بين الحين والآخر يفارق المثقفون السعوديون لهجة انتقاد المجتمع الأثيرة لديهم باتجاه نقد واقعهم الثقافي ونوعية الإنتاج الفكري المطروح في المملكة ومشكلاتهم مع الرقابة وتسويق ما يبدعون، وأحياناً يتطور هذا النقد إلى الدرجة التي يصل فيها إلى تبادل اتهامات حادة في ما بينهم. وخلال الأسابيع القليلة الماضية انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي وفي ملتقيات المثقفين في جدة والرياض، تساؤلات تحمل انتقاداً مبطناً لواقع الثقافة في المملكة، حيث تساءل البعض عن سبب عدم وجود «مفكر» في السعودية بحجم محمد عابد الجابري ومحمد أركون أو حسن حنفي في مصر. ومع ان هذه الانتقادات انطلقت في مستهلها من مثقفين شباب، غير ان مثقفين كبارا كان ينظر إليهم باعتبارهم مفكرين سعوديين، شاركوا هم أيضا في هذا السجال، معترفين بان المملكة تفتقد مفكراً تفاخر به، على الرغم من جميع السبل المتاحة من انتشار للكتاب والتعليم والابتعاث الخارجي لأعظم جامعات العالم ومراكزها البحثية. بلا مشروع المثقف السعودي البارز إبراهيم البليهي، المحسوب على التيار الليبرالي، كان أول المشاركين في هذا السجال من فئة كبار المثقفين، وانتقد الواقع الثقافي في المملكة بشدة، قائلا انه لا يمكن ان يُنتج مفكراً له مشروع فكري يعتد به مثل كارل بوبر وتوماس كون. وووفقا لصحيفة " القبس الكويتية " فقد ذكر البليهي انه لولا «معاداة البيئة النجدية للفلسفة لما كان الوضع الثقافي متردياً ولما بقينا متخلفين». ووسع المثقف السعودي، المعروف محلياً ب «الشيخ الرئيس»، من دائرة هجومه على المثقفين السعوديين ليشمل العرب أيضاً قائلا: انه لا يوجد مفكر عربي يستحق ان يقرأ له. ولدى سؤاله عن مشروعات فكرية رصينة كالتي قدمها ادوارد سعيد وعبدالوهاب المسيري، رأى البليهي ان جميع إنتاج عبدالوهاب المسيري وإدوارد سعيد كان مسيئاً أكثر منه مفيداً، وذلك بسبب «أنه وسع الهوة بيننا وبين الغرب، وزادنا كراهية له، في حين أننا لم نكن في حاجة إلى تلك الكراهية، لأنها موجودة عندنا من قبل». مثقف عاجز وبلهجة صادمة أكثر لمجموعات المثقفين السعوديين، يؤكد الدكتور محمد آل زلفة الشهير بآرائه ضد التشدد الديني، أنه لا يوجد مفكر سعودي يستطيع التأثير في العالم العربي أو حتى مجتمعه. وزاد ان المثقف في كل مكان يستطيع التأثير في مجتمعه، لكن المثقف السعودي عاجز عن ذلك، معتبرا انه من الظلم في بلد كبير وضخم ومؤثر وله تاريخه ألا يكون لديه مفكر حتى الآن. كما رفض وصف عبدالله الغذامي ب «المفكر»، وقال «مع احترامي للغذامي لا أرى انه وصل إلى درجة ان يكون له التأثير على مستوى الفكر أو ان يكون له مدرسة فكرية في الوطن العربي». وأكد آل زلفة في تصريحات أخيرة له ان المملكة في ذيل القائمة فكرياً «وليس لدينا مفكرون في كل المجالات». وأرجع ذلك إلى كون المملكة لا تمتلك معامل لصنع المفكرين، متهماً الجامعات بأنها لم تظهر أي مفكر، وأنها منغلقة على نفسها ولا تلتفت إلى المجتمع، متسائلاً عن عدد الفعاليات التي تقيمها الجامعات للمجتمع والثقافة، كما كانت الجامعات في السابق تقدم كل أسبوع محاضرة وتستقطب المفكرين من العالم العربي. كوميديا سوداء من ناحيته، قال الشاعر واللغوي السعودي صالح الزهراني إن واقع الثقافة في المملكة مزرٍ، والملتقيات والحوارات الثقافية ما هي إلا «كوميديا سوداء في مسرح عبث»، يهدر فيها المال العام، وتضيّع الأوقات، مضيفا «هذه ثقافة وجاهة ليس فيها من وجاهة الثقافة شيء». أما الناقد الدكتور سعد البازعي فقد ذكر ان صفة مثقف، وأحيانا مفكر، تطلق على كل من اصدر كتابا أو رواية أو قصة من دون ان يكون لمحتواها قيمة، وقال إن صفة مفكر أصبحت صفة من لا صفة له، مشيرا إلى ان الصحافيين لا يترددون في إسباغ صفة مفكر بكرم بالغ على كل من لم يعرفوا له صفة واضحة، أو أرادوا أن يرفعوا من قدره إعجابا به وتكريسا لدوره.