أشرت في المقالة السابقة إلى أن هناك ثلاثة ذئاب (أشار إليها الدكتور عبدالوهاب المسيري) تفتك بالمفكر والمثقف وتتسبب بمرور الوقت في إعاقته عن تحقيق نضوجه المعرفي وإنجاز مشروعه الفكري، وقد أشرنا سابقاً إلى ذئب الثروة وضرورة ترويضه. وهنا نشير إلى ذئب الشهرة الذي يتمثل في الرغبة العارمة للمفكر في أن يكون نجماً مشهوراً ومحاولته إدخال نفسه في كل شيء وكثرة ظهوره في القنوات الإعلامية إضافة إلى استجابته لرغبات الآخرين الطارئة التي تقطع عمله الفكري مع أن إنجاز المفكر مشروعه الفكري يقتضي عدم الاستجابة لطلبات ورغبات الآخرين التي تؤدي على المدى البعيد إلى قولبته فكرياً وأدلجته بطريقة تجعله مجرد أداة لتحقيق أهداف الآخرين سواء شعر بذلك أم لم يشعر. وقد يتعذر المفكر بأن الشهرة وسيلة ناجحة لإيصال الأفكار والمفاهيم، وهذا صحيح في بعض جوانبه لكن الحل لا يكون في الاستسلام له بل محاولة إشباع هذه الرغبة الجامحة بطريقة تخدم هدفه ومشروعه كما ذكرنا في ترويض ذئب الثروة في المقالة السابقة. ومع أن الشهرة والنجومية عالمان فاتنان ويعتبران جزءاً من شخصية الفرد وطبائعه الخاصة ورغبته في البقاء تحت الأضواء ولفت الأنظار لأن الأضواء تنقل أحدنا من عالم ضيق ومحدود ومتواضع إلى فضاء أوسع وعالم ساحر وفاتن، إلا أن لها تأثيراً هو في الغالب تأثير سلبي، ولها أعباء تؤول إلى الاتصاف بالغرور والنرجسية التي تحول دون تحقيق التوازن المطلوب. مرض الشهرة منتشر بين المفكرين والمثقفين والعلماء ورجال الدين والأطباء وأصحاب المهن، إلا أن كثيراً منهم استطاع التغلب عليها ومنهم الإمام الشافعي الذي كا يردد «وددت لو أن الناس أخذوا كل علومي ولم ينسبوا لي منها شيئاً» وقوله: «ما ناظرت أحداً إلا وتمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه».