في نوفمبر 2011 وقع علي عبدالله صالح بالرياض على اتفاق نقل السلطة في اليمن، في ضوء المبادرة التي رعتها دول مجلس التعاون الخليجي، معلنا أمام الحضور "ليس المهم التوقيع، لكن المهم حُسن النوايا، والبدء في عمل جاد ومخلص لشراكة حقيقية لإعادة بناء ما خلفته الأزمة"، داعيا المملكة وبقية دول الخليج والأممالمتحدة إلى مراقبة تنفيذ المبادرة وآلياتها، مضيفا "سأكون من المتعاونين الرئيسيين مع حكومة الائتلاف القادمة". لكن لم يكن يدور في خلد أحد ما كان ينويه، وحجم الغليان بداخله وهو يوقع على ورقة إنهاء حياته السياسية ك"زعيم خالد لليمن وفق منظوره". وتحول صالح من مُلاعب للثعابين كما كان يسمي نفسه، إلى أن يكون ثعبانا مثلها، كما أظهرت الأحداث اللاحقة. وكانت ثورة الشباب اليمنية قد اندلعت أوائل عام 2011 ضد صالح الذي ترأس اليمن لأكثر من 33 سنة، حيث اندلعت الاحتجاجات الشعبية بقيادة أحزاب المعارضة الإسلامية والاشتراكية، وانضمت إليها جماعات متمردة مثل الحوثيين والحراك الجنوبي، ورد عليها صالح بحملة قمع عنيفة، تفككت خلالها البلاد تقريبا إلى حرب أهلية شاملة، كما انضم قادة عسكريون بوحداتهم العسكرية إلى المحتجين، ابتداء من مارس. وتعرض صالح لمحاولة اغتيال بانفجار قنبلة في مسجد كان يصلي فيه، لكنه تعافى صالح وعاد للعمل في 23 سبتمبر بعد عدة أشهر من العلاج الطبي في السعودية، وكان نائبه هادي خلال فترة غيابه "رئيسا بالوكالة"، فالتقى بالمعارضة وانفتح على الإصلاحات السياسية. ولإنهاء التوتر وحفظ البلاد، ضغط مجلس التعاون الخليجي على صالح لتنحيته، وبعد أسابيع من عودته من المملكة، وافق صالح أخيرا في 23 نوفمبر على الاستقالة مقابل الحصانة، وكجزء من الصفقة، وافقت المعارضة على هادي ليكون مرشحا توافقيا لرئاسة الجمهورية في 21 فبراير 2012. في 21 يناير 2012 منح البرلمان اليمني حصانة كاملة لصالح من الملاحقة القضائية على أي جرائم "سياسية"، باستثناء الأعمال الإرهابية لكل من خدموا معه على مدار رئاسته التي دامت 33 عاما - وهي صياغة فضفاضة للغاية. في 21 فبراير صوت اليمنيون على انتخاب هادي رئيسا انتقاليا لمدة عامين، لكنّ موالين لصالح لجؤوا إلى العنف، ووجهت له الأممالمتحدة وعدد من السفارات اتهامات في يونيو 2012 بمحاولة عرقلة الفترة الانتقالية هو وأبناؤه وأقاربه. وفي ديسمبر 2012 أبعد الرئيس هادي العميد يحيى صالح نجل شقيق الرئيس السابق من منصبه رئيسا لأركان الأمن المركزي، كما ألغى الحرس الجمهوري اليمني وأبعد العميد أحمد علي صالح نجل الرئيس السابق من منصب قائد تلك الوحدة، وألغى الفرقة الأولى مدرع ونحّى قائدها، اللواء علي محسن الأحمر الذي كان قد انشق بقواته منضما إلى صف المتظاهرين إثر هجوم 18 مارس 2011. انقلب صالح على المبادرة الخليجية مع بوادر الأزمة السياسية بين الرئيس هادي والحوثيين في سبتمبر 2014، وتحالف مع الجماعة الحوثية المسلحة التي فرضت بالقوة سيطرتها على صنعاء، ثم وسعت نفوذها لمناطق أخرى في اليمن. واستغل المخلوع نفوذه في المؤسسة العسكرية اليمنية، حيث حرص أثناء فترة رئاسته على خلق ولاءات داخلها له شخصيا، بتعيين أقربائه ومعارفه في المناصب العليا، وسهل ذلك مهمته في تجنيد قوات ومعدات وأسلحة لمحاربة شرعية الرئيس المنتخب هادي. وشن المقاتلون الحوثيون معركة صنعاء، ودخلوا في مفاوضات مع هادي حول "حكومة وحدة وطنية" مع الفصائل السياسية الأخرى، لكنهم مارسوا ضغوطا على الحكومة حتى ضعفت، فهاجموا القصر الجمهوري ومقر إقامة الرئيس هادي الذي استقال مع وزرائه في يناير 2015، وفي الشهر التالي قام الحوثيون بانقلاب، فحلوا مجلس النواب، وسلموا السلطة لما سموه لجنة ثورية بقيادة محمد علي الحوثي. الوسيط المنظر يتخلى عن مهمته ويروج للتقسيم كان الشخص الأول الذي أشار على هادي بمشاركة الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني هو المبعوث الأممي للأمم المتحدة جمال بن عمر، حيث شارك في كثير من المفاوضات مع القوى السياسية وأقنعها بضرورة حضور الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني. وبدا دور ابن عمر إزاء تطورات الأحداث التي يفتعلها الحوثي مفصليا، ففي الوقت الذي لم يكن يصدر منه أي تنديد بما يقوم به الحوثيون في دماج وحاشد وعمران، حيث كان يلجأ إلى البيانات الدبلوماسية التي لا يفهم منها شيء سوى أنه قلق على سقوط مشروعه القاضي بتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم وتمكين الحوثيين من أحدها. وتنقل الرجل بين الرياض ودول أخرى محاولا إنقاذ ما يقرب من أربع سنوات من العمل على الملف، والابتعاد عن الفشل لكنه لم ينجح في التوفيق بين مواقف إقليمية ودولية بشأن اليمن. دور ابن عمر وتأثيره المدمر على الأزمة اليمنية تناوله تقرير لموقع "اليمن سكاي" جاء فيه أن "جمال بن عمر جاء وسيطا في أزمة سياسية بين السلطة والمعارضة، أو بين نظام الرئيس السابق والمطالبين بإسقاطه، وهي المبادرة التي كللت باتفاق نقل السلطة، ومع مرور الأيام وتمديد مهمة ابن عمر تحول إلى مفاوض يرأس لجنة ذات طابع شطري تتفاوض على تقسيم اليمن، فقد تكفل بتحويل تعريف الأزمة من أزمة سياسية إلى أزمة وحدة وانفصال وشمال وجنوب". وأورد الموقع تحليلا لمسيرة ابن عمر في الملف اليمني عطفا على تجاربه السابقة، ونقل عنه "يقول ابن عمر في أهم نتائجه إن "من المفيد لحل النزاعات توسيع عدد المجموعات المشاركة في عملية صنع الدستور"، وربما أن تلك هي القاعدة التي طبقها في مهمته باليمن، حين استدعى الجماعات الانفصالية والمسلحة إلى الحوار مع القوى السياسية على ثوابت الدولة وشكلها، بما يؤدي إلى خليط بين الدولة واللادولة والوحدة والانفصال، مما يعني أن الأزمة الحقيقية تبدأ مع نهاية دور ابن عمر". الحوثي يحدد خياراته ويعلن انقلابه في صبيحة ال20 من يناير 2015 استفاق سكان صنعاء على هجوم الحوثيين على دار الرئاسة ونهب محتويات مخازن الأسلحة فيها، الأمر الذي دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للمطالبة بوقف فوري للمعارك في اليمن، معربا عن "قلقه الشديد" من الأوضاع الأمنية المتدهورة، داعيا إلى استعادة المؤسسات الحكومية سلطتها الشرعية في البلاد. هذه التطورات تلت اختطاف مدير مكتب رئاسة الجمهورية الدكتور أحمد عوض بن مبارك من قبل ميليشيا الحوثي. وفي السابع من فبراير 2015 أصدر الانقلابيون الحوثيون إعلانا دستوريا لإدارة البلاد بعد إحكام سيطرتهم على كافة مفاصل الدولة، وشمل الإعلان الدستوري الذي أصدر بمؤتمر عقد في القصر الجمهوري بصنعاء، حل البرلمان وتشكيل مجلس بديل من 551 عضوا يقوم بانتخاب مجلس رئاسي مكون من خمسة أفراد. ولاقت الخطوات الانقلابية رفضا دوليا شديدا، فأعلن مجلس التعاون الخليجي رفض "الانقلاب" والوقوف إلى جانب الشعب اليمني، معتبرا الانقلاب "نسفا كاملا للعملية السياسية السلمية التي شاركت فيها كل القوى السياسية اليمنية واستخفافا بكل الجهود الوطنية والإقليمية والدولية التي سعت مخلصة للحفاظ على أمن اليمن واستقراره ووحدته وتحقيق تطلعات الشعب اليمني". وأعلنت الخارجية الأميركية أن هادي هو الرئيس الشرعي للبلاد، وهو وحده يملك سلطة إصدار إعلانات دستورية. أحلام الهلال الشيعي ولبننة اليمن في محاضرة أقيمت في المنامة ألقاها أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي عبدالله المدني لخص الأخير دوافع تدخل إيران في اليمن، بالآتي: أولا: نجاحها في زرع شوكة مذهبية في الخاصرة الجنوبية للمملكة العربية السعودية، خصوصا أن السعودية هي المتصدية الكبرى للمخططات الإيرانية في المنطقة. ثانيا: استكمال الإيرانيين لهلالهم الشيعي المفترض الذي يضع جملة من البلاد العربية ذات الأغلبية السنية في فك كماشة مذهبية طائفية. ثالثا: سيطرة الحوثيين بالإنابة عن نظام طهران الطائفي على الممرات البحرية والتجارية الإستراتيجية. رابعا: امتلاك طهران ورقة ضغط جديدة اسمها الورقة اليمنية تضاف إلى أوراقها الأخرى في العراق وسورية ولبنان وغزة. رحلات مكثفة في 2 مارس 2015 أعلنت وكالة الأنباء اليمنية التي سيطر عليها الحوثيون منذ سيطرتهم على صنعاء في سبتمبر 2014، أن اتفاقا وقع في طهران بين مسؤول من الطيران المدني اليمني ونظرائه الإيرانيين لتسيير رحلات مكثفة بين البلدين، وبموجب الاتفاق ستسير كل من شركة اليمنية للطيران وشركة ماهان 14 رحلة أسبوعيا. وفي خطوة للتأكيد على زيادة التواصل مع إيران ردا على العزلة الخليجية والدولية، غادر وفد حوثي إلى طهران فيما وصفته وكالة الأنباء بأنه "وفد حكومي". وحطت طائرة تابعة لشركة ماهان إير الإيرانية في مطار صنعاء حاملة فريقا من الهلال الأحمر الإيراني وكميات من الأدوية، حسبما أفاد مسؤول ملاحي يمني. الطائرات التي تكشفت حقائقها فيما بعد لم تكن تحمل سوى مدربين إيرانيين وطيارين وخبراء وقطع الغيار اللازمة للأسلحة التي استولى عليها الحوثيون. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل بدأ دعم إيران بعد انقلاب الحوثي فقط؟ المتتبع للمسار التاريخي لتدخلات إيران في اليمن يكتشف أن أصابع طهران امتدت لليمن منذ فترة طويلة، وبهدوء شديد تتميز به سياسة الملالي بحثا عن إيجاد نسخة لحزب الله في اليمن، وتكرار حالة التشظي اللبنانية لمحاولة التحكم في اليمن بأقل التكاليف وبطرق رخيصة. فبعد حربه السادسة ضد الحوثيين في منتصف عام 2009 أعلن المخلوع صالح لوسائل الإعلام عن اكتشاف السلطات اليمنية مخابئ أسلحة كبيرة تابعة للحوثيين إيرانية المنشأ، مضيفا أنها شملت صواريخ قصيرة المدى ومدافع رشاشة وخلافها. كما كشف عن ذلك الرئيس هادي في حادثة السفينة الإيرانية الشهيرة التي ضبطتها السلطات اليمنية في عرض البحر وهي في طريقها لتفريغ حمولتها من السلاح لمصلحة المتمردين الحوثيين.