلاقة التي تربط بين الرجلين. ثلاثة واربعون رئيسا حكموا الولاياتالمتحدة بدءا من "جورج واشنطن" وانتهاء بجورج بوش الابن والعلاقة بين الرئيس ونائبه هي علاقة "فاترة جدا" فيما عدا الاخير واعني بها العلاقة التي تربط بين الرئيس الامريكي "جورج دبليو بوش" ونائبه "ديك تشيني" التي تعتبر بكل المقاييس علاقة شذت عن القاعدة تماما والامثلة على ذلك اكثر من ان تحصى. ... فهذا "جون جارنر" اول نائب للرئيس الاسبق "فرانكلن روزفلت" كان دائم التبرم والشكوى من وضعه الذي وصفه في اكثر من مقابلة تلفزيونية بأنه (مزر) واصفا ما يوكل اليه من اعمال بأنه لا يستحق حتى بصقه من فمه. ... وهذا هيوبرت همفري نائب الرئيس ليندون جونسون الذي عبر عن احساسه بالعزلة في هذا المنصب الى حد انه قال : ان عمله هو اشبه بالوقوف عاريا في مواجهة عاصفة ثلجية دون ان يكون لديه شيء اكثر من عود كبريت يتدفأ به. اما من ناحية نوع العلاقة التي سادت بين الرؤساء الامريكيين ونوابهم فحدث ولا حرج. فلقد كانت هذه العلاقة هي ابعد ماتكون عن الانسجام واقرب منها الى التناحر الذي قد يصل الى العداء احيانا. ... فالرئيس دوايت ايزنهاور كان يزدري نائبه نيكسون وكان دائما مايصفه بأنه (لايعي شيئا) ولا يستطيع ان يفعل الحد الادنى مما هو مطلوب منه على الرغم من انه قد استطاع لاحقا ان يجلس على كرسي رئيسه لفترة رئاسية واحدة كاد يلحقها بالثانية لولا فضيحة (وترجيت) التي قذفت به خارج المنصب. وهذا الاخير وجدناه يصف نائبه الاول سبيرو اجنيو بالمعتوه الذي يفتقر الى القوى العقلية السليمة اما نائبه الثاني جيرالد فورد فقد كان دائم التبرم والشكوى من رئيسه مؤكدا انه طوال فترة عمله معه لايذكر انه قد قال له يوما على عمل انجزه شكرا. ... اما الرئيس جون اف كيندي فقد كانت نظرته لنائبه (ليندون جونسون) نظرة شك دائم وكان دوما ما يصفه بالعجوز غير القادر على فهم المستجدات في العالم. ... واذا انتقلنا الى العلاقة التي كانت تربط بين الجمهوري رونالد ريجان ونائبه جورج بوش الاب فسنجد ان العلاقة بينهما كانت تقوم على عدم الثقة بدليل ان الكثير من القضايا التي كانت تعاملت معها ادارة ريجان كقضية (ايران - كونرا) كانت تتم بعيدا عن سمع ونظر النائب وكان عنها آخر من يعلم. ولان رب ضارة نافعة فقد كان هذا البعد سببا من الاسباب التي ساعدته على ان يخلف رئيسه في البيت الابيض مع انتهاء فترة رئاسته الثانية. ... وعندما اعتلى جورج بوش (الاب) سدة الرئاسة وجدناه يختار دان كويل نائبا له وبعد مضي بضعة شهور على ذلك الاختيار نجده يعلن على الملأ "ندمه" على ذلك الاختيار لاسباب اعتبرها خاصة جدا. ...وبعد فشل الرئيس جورج بوش (الاب) في الحصول على فترة انتخابية ثانية اثر هزيمته "الساحقة" من الديمقراطي بيل كلينتون جاء ب "آل جور" نائبا له الا انه بعد تعرض الرئيس لسلسلة من الفضائح الجنسية بدأ يتحدث عن "خذلان" نائبه له وعدم وقوفه معه وقت الشدة. ... وجاء (جورج دبليو بوش) ليتفاجأ بشكل آخر من العلاقة التي تربطه بنائبه ديك تشيني التي تعتبر بكل المعايير شذوذا عن القاعدة فلقد شاهد المواطن الامريكي والعالم اجمع وللمرة الاولى في التاريخ السياسي الامريكي الحديث على وجه الخصوص مواقف يتحول فيها رئيس اكبر دولة في عالم القطبية الواحدة الى اشبه مايكون (بالدمية) في يد نائبه ولعل المقربين من الرئيس ونائبه يرون مشاهد في مواقف عدة تحول فيها الرئيس الى مجرد تلميذ مطيع لنائبه وكيف ان ايماءة صامتة او هزة رأس او هزة اصبع من الثاني كانت كافية لان تجعل الاول يعدل من لهجته او يعدل عن قرار كان على وشك الاعلان عنه. وللحديث بقية في لقائنا الاسبوع القادم. فإلى ذلك الحين دمتم، وعلى الحب نلتقي.