حسناً ، لن أكذب و أدعي أني لست سعيداً بهذه الفرصة التي أتيحت لي أو حتى أقول بأن الأمر سيّان لدي, بل الأمر على النقيض من ذلك. منذ أن تلقيت العرض بالإنضمام لقائمة كتاب “الشرق” و الطفل الصغير بداخلي يتقافز فرحاً، كما لو أن أمه أعطته قطعة كبيرة من الحلوى، يلوكها لوحده غير عابئ بنظرات إخوته الحاسدة!. الإنتقال من مساحة صغيرة ذات جمهور محدود إلى مساحة أكبر ذات جمهور أضعاف مما كان الوضع عليه سابقاً، هو لأمر غاية في الحماسة و الإثارة؛جمهور أكبر يعني مساحة أكبر لإيصال الفكرة و بالتالي تفاعل أكبر و تحديات أكثر... نعم .. ماذا عن التحديات؟ لم أفكر في هذا الأمر قبل كتابة هذه الأسطر، سعادتي حَد الثمالة بهذه الفرصة منعتني من التفكير بالتحديات الناتجة عن هذه الفرصة، و الإجابة على الأسئلة المترتبة عليها،أو سؤال واحد إن تحريت الدقة. زالت السَكرة و بقيت الفكرة، و بقي السؤال يتضخم برأسي لحظة بعد لحظة: كيف يمكنني مواجهة مسؤوليات هذه المرحلة الجديدة؟ الكتابة للجمهور تلقي على عاتق الكاتب مسؤولية كبيرة؛ فهي تُلزمه في جميع الأوقات أن يحترم عقول قرائه الأذكياء و يتحداها نحو استخراج أفضل ما لديها، لا أن يخادعها أو يستغبيها. و أن يرتقي بعقول قرائه البسطاء و يوجهها نحو الطريق السليم , للإرتقاء بعقولهم و أفكارهم ، لا أن يستغل بساطتها و سذاجتها لتحقيق أهدافه الخفية. القارئ البسيط يفترض الثقافة في الكاتب و يثق برأيه دوماً ، و القارئ الذكي يتحدى كل كلمة يكتبها الكاتب. قد يجلس الكاتب في مكتبه، أو برجه العاجي، و يكثر من التنظير و إلقاء المواعظ و النصائح و يعيد و يزيد في المثاليات صعبة التطبيق على قرائه دون أن يطبق شخصياً هذه النصائح أولاً قد يستغل الكاتب منبره و يلقي ما بداخله من عُقد دفينة و سلبية متعفنة على صدور قرائه، حُجته أنه لا يريد سوى الإصلاح بينما هو في الواقع ينفس عمّا بصدره لا أكثر قد يتاجر الكاتب بأحلام الضعفاء، و يصعد على أكتافهم نحو القمة ثم لا يلتفت لهم بعد أن يصل إليها و هو يقول “هذا بجهدي و ذكائي” الكتابة في نظري كالسير في حقل ألغام؛ خطوة واحدة خاطئة و ينتهي أمرك ! الكتابة للجمهور مسؤولية...مسؤولية كبيرة! و لا أكذب عليكم إذا قلت أنني لا أعلم تماماً كيف بإمكاني مواجهة و تحمل هذه المسؤولية. أظن أن لا شيء سوى الوقت كفيل بإجابة هذا السؤال دمتم بود... الكلمة ليست هي ذاتها بين كاتب و آخر، فأحدهما يخرجها من أحشائه و الآخر يخرجها من جيب معطفه تشارلز بيجوي-شاعر فرنسي