الاستراتيجية الأميركية للشرق الأوسط الجديد تهدف إلى استمرار سيطرتها وفرض الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة بالدرجة الأولى واستخدام منهجية الفوضى الخلاقة لتحقيق هذه الاستراتيجية، وهذا ما كشفه كبار الساسة الأميركيين والإسرائيليين ووثائق ويكيليكس المتعلقة بخفايا السياسة العالمية. حيث ظهر مشروع الشرق الأوسط الجديد مع نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي بهدف تفتيت وتقسيم دول المنطقة: السعودية، إيران، تركيا، العراق، باكستان، سوريا، الإمارات، اليمن، الأردن وأفغانستان على أساس ديموغرافية (الدين، القومية والمذهبية) بحثًا عن التعايش بين الطوائف في كيانات سياسية موحدة، وأهم مطلب لنجاح ذلك المشروع هو تغيير الأنظمة القائمة في دول الشرق الأوسط لتكون حكومات شرق أوسطية ليبرالية معتدلة. ويعد (شيمون بيريز) رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق من أشهر الداعين لمشروع الشرق الأوسط الجديد من خلال كتابه السياسي الخطير المنشور عام 1993م والذي تحدث فيه عن التكامل بين ثلاثة عناصر متوفرة في الشرق الأوسط وهي: وفرة موارد المياه التركية وسعة السوق الاستهلاكية المصرية ومقدرة التكنولوجيا الإسرائيلية وخلص إلى أن اتحاد هذه العوامل الثلاثة ممولة بفوائض نفط الخليج العربي تستطيع أن تحقق لإسرائيل الأمن والرخاء، وأوصى في كتابه بدمقرطة العالم العربي ونسيان تاريخهم وإنشاء مجتمع معرفي وإشراك المرأة في الحكم والقرار للوصول إلى سوق عربية إسرائيلية مشتركة يكون الكيان الصهيوني المهيمن عليها. والثورات العربية أو ما يعرف بالربيع العربي ما هي إلا جزء من هذه الاستراتيجية التي حققت كثير من أهدافها في خلق الفوضى والقضاء على المقدرات الوطنية لكثير من دول الربيع العربي دون أدنى فائدة للشعوب المضطهدة، ناهيك بالقضاء على كل مظاهر التنمية وإعادة تلك الأوطان إلى نقطة الصفر. والمملكة العربية السعودية كقوة إقليمية لم تجهل تلك الاستراتيجية إطلاقا ليس لأنها من أكبر حلفاء الولاياتالمتحدة الأميركية ولكن لإدراكها بما يدور في دهاليز وأروقة صناعة القرار العالمي وثقتها بمنهجيتها السياسية المتسمة بالهدوء والنفس الطويل، فاستطاعت التأثير في السياسة الدولية والإقليمية عبر تاريخها الحديث في أماكن كثيرة معطلة بذلك تنفيذ خارطة الشرق الأوسط الجديد ملتزمة بنهجها المعتدل ومدافعة عن منطقتها في إطار المسؤولية التاريخية العظمى تجاه دول المنطقة، ومن ذلك دورها السياسي في المنطقة ودعمها لاستقلالية وسيادة الدول وتبنيها سياسات عدم التدخل في شؤون الآخرين وتعزيز الوحدة الخليجية وإحياء الوحدة العربية، ودورها الاقتصادي في تعزيز اقتصادات دول المنطقة وتقديم المساعدات عند مقتضيات الحاجة، ومواقفها الأمنية في حرب تحرير الكويت واحتلال العراق ومواجهة التدخلات في البحرين ولبنان وحماية مكانة مصر واليمن ومكافحة الإرهاب، كل ذلك بغية المحافظة على التوازنات الإقليمية والاستقرار العالمي. وأكبر مشكلة تواجه السعودية سياسات إيران في المنطقة وتعاظم دورها بدعم روسي وبإذكاء طائفي بغيض وبحروب الوكالة من خلال عناصرها المزروعة هنا وهناك، وما يزيد في هذا المشكل الاتفاق النووي الاستراتيجي بين إيران والغرب والذي أنهى الصراع بينهما ومع إسرائيل تلقائيًا على اعتبار أن الأمن الإسرائيلي جزء لا يتجزأ من الأمن الغربي ما يضيق الخيارات أمام الساسة الإيرانيين ويركز جهودهم نحو الصراع الطائفي مع العرب بشكل مباشر أو بالوكالة، وهو الأمر الذي سيعظم مسؤولية السعودية تجاه المنطقة. والمشكلة الأخرى التي تواجه السعودية وإن كانت أقل حدة التوجه التركي نحو احتواء الأصوليين والمتطرفين وتقديم الدعم اللازم لهم ما يشكل خطرا على استقرار المنطقة، وخصوصا في هذه الفترة التي تستغل فيها بعض القوى الدولية والإقليمية الفوضى الخلاقة في تحقيق مصالحها أو تنفيذ أجندات مسبقة لصالح أطراف غير عربية. وامتدادا للجهود السعودية في حماية المنطقة وتعزيز دورها المحوري فإن خيار التحالفات الصادقة هو الأنسب لإفشال خارطة الشرق الأوسط الجديد والقضاء عليها وإيقاف السياسات الإيرانية المزعجة وأهمها وأكثرها ضرورة تحالف دول الخليج ومصر وتركيا وفق رؤية سياسية بعيدة المدى قائمة على تقييم المصالح والمخاطر شريطة إعادة ترتيب السياسات التركية والمصرية الداخلية والخارجية، وتوسيع عضوية مجلس التعاون الخليجي وإعادة هيكلته مع التعجيل بعضوية اليمن. لقد أعادت عمليتا عاصفة الحزم وإعادة الأمل الثقة في الأنظمة العربية القائمة ما يوفر أرضية ملائمة للعمل العربي المشترك. فهل من مجيب؟ أم ستبقى خارطة الشرق الأوسط الجديد مهددا دائما لشعوب المنطقة واستقرارها وأمنها؟. والله من وراء القصد. رابط الخبر بصحيفة الوئام: السعودية ومشروع الشرق الأوسط الجديد