أثار قرار الصين تخفيض قيمة عملتها الثلاثاء الماضي مخاوف من "حرب عملات"، وأربك سوق المال العالمي، ما دفع عملات آسيوية أخرى نحو الانخفاض إلى مستويات هي الأدنى منذ عدة أعوام، في حين أثار القرار اتهامات من الولاياتالمتحدة بأن بكين تدعم مصدريها بشكل غير عادل، خاصة بعد تكرار التخفيض ثلاث مرات ولمستويات تاريخية. تخفيض متعمد تخفيض قيمة العملة هو سياسة اقتصادية تقوم الدول فيها، وعن عمد، بتخفيض قيمة عملتها أمام العملات الأخرى، إذ يمكن لهذه السياسة أن تنجح في الدول التي تدعم وتعتمد على الصناعات التصديرية، والتي غالباً ما يكون جزء كبير من المواد الأولية من داخل الدولة ذاتها، أو أن تكاليف الإنتاج بها منخفضة مقارنة بدول أخرى. انكماش اقتصادي وأولى بوادر اتجاه الصين نحو خطوات نقدية ظهرت في مارس الماضي عندما دعا محافظ البنك المركزي الصيني تشو شياو تشوان، لترقب أي بوادر لحدوث انكماش اقتصادي، وقال إن صناع القرار يتابعون عن كثب تباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد العالمي وتراجع أسعار السلع الأولية. وقال تشو إن الصين تتبنى "اتجاها واضحا" فيما يتعلق بتحرير أسعار الفائدة -وهو هدف طويل الأجل- رغم أن من الصعب وضع جدول زمني محدد لمثل هذه الخطوة. المرض الهولندي الخطوات التي قامت بها الصين مؤخرا تعيد إلى الأذهان مصطلح المرض الهولندي الذي دخل قاموس المصطلحات على الصعيد العالمي منذ أكثر من 30 عاما عندما تطرقت مجلة «الإيكونومست» البريطانية لموضوع تراجع قطاع التصنيع في هولندا بعد اكتشاف حقل كبير للغاز الطبيعي سنة 1959 وتداعياته على العملة الهولندية. ويتمثل المرض الهولندي بالاقتصاد في أن ارتفاع عائدات الموارد الطبيعية أو التدفقات النقدية لعملات أجنبية لداخل الدولة ستجعل عملة الدولة المعنية أقوى بالمقارنة مع الدول الأخرى، وبالتالي ارتفاع تكلفة صادراتها بالنسبة للبلدان الأخرى، بينما تصبح وارداتها أرخص، ما يجعل قطاع الصناعات التحويلية فيها أقل قدرة على المنافسة. ورغم أن المصطلح يربط غالبا باكتشاف الموارد الطبيعية، فإنه يمكن ربطه بأي تطور ينتج عنه تدفق كبير من العملات الأجنبية، بما في ذلك زيادة حادة في أسعار الموارد الطبيعية والاستثمار الأجنبي المباشر. وفي حالة الصين فإن انتقال عناصر الإنتاج مثل العمل ورأس المال نحو قطاع الخدمات إضافة إلى ارتفاع معدل الصرف الحقيقي لعملتها الذي أدى إلى تراجع تنافسية صادراتها الصناعية التي تمثل القطاع الرئيس في الاقتصاد الصيني، يمثل أعراضا مشابهة لمرض هولندا. مؤشرات مبكرة وكانت بداية أعراض المرض الهولندي في اقتصاد الصين بدأت في سبتمبر 2014 عندما أعلنت وزارة التجارة الصينية أنه خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2014 اجتذب قطاع الخدمات الصيني الاستثمارات الأجنبية المباشرة بزيادة قدرها 8.9 بالمئة عن الفترة نفسها من عام 2013، مظهرا أداء أفضل بكثير من قطاع التصنيع الذي هبطت الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليه بنحو 16%. وفي فبراير الماضي قالت إدارة الصرف الأجنبي الصينية "رغم أن الصين ما زالت تدير فائضا تجاريا كبيرا، وما زالت الفائدة على اليوان أعلى من عملات أخرى. قطاع الخدمات في يوليو الماضي بث موقع الحكومة المركزية قول نائب وزير التجارة، وانج شو ون، إن الاستثمار في قطاع الخدمات الصيني سريع النمو قفز 23 بالمئة على أساس سنوي في النصف الأول من 2015، وشكل أكثر من 60 بالمئة من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر لتلك الفترة. وأعلنت الجمارك الصينية مؤخرا أن الفائض التجاري للصين تراجع بنسبة عشرة بالمئة على مدى عام في يوليو الماضي. وقالت الجمارك الصينية إن الصادرات انخفضت 8.9 بالمئة بالوتيرة السنوية. ويرى المحللون أن ارتفاع سعر اليوان الذي يجعل الصادرات أكثر كلفة أضر بمبيعات البلاد في الخارج. إضافة إلى أن تباطؤ الاقتصاد العالمي سيؤدي إلى مزيد من الانخفاض للصادرات.