في أوائل نوفمبر الجاري حرص الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وهو يهم بالمغادرة من الأراضي السعودية من قاعة "قصر السلام" بجدة، وهو يتحدث إلى شبكات الإعلام المحلية والفرنسية والأجنبية، على الإشادة الكبيرة بدور المملكة العالمي الحيوي لإمداد أسواق الطاقة بالنفط، عبر ضخها كميات إضافية كبيرة إلى السوق الدولي بغرض عدم اهتزاز "الأسعار العالمية"، الذي يمكن أن يعرض دولا إلى خانة "الاهتزاز الاقتصادي"، خاصة بعد العقوبات الأميركية والأوروبية على "النفط الإيراني" جراء مضي الأخيرة في برنامجها النووي. إشادة بالرياض هولاند كرر عبارة الإشادة بالرياض أكثر من مرة وشكر قيادتها ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي وصفه ب"المبدأ السياسي الأخلاقي". تعليقات هولاند تعطي مؤشرات مهمة في هذا المجال "الاقتصادي الحيوي" الذي يمثل قاعدة الاقتصاد العالمية رغم الحديث عن وجود بدائل طاقة جديدة. تشكيلات السياسة النفطية التقارير والتحليلات المحلية والغربية المهتمة بتشكيلات "السياسة النفطية" السعودية، تؤكد أن ملامح المملكة هي أقرب "للمبدأ السيادي" من أن تكون ملامح عامة، فالرياض كانت حاضرة بقوة في أجواء "الاضطراب السوقي النفطي" الذي ينجم في أغلب الأحيان على حساب تعكير "الأجواء السياسية". سواء في مجال التحركات الدولية أو الإقليمية. هنا تبرز القيمة السعودية كمحور "اعتدال" على المسارين السياسي والاقتصادي. يشير الكاتب المتخصص في الدراسات النفطية أحمد سومان في حديثه إلى "الوطن" أن من يتابع سياسة المملكة العربية السعودية خلال العقدين الأخيرين تحديداً، يرى "الحنكة والسلوكيات الاقتصادية" المتوازنة فيما يتعلق "بتثبيت أسعار النفط" وعدم تعرضها إلى الاهتزاز وهي تملك بذلك (في إشارة إلى المملكة) رؤية عميقة في بناء المفاهيم التجارية القائمة على المعايير الدولية، وغير المرتهنة للمناخات السياسية المتشنجة خاصة في منطقة الشرق الأوسط، بخلاف أكبر المصدرين معها في المنطقة، وهي إيران التي تتبع سياسة "التهديد برفع الأسعار أو زيادة الإنتاج" وفقاً لمعادلاتها السياسية ومواقفها المسبقة وهو ما يمثل تهديدا حقيقيا للسوق النفطي العالمي. يتقاطع حديث سومان مع ما جاء في أحد التقارير المحلية من أن "الأسلوب السعودي النفطي" أعطى للمتعاقدين معها ثقة وأمانا اقتصاديا كبيرا، حتى في ظل "الصراعات النفطية الموجودة" في دول أوبك، وقال سومان إن السعودية نجحت في سياستها المتبعة على الصعيد النفطي، من توفير أجواء استقرار الإمدادات النفطية، بل تقدم تطمينات مستقبلية، بأن أي انفجار قد يحدث هنا أو هناك، لا يؤثر في "منسوب" هذه الإمدادات، بل على العكس. السعودية جاهزة ستكون السعودية جاهزة لسد النقص، والحفاظ قدر المستطاع على أسعار واقعية للنفط الخام، خصوصاً في ظل الاضطراب الاقتصادي العالمي. هذه الضمانة هي بحد ذاتها قيمة اقتصادية يحتاج إليها العالم اليوم، أكثر من أي وقت مضى. فالأسعار التي ترتفع أو تنخفض لأن تكاليف الإنتاج ارتفعت أو انخفضت (وغالباً التكاليف لا تنخفض)، تختلف عن تلك التي ترتفع بفعل فاعل، ونيّات سيئة، وسلوكيات تخريبية. الحفاظ على الاستقرار الدولي الباحث في بناء الشبكات الدولية الاقتصادية حسام حسّان يرى نقطة جوهرية مهمة في صياغة "السياسة النفطية السعودية" التي اعتبر أنها محركة للسياسة النفطية الخليجية، والتي استند فيها حسّان أثناء حديثه الخاص إلى "الوطن" على تصريحات وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي بن إبراهيم النعيمي، في العاشر من أكتوبر الماضي خلال اجتماع لجنة التعاون البترولي بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالرياض. والتي أكد فيها النعيمي أن "العام الحالي شهد تطورات بترولية عالمية كبيرة قامت دول مجلس التعاون خلالها بدور مؤثر وهام. وارتفعت أسعار البترول في شهر مارس إلى مستويات لم تصل إليها منذ عام 2008 مما قد يؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي وخاصة اقتصادات الدول النامية والناشئة. كما قد يؤثر سلباً على الطلب العالمي على البترول. وأوضح أن دول مجلس التعاون لها موقع اقتصادي عالمي مهم تستفيد من نموه وتتضرر عند انكماشه، وقد بذلت دولنا جهوداً كبيرة، من أجل إعادة الاستقرار للسوق البترولية الدولية. وهذا ما تحقق بالفعل، فقد عاد الاستقرار وعادت أسعار البترول إلى مستويات مناسبة للدول المستهلكة والمنتجة، وللاقتصاد العالمي ونموه. وقد استمررنا في سياسة طمأنة السوق، وتوفير الإمدادات عند الحاجة، والحد من التذبذب العالي في الأسعار خلال الأشهر التالية، وحتى يومنا هذا". وأضاف حسّان أن تصريحات النعيمي في ذلك المؤتمر بعثت إشارات مهمة على المستويين الدولي والإقليمي ورسالة سعودية خالصة وهي أن المملكة العربية السعودية لديها قدرة إنتاجية فائضة تمثل احتياطيا يمكّن من تلبية الطلب الحالي أو المستقبلي في السوق الدولية، مشيرا إلى أنه من المهم إبقاء أسعار النفط خاضعة لعوامل الطلب ومنع أي شح في المعروض، وهو ما تقوم به المملكة ودول مجلس التعاون والدول المنتجة الأخرى. فيما أشار تقرير اقتصادي محلي مهم إلى أن المملكة تتمتع بسياسة واضحة حيال التعاقدات النفطية مع جميع الدول المستوردة لنفطها. وهناك بعض الدول المصدرة للنفط استبدلت منذ سنوات طويلة "السياسة" ب "السلوكيات" في هذا المجال، فكانت النتيجة أنها تحدد قيمها الإنتاجية والتصديرية طبقاً لتفاعلات آنية لا تكتسب عادة أي شكل من أشكال الاستدامة، أو أي صيغة تحاكي المستقبل. وهذا في الواقع لا يتوافق مع معايير الدول، والمفاهيم الاقتصادية والتجارية المؤسِسة لها. منهجية واضحة وأضاف التقرير أيضاً أن السياسة النفطية السعودية المستدامة، أفرزت تلقائياً التزاماً بتوفير الاحتياجات من النفط الخام، بصورة ثابتة إلى كل المتعاقدين معها حول العالم. وفي ظل وجود طلب متوازن على النفط عالمياً، لم تضطر المملكة إلى خفض أو زيادة إنتاجها. وإذا ما قامت بذلك، فهي تقوم به في "وضح النهار"، لا في ظلمة الليل، ولا عن طريق اتفاقات سرية توقع عادة في "أماكن جانبية". هذه المنهجية، لا توفر الإمدادات اللازمة في زمن الاستقرار السياسي والاقتصادي العالمي، أو في وقت غيابه فقط، بل تضمن أسعاراً مقبولة للطرفين المنتج والمستهلك، وتكرّس العلاقات المتوازنة بين الطرفين، وتطرح أماناً اقتصادياً للبائع والمشتري، وتطمئن أولئك الذين اعتادوا على مشاعر الخوف من اضطراب يغير وتيرة السوق النفطية. وفي النهاية، ليس أفضل من هذه السياسة المسؤولة في هذا العالم المضطرب اقتصادياً بصورة مخيفة منذ الأزمة الاقتصادية العالمية. حتى في ظل اختلاف وجهات النظر السياسية بين المملكة وإيران، يلعب المختصون النفطيون - كما يقول حسّان- دوراً هو بمثابة الحنكة مبتعدين عن خط "التماس" السياسي المعقد والمتشابك بين إيران من جهة والغرب عموماً من جهة أخرى. والخروج من عمق "الأزمة السياسية النفطية" بنجاح بغرض عدم حصول أي نقص بين مساري الطلب والعرض. وقال أحد المسؤولين إن المملكة ليست راغبة في أن تحل محل إيران لتعويض حصتها من النفط وإنها ستقوم بذلك الدور لتغطية الاحتياج العالمي، وإنه لا يوجد أحد سعيد بالعقوبات على النفط الإيراني لا الأميركان ولا الأوروبيون ولا الآسيويون. وهو ما يعطي دلالة حقيقية أمام الملأ من أن السعودية لا تلجأ إلى استخدام سلاح النفط "كأداة سياسية" في بناء مواقفها، ولكنها تعي جيداً أهمية استمرار الاستقرار النفطي العالمي ضمن قاعدة "عدم خروج المغلوب.. بل الكل في خانة النجاح والمكسب.