وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مترو الرياض    إن لم تكن معي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في خطابات ملتبسة
نشر في اليوم يوم 10 - 06 - 2003

أدعو إلى بعض التأني والحذر في قراءة نصوص التصريحات والبيانات السياسية التي تلاحقت مؤخراً، متعلقة بالشأن الفلسطيني. ذلك أن البعض تسرع في الحفاوة بها ووصفها بأنها تاريخية. وهو وصف أعتبره محايداً ونسبياً، لان ما يشغلني عندما أجده يطلق على أي حدث هو الإجابة عن السؤال: من أي باب دخل إلى التاريخ؟
(1)
قبل عقد مؤتمر العقبة وفي ختامه أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي ثلاثا من بالونات الاختبار أشاعت قدراً ملحوظاً من التفاؤل في العالم العربي، رغم أن اسم صاحبها وسجله يغلقان أبواب التفاؤل بغير تفكير. تعلقت الأولى بإعلانه الموافقة على خريطة الطريق. الثانية تمثلت في إشارته لأول مرة إلى الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع، وقوله ان ذلك الاحتلال لا يمكن له أن يستمر إلى الأبد. أما الثالثة فهي إعلانه عن التعهد بإزالة المستوطنات غير المرخصة. هذا التفاؤل ذاته من تجليات العجلة والقراءة المسطحة التي نحذر منها لان الوقوف على خلفية الموافقة على الخريطة وتحري ما وراء استخدام مصطلح الاحتلال، او الإشارة إلى إزالة المستوطنات، من شأنه أن يلغي تماماً فكرة التفاؤل، ويجعلنا نتعامل مع المقولات والمصطلحات المستخدمة باعتبارها ألغاماً وفخاخاً وكمائن، وليست إضاءات ولا بشارات.ورغم ما نعتبره جوانب كارثية في خريطة الطريق، فليس صحيحاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وافق عليها كما صاغتها اللجنة الرباعية وتبناها الأمريكيون، ولكن موافقته جاءت مشروطة ومقترنة بأربعة عشر تحفظاً بالغة الأهمية. كما انه ليس صحيحاً أن مجلس وزرائه وافق على الخطة، ولكن أغلبية أعضائه وافقت فقط على بيان رئيس الوزراء بصددها. وفرق بين الحالتين كبير، لان الموافقة على البيان تعني مباشرة أنها مشروطة بدورها.
الشروط والتحفظات التي وضعها الإسرائيليون عددها 14 ، أهم ما فيها أربعة هي:
تشديد اسرائيل على أن قيام كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل بتطبيق التزاماتها في المرحلة الأولى من الخطة هي عملية غير متوازنة، بمعنى انه يتوجب على الجانب الفلسطيني أن يقوم أولاً بالوفاء باستحقاقاته في الملف الأمني، في حين تشرع الدولة العبرية في تنفيذ ما يخصها فقط بعدما يفرغ الجانب الفلسطيني من أداء استحقاقاته.
ومن المفارقة أن عدداً من وزراء الحكومة الذين أيدوا الخطة أعلنوا صراحة انهم وافقوا عليها لأنهم متأكدون من أن الجانب الفلسطيني لن ينجح في القيام باستحقاقاته، مثل وزير الدفاع شاؤول موفاز ووزير العلوم موتي زيمبرغ. والأخير ينتمي إلى حزب شينوي، الذي يمثل الجناح الحمائمي في ائتلاف شارون، وقد قال انه ومعظم الذين صوتوا لصالح الخطة يعون أن رئيس الوزراء الفلسطيني أبو مازن لن ينجح في تنفيذ الاستحقاقات الأمنية على السلطة، والتي تضم وقف عمليات المقاومة الفلسطينية ومحاربة ما يسمى ب التحريض ضد اسرائيل في مناطق السلطة، إلى جانب تفكيك الحركات الفلسطينية التي تمارس المقاومة المسلحة. وقد عبر الوزير الليكودي داني نافيه عن تفسير تعجيزي لمصطلح وقف التحريض، عندما صرح لشبكة الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية انه: بمجرد أن نعلم أن خطيب أحد المساجد في قرية فلسطينية نائية يحرض على اليهود في خطبه، فان عدم اتخاذ حكومة أبو مازن إجراء فورياً ضد ذلك الخطيب يعد تقصيراً فلسطينياً في تنفيذ التزامات السلطة كما نفهمها. وساق نافيه أمثلة عديدة في مجال محاربة التحريض، وعلى رأسها إعادة صياغة مناهج التدريس في مناطق السلطة الفلسطينية، بحيث تحذف من الكتب المدرسية أي خريطة تظهر فيها خارطة فلسطين، إلا اذا وضع عليها اسم اسرائيل. أما فيما يتعلق بتنفيذ الاستحقاقات الإسرائيلية مثل تجميد الاستيطان فتأتي بعد أن تفي السلطة بتنفيذ الاستحقاقات الأمنية التي عليها.
اشترطت اسرائيل أن يعلن الجانب الفلسطيني مسبقاً عن تنازله عن حق العودة للاجئين إلى الأراضي التي شردوا منها، ليس هذا فحسب، بل بأنه في جلسة الحكومة التي أقرت خريطة الطريق صادقت حكومة شارون على قرار مستقل يقضي بأن الحكومة لن توافق على عودة اللاجئين إلى اسرائيل لا قبل المفاوضات ولا بعدها.
* أصرت اسرائيل على تغيير نص الخطة المتعلق بالإصلاحات داخل السلطة. لا سيما العبارة التي تشير إلى وجوب إيجاد قيادة فلسطينية مختلفة، وتمسكت بأن تشير الخطة إلى قيادة فلسطينية جديدة، والهدف من التعديل هو القضاء ليس فقط على أي دور للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في قيادة الشعب الفلسطيني، بل وتجريده من أي صلاحيات كانت. وواضح تماماً أن الإصرار على هذا المطلب سيكون وصفة لإحباط تنفيذ الخطة، حيث انه إلى جانب أن الطلب غير محق، لان عرفات تبوأ هرم قيادة السلطة نتيجة انتخابات، فانه تبين سريعاً منذ تشكيل حكومة أبو مازن انه لا يمكن تجاهل دور عرفات، حيث ان قوة عرفات تعززت عما كانت عليه قبيل تعيين أبو مازن.
أصرت اسرائيل على رفضها أن تكون المبادرة السعودية إحدى المرجعيات التي تعتمد عليها الخطة، وهذا يلقي بظلال من الشك حول تصور اسرائيل للحل النهائي الذي تضعه للصراع، حيث ان المبادرة السعودية تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية في حدود العام سبع وستين، مقابل تطبيع كامل مع الدول العربية.فضلاً عما سبق، فينبغي ملاحظة أن الذين أيدوا الخطة 12 وزيراً. في حين عارضها سبعة وامتنع أربعة وزراء عن التصويت. وقالت الصحف الإسرائيلية أن خمسة من الذين أيدوا الخطة فعلوا ذلك لثقتهم من أنها لن تنفذ. أحدهم وزير العدل يوسف ليبيد الذي يرأس حزب شينوي قال صراحة انه فعل ذلك ليس اقتناعاً بالخطة، وإنما لإدراكه انه يجب على اسرائيل ألا تبدو امام الأمريكيين رافضة للتسوية السياسية، وان الأمر في عينه لا يعدو كونه جزءاً من لعبة العلاقات العامة، التي يتعين على الحكومة الإسرائيلية أن تمارسها بشكل حاذق.
(2)
بعد الموافقة المشروطة لشارون وحكومته على خطة الطريق، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي أول مرة عن مساوئ الاحتلال لثلاثة ملايين ونصف مليون فلسطيني، وهو ما اعتبر تطوراً مثيراً أثار لغطاً كثيراً داخل اسرائيل فضلاً عن خارجها. لكن شارون سارع إلى التراجع وتبديد الالتباس في اليوم التالي مباشرة امام المجموعة البرلمانية لحزب الليكود في الكنيست. حيث قال انه لم يقصد احتلال الأرض، التي يعتبرها ارض اسرائيل، ولكنه قصد احتلال السكان. وأضاف انه كان يعني انه من مصلحة اسرائيل التخلص من الثقل السكاني الذي يمثله الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث انه يتطلع إلى تسوية تؤدي إلى تخليص الدولة العبرية من ذلك العبء السكاني الثقيل.وقبل أن يقدم شارون على ذلك التفسير الذي افرغ موقفه من أي مضمون إيجابي او جدي، فان الصحفي الإسرائيلي اوري دان صديقه الشخصي وأمين سره، ومستشاره الإعلامي لأكثر من خمس وعشرين عاماً، حذر المعلقين من مغبة سوء فهم قاموس المصطلحات السياسية التي يستخدمها شارون. وهو يعرض تحذيره أورد ما قاله له شارون عام 1971، حين كان قائداً للمنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، ومسئولاً عن قمع الحركة الفدائية في غزة. آنذاك - وحسب رواية اوري دان - كان شارون يعتبر إطلاق كلمة احتلال او كيبوش بالعبرية أمراً طبيعياً. وحين استفسر صديقه الصحفي منه عن مرجعه في ذلك، فان شارون أحاله إلى أحد الإصحاحات في التلمود، الذي نقل على ألسنة أنبياء وملوك اسرائيل انهم لم يستخدموا إلا كلمة كيبوش في وصف العمليات الميدانية التي سبقت إقامة مملكة بني اسرائيل. الأمر الذي خلص منه إلى أن للمصطلح أصلاً يكسبه شرعية تلمودية. وإذ حدثت وقائع القصة في عام 71، فان شارون عاد بعد ثلاثين عاماً تقريباً - في العام 2003 - لكي يشرح لممثلي حزبه دوافعه في استخدام مصطلح الاحتلال، التي لا علاقة لها بالمفهوم الذي تلقاه العالم العربي بمشاعر إيجابية. أما الكلام عن إزالة المستوطنات غير المرخصة، التي أعلن شارون في أعقاب مؤتمر العقبة عن أن حكومته ستعمل على إزالتها على الفور، فهو ليس اكثر من فرقعة إعلامية - لماذا؟ لان شارون تحدث عن نقاط استيطانية لا عن مستوطنات، وهذه النقاط التي أقيمت خلال العامين الأخيرين عددها 116 رداً على الانتفاضة، وبتحريض من شارون بطبيعة الحال. واغلبها شبه مهجور، ولا يتجاوز عدد السكان في بعضها على خمسة أشخاص. والرجل لم يعد بتفكيك كل تلك المستوطنات، ولكنه يعني 17 نقطة منها فقط. وهو ما أكده رئيس الكنيست روبي ريفلين في حديث نشرته له صحيفة هاآرتس (في 4/6)! وإذا ما قبلت حكومة أبو مازن بهذه الإزالة الرمزية او الهزلية، فذلك يضفي شرعية على النقاط الاستيطانية والمستوطنات الأخرى. ليس ذلك فحسب، وإنما حين برر شارون فكرة إزالتها لمجرد أنها أقيمت بدون إذن سلطات الاحتلال (وليس لان ذلك من متطلبات التسوية السياسية) فذلك يعني انه بالإمكان إقامة مزيد من المستوطنات في حالة الحصول على ذلك الاذن من تلك السلطات.من المفارقات الدالة في هذا الصدد انه في الساعة الثالثة من بعد ظهيرة يوم الأحد الذي شهد موافقة الحكومة الإسرائيلية على خريطة الطريق، كان النائب الليكودي عومري شارون يتصبب عرقاً وهو يقوم بالمساعدة في تسوية الأرض في مستوطنة الون موريه استعداداً لإقامة حي سكني جديد في المستوطنة المتاخمة لمدينة نابلس، في خطوة قصد منها التعبير عن تضامنه مع المشروع الاستيطاني، هذا في الوقت الذي فرغ أبوه، رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون للتو من تلاوة قرار الحكومة الإسرائيلية القاضي بالموافقة المشروطة على خطة خريطة الطريق. وليست هذه المفارقة وحدها التي تعبر عن الدلالات الحقيقية لقرار الحكومة الإسرائيلية الذي وصف ب التاريخي، بل انه بعد لحظات من إعلانه قرار حكومته، خرج شارون عن طوره وهو يتغنى امام وزرائه بأبيات شاعر اليمين الشهير اوري تسفي غرينبرغ، التي امتدح فيها الاستيطان اليهودي على اعتبار انه شريان الحياة للمشروع الصهيوني!
(3)
اذا كان شارون قد باع للجميع أوهاماً، وكان الادعاء والمكر فيه اكثر مما فيه من الجد، من وجهة النظر العربية على الأقل، فان خطاب أبو مازن كان اكثر إثارة واخطر بكثير. لأنه تضمن تراجعات فاجأت الإسرائيليين وصدمت الشارع الفلسطيني. عبر الوزير في وزارة المالية الإسرائيلية مئير شطريت عن تلك المفاجأة بقوله: لقد كنا نتوقع أن يقدم تنازلات لنا في حضور الرئيس الأمريكي، لكننا لم نكن نتوقع أن يذهب إلى هذا الحد في تقديم هذه التنازلات، انه ببساطة خرج عن طوره لكي يظهر أمامنا بمظهر الولد الجيد. اخطر ما قاله أبو مازن في ختام قمة العقبة كان إعلانه عن نهاية الانتفاضة، أي المقاومة المسلحة بكل أشكالها وفي أي مكان، سواء داخل الضفة الغربية وقطاع غزة او داخل فلسطين المحتلة منذ العام ثمان وأربعين. فقد قال بالحرف الواحد: سنبذل كافة الجهود وسنستخدم كل إمكاناتنا لتنتهي الانتفاضة المسلحة وعلينا أن نستخدم الوسائل السلمية في سعينا لإنهاء الاحتلال ومعاناة الفلسطينيين والإسرائيليين وبناء الدولة الفلسطينية. بكلمات أخرى فان محمود عباس تعهد باستخدام كافة الوسائل، - بما فيها القمع - من اجل إنهاء المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال. وهذا تناقض مع تعهدات أبو مازن لحركة حماس وبقية المنظمات، من انه لن يسمح بالاقتتال الداخلي مهما كان الأمر. وعلى الأقل هذا ما فهمه منه الإسرائيليون، فقد علق وزير الحرب الإسرائيلية شاؤول موفاز على هذه الفقرة قائلاً أن: أبو مازن يدرك أن وقف الانتفاضة يتطلب ان يقوم بتدمير حركات الإرهاب الفلسطينية، بعد الاحتفالات. ثم أضاف: لقد قلنا له أن أهم رجل في العالم بوش يتوقع منه أن يقضي قضاء مبرماً على حركات حماس والجهاد وكتائب شهداء الأقصى وغيرها.لا يقل خطورة عما سبق وصف أبو مازن المقاومة الفلسطينية الشرعية ضد الاحتلال بأنها إرهاب، عندما قال بالحرف الواحد لكي أكون صريحاً وواضحاً، لا يوجد حل عسكري لصراعنا، ونكرر إدانتنا ورفضنا للإرهاب والعنف ضد الإسرائيليين أينما كانوا. وقد اعتبر ايتان هابر الذي شغل في السابق منصب مدير مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين كلمات أبو مازن هذه بأنها اكبر انتصار للدولة العبرية، أما الجنرال متان فلنائي، أحد قادة حزب العمل، فقد اعتبر كلمات أبو مازن هذه أنها أقوى ضربة للمقاومة الفلسطينية، حيث أضاف قائلاً: بعد هذه التصريحات، فمما لا شك فيه انه لا يمكن أحد أن يدافع عن شرعية المقاومة الفلسطينية. لم يكتف أبو مازن بذلك. ولكنه تعهد بشكل غير مباشر امام العالم - أيضاً بخلاف ما التزم به امام منظمات المقاومة ووسائل الإعلام العربية - بتفكيك المقاومة وجمع سلاحها، حيث أعلن انه لن يكون هناك سلاح إلا سلاح السلطة الفلسطينية، الذي ستكون مهمته محصورة في الحفاظ على القانون والنظام العام والتعددية السياسية. أيضاً ذهب أبو مازن بعيداً بتعهده بمحاربة ما اسماه التحريض. فقد قال بالحرف الواحد: كما سنعمل ضد التحريض على العنف والكراهية مهما كان شكله وأياً كانت وسائله وسنقوم بإجراءات من جانبنا لضمان ألا يصدر أي تحريض عن المؤسسات الفلسطينية كما يجب أن نعيد تفعيل وتنشيط اللجنة الأمريكية الإسرائيلية الفلسطينية لمكافحة التحريض. وسرعان ما انتبه الوزير الصهيوني داني نافيه إلى ما صرح به أبو مازن، فقال: حسناً سنرى أن كان سيصدر تعليماته إلى أئمة المساجد بعدم الإشارة إلى اليهود من قريب او بعيد، وإخراج خارطة فلسطين من مناهج التدريس الفلسطينية التي يجب أن تعاد صياغتها بشكل اخر بحيث لا تحرض على الدولة العبرية، إلى جانب تشديد الرقابة على وسائل الإعلام الفلسطينية. أما وزير الدولة عوزي لانداو، فقد اعتبر أن تعهد أبو مازن يفرض عليه أن يمرر قوانين في المجلس التشريعي الفلسطيني ضد أي شكل من أشكال التحريض ضد الدولة العبرية. هذا في الوقت الذي رفض فيه الرجل ذاته عندما كان وزيراً للأمن الداخلي حتى استجواب الحاخام عفوديا يوسيف الذي حرض صراحة على قتل العرب، فضلاً عن وصفهم بأقذع النعوت. على صعيد اخر فان رئيس الوزراء الفلسطيني تطوع بالحديث عما اعتبره عذابات اليهود على مر التاريخ، وقال انه آن الأوان لإنهاء هذه العذابات. وكأن سبب هذه العذابات - غير الموجودة - هو الشعب الفلسطيني. وقد علق الوزير الصهيوني طومي لبيد على أقوال عباس هذه بالقول: لقد تملقنا بشكل لم يكن لأحد أن يتوقعه.
(4)
كلمة الرئيس الأمريكي جورج بوش أطلقت رسالة مهمة للغاية في فقرة واحدة، ظلت الحكومة الإسرائيلية تراهن وتلح عليها منذ زمن. فقد تعهد بشكل غير مباشر امام العالم انه لن يكون هناك مجال امام اللاجئين الفلسطينيين لممارسة حق العودة إلى ديارهم التي هجروا منها، وذلك عندما أشار إلى اسرائيل بوصفها دولة يهودية تنبض بالحياة. وقد اجمع الصهاينة على أن ذلك يعني تأييداً أمريكياً للموقف الصهيوني الرافض لحق العودة للاجئين.
وتبين أن وزير الخارجية الصهيوني عكف على مدى عشرين يوماً على إجراء اتصالات مع إدارة بوش من اجل أن يتضمن خطابه هذه العبارة، ذلك أن دولة يهودية، تعني أن يظل اليهود في هذه الدولة أغلبية، وهذا يعني عدم شرعية عودة أربعة ملايين لاجئ فلسطيني على هذه الدولة حيث سيغيرون الواقع الديموغرافي بشكل جارف. لقد أشرت قبل قليل إلى الجوانب الكارثية في خطة الطريق، ومحورها إنهاء المقاومة ووقف الانتفاضة، التي عجز عنها شارون بقضه وقضيضه وجيشه وأسلحته الفتاكة. وهو الإنهاء الذي تعهد به أبو مازن، الأمر الذي يخشى معه أن تشهد الأرض المحتلة حرباً أهلية بين طرفي الانصياع والمقاومة. مع ذلك فمن الإنصاف أن نسجل أن الخطة سجلت عن غير قصد نقطة إيجابية من المنظور التاريخي الفلسطيني. إذ رغم عدم جدية حكومة شارون في كل ما أعلنته، فإنها المرة الأولى التي تقر فيها حكومة لليمين الإسرائيلي بوجوب الانسحاب من الضفة الغربية وإقامة الدولة الفلسطينية. وهو ما يمثل تراجعاً عن أيدلوجية الليكود وناظم أفكاره زئيف جابوتنسكي، الذي علق حفيده واسمه أيضاً زئيف جابوتنسكي على قرار الحكومة قائلاً: أن مقاومة الفلسطينيين أثبتت حتى الآن أنها أقوى أيدلوجياتنا التي ترفدها قوة كبيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.