دائما ما يكون لليالي رمضان طابع خاص وطعم يميزها عن غيرها من الليالي ويجعلنا نحنّ إليها طوال العام. وتماما كاختلاف الزمان نجد المكان أيضاً يضفي ميزاته الخاصة على ليالي رمضان فيختلف مذاقها بين المناطق الساحلية والمناطق الريفية وبين المدن الواسعة والمناطق البدوية وبين الأحياء الشعبية والأحياء الراقية. وفي منطقة البلد بجدة حيث تمتزج أصالة الماضي بحداثة الحاضر، يستمتع الإنسان بأجواء رمضانية خاصة، فترى العديد من البسطات المتنوعة في أشهر أسواق البلد القديمة، ومنها باب مكة وباب شريف وسوق البدو وقابل والندى والخاسكية. وقد عمد أصحاب البسطات إلى نصبها داخل خيام قماشية مستندة على أعمدة من الخشب، بحيث تسمح بالتهوية وتمنع المارة من رؤية ما بداخلها خاصة في الأقسام التي خصصت للعائلات حتى يكون فيها نوع من الخصوصية. وعلى الجانب الآخر ينتهي الزائر لوسط البلد إلى أحد المقاهي الشعبية العتيقة التي يقضي بها المار وقتاً للاستراحة والتخلص من عناء يوم طويل. وتقدم هذه المقاهي المشروبات الساخنة بطرق قديمة تعتمد على إبريق الشاي الملون وفنجان "بادريق" الذي عرف منذ القدم في شرب الشاي في المنطقة الغربية. وتعد البسطات التي جهزت لبيع الكبدة الجملي والغنمي بالمنطقة من أبرز ملامحها في رمضان، خاصة مع امتزاج رائحة الشواء بالنكهات المختلفة التي تستخدمها كل بسطة، والتي يتفنن بائعو الكبدة في عملها وإخفائها حتى لا يعرف ذلك منافسوهم من أصحاب البسطات، فالجميع يعتبرونها من أسرار المهنة. ويقول خالد أمين، صاحب بسطة لبيع الكبدة بوسط سوق باب شريف إنه يعمل في هذا المجال منذ ما يقارب 8 سنوات، ويلجأ كل عام إلى تجهيز بسطة الكبدة مع توفير كافة احتياجاتها التي قد تكلفه ما يتجاوز ألفي ريال. وتابع: أتفق مع أحد الجزارين المعروفين والثقات لتوفير أجود أنواع الكبدة الجملي والغنمي بعد التأكد تماما من صلاحيتها وأن تكون طازجة، مشيرا إلى أن العاملين في هذا المجال يحرصون على إضافة نكهات مختلفة تعطي الكبدة طعما ورائحة زكية. ويقول إسماعيل فايز "يعمل في مجال بيع الكبدة" إنه عمل في تلك المهنة ما يقارب 17 عاماً وتوفر له دخل مفيد بجانب وظيفته الحكومية، كما يشكل ذلك العمل استغلالاً جيداً لأوقات الفراغ خلال يومه. وأضاف: نواجه بعض العقبات من قبل موظفي البلدية الذين يقومون بحملات تفتيشية وتسجيل مخالفات علينا ليس لها أساس، مما يسبب قلقا وتوترا لأصحاب البسطات، مؤكد أنه يتم تقديم الكبدة الشهية التي يتناولها العديد من الأشخاص من بعد صلاة التراويح إلى ما قبل السحور. وتابع: يتردد على بسطة الكبدة العديد من الزبائن المختلفين، ولديه زبائن من خارج جدة يحرصون على زيارة بسطته وتذوق أشهى أنواع الكبدة الجملي التي يقدمها بخلطة يعدها بنفسه حتى تعطيها طعما شهيا ورائحة تجذب العديد من الزبائن. وفي نهاية الشارع، وتحديداً في حارة المظلوم، يقبع أشهر مقهى في البلد ويعرف بمقهى المصريين والذي يتخذ في رمضان طابعا مختلفا عن باقي أيام السنة، فبعد صلاة المغرب تجد هذه المقاهي الشعبية ممتلئة بالمرتادين الذين يفضلون شرب كأس من الشاي يتراوح ما بين العدني والشاي الممزوج بخيوط النعناع المديني، وذلك بالطبع بجانب موعد غرامي مع الأرجيلة (الشيشة) التي لا تحلو إلا بتبادل الأحاديث مع الأصدقاء. ويقول أسامة فارس، أحد مرتادي منطقة البلد: كل عام أكون من أشد الحريصين على زيارة بسطات البلد لتذوق أشهى أنواع المأكولات الشعبية مثل الكبدة والبليلة وتذوق السحلب المزين بالمكسرات مع الحرص بعد الرحلة الطويلة بين بسطات البلد على الاستمتاع بأجواء المقاهي الشعبية والجلوس على جوانب المقاهي الشعبية التي اشتهرت بها منطقة البلد، فهذه المقاهي تقدم المشروبات الساخنة التي لا يتقن إعدادها إلا المختصون في هذا المجال، ويمتد السهر بتلك المقاهي حتى الفجر بين لعب البلوت والشطرنج وصوت الدومينو على طاولات المقهى وسط أجواء رمضانية و روحانية ممتعة.