هل رأيتم مشنقة التدخين في جامعة الملك فهد؟ لماذا تكون النيات -أحيانًا- حسنة، والوسائل غير مناسبة أو غير موفقة؟ أعتقد أن التوعية بهذه الطريقة هي نفسها ظاهرة أو نزعة مرضية في حاجة إلى معالجة. إنها لا تخلو من تخليط. المدخنون كلهم في تصوري، حكمهم حكم المرضى، فهل هؤلاء الناس ينقصهم الوعي؛ لنحقن في أذهانهم الوعي بهذه الطريقة العنيفة المحتدمة المتكَلفة؟ هل هؤلاء الناس خطرون إلى الدرجة التي تجعلنا نخاطب مرضهم وورطتهم مع التدخين بهذه الطريقة؟ هذا الأسلوب الدعائي فيه استعلاء وقسوة و مبالغة. إن هناك تفاوتًا بين حجم الأزمة -حتي من الناحية الأخلاقية- وبين طريقة المعالجة. التدخين ليس أزمةً أخلاقية، هو أزمة مرضية، والأزمات الأخلاقية التي تحتاج معالجة هي اعتلالات فهمنا في النظر إلى حجم أزماتنا وخطورتها. ما هذا التهويل؟ وما هذه المسرحية المبالِغة؟ إنها طريقة جافة مجدبة لن تجديَ فتيلًا -في ظني-، والذي أثار عجبي ودهشتي هو تصريح الأكاديمي الذي قال: (إن هذا الذي حدث قد تم الترتيب له بسريةٍ تامة)، هكذا وُضعت المشنقة في طريق الطلاب وأعضاء هيئة التدريس؛ ليشاهدوا بعد ذلك دمية علبة السجائر، أو دمية التدخين تتدلى لتكون شاهدًا على حسن النيات، وعدم مناسبة الوسائل -لا أريد أن أقول سوء الوسائل. سأظل مع الرأي الذي يقول إن حسن الإرادة كثيرًا ما يكون راجح الكفة في مقابلة خطأ الوسيلة، ربما تكون هذه قاعدة عادلة، لكننا نظل في حاجة أيضًا إلى العمل على تصويب وسائلنا ووزنها وفحصها بمنظار الفقه الموازن النابه. كل ذلك العمل التوعوي كان بترتيب فريق المسرح في الجامعة، وكانوا هم أيضًا وراء أصل الفكرة، لكن المسألة لم تكن تحتاج إلى كل هذا الربط الفادح بين الصورة الذهنية السيئة المتراكمة لفكرة -الشنق- وحدها فضلًا عن آلتها، و بين حالة مرضية يعانيها أناس كثيرون، طيبون، صالحون، إنسانيون، نبلاء، مرهفون، ذوو أخلاق، متعلمون، وأصحاب معروف، إلى آخر صور الخلق الكريم. كيف يحدث هذا؟ في الذي حدث دليل على أننا لا نحسن الفرز الأخلاقي لأخطائنا أو سيئاتنا، أي أننا لا نحسن أن ننزل الخطأ في منزلته الصحيحة التي تناسبه من سلم النقائص الأخلاقية. التدخين ليس نقيصة أخلاقية! أنا لا أقول إنه من المباحات، ولا أنفي الاجتهادات الفقهية التي تقول بحرمته أو كراهته، لكن حتى درجة الحُرمة تتفاوت، وكلنا نعلم هذا. التدخين -في حسباني- أزمة تبدأ تسليةً، وتنتهي مرضًا بحاجة إلى علاج، وفكرة العلاج تنبني على الرحمة والمحبة والمعذرة والصفح ولطف الوسيلة لتوصيل النفع، فهل كان فريق المسرح ذاك يذهب هذا المذهب؟ لقد كان يكفيهم أي فيلم علمي موثق، يسرد مضار التدخين على الشريحة المستهدفة بالتوعية، في صالة فسيحة، مكيفة -خمس نجوم- عوضًا عن الذي فعلوه.