في طريق العودة، كانت الساعة الرابعة بعد العصر تقريبا. أجلس في السيارة في المعقد الخلفي – بالطبع – وأرقب العالم من خلف زجاج سيارتي. مشاهد مختلفة لمشارب الحياة. يقطع تفكيري بين الفترة والأخرى صوت السيارة تستعجل السيارة التي أمامها. المنظر من حولي راكض، شعرت لبضع لحظات بأنني في إحدى الألعاب الإلكترونية السريعة. هذا المشهد الذي يمر أمامنا ونمر من خلاله كل يوم في الصباح أثناء طريقنا إلى العمل و في طريق العودة أيضا»، وما يفصل بينهما من أمور حياتية روتينية كالذهاب لموعد طبيب، أو لواجب أسريّ، أو الاضطرار إلى توصيل الأطفال المفاجئ إلى المدرسة في بعض الأحيان. أكاد أجزم بأن العالم من حولنا يعاني من اختناق، وهنا لا أقصد بالاختناق الازدحام فقط. ولكن هذا الاختناق المتجسد أمامي في صورة ازدحام مروري يومي يعكس لي صورة لنمط الحياة اليومية التي نعيشها. من خلال المعايشة اليومية للواقع، هذا الواقع لا يتسم بخصوصية لمجتمع ما دون الآخر، وإنما هو واقع مرتبط بنوع الحياة الفردية والأسرية المعاشة اليوم في الرياض، وفي بيروت والقاهرة ولندن ونيويورك وفي دبي، وقس على ذلك البقية. هذا الاختناق الذي يعاني منه العالم اليوم هو نتاج بديهي لنوع الحياة التي يعيشها الفرد، بمعنى آخر قد يميل إلى السخرية ربما! الحياة العصرية اليوم هي أشبه ما تكون بإعصار حياتي. ومن هنا أخذت تلوح على مشارف أفكاري فكرة قديمة بعض الشيء، كانت تتردد على مسامعي في الطفولة، المرأة الحديدية والرجل الحديدي، أعتقد بأن تلك العبارة كانت تعبّر في بعض قصص الأطفال وأفلام الكرتون المدبلجة عن مدى قوة شخصية تلك المرأة أو ذلك الرجل، كمقدرتهم على القيام بأعمال خيالية خارقة، وقد تعبّر أيضا عن جمود المشاعر والجبروت. أما اليوم وأنا أرقب أسرابا من الرجال والنساء أمامي في شتى مناحي الحياة، أخذت تحوم هذه الفكرة مجددا ببالي. ولكنني لم أشعر بأن أصدقائي .. زميلاتي … وحتى والديّ هم من نوع الرجل الحديدي والمرأة الحديدية كما في السابق. شعرت بأن هؤلاء هم الرجل والمرأة الريبوت أي رجال ونساء من نوع آلي إن صح التعبير. بمعنى أن نمط الحياة التي نعيشها اليوم نتشاطر ونتقاسم خبزها وملحها مع بعضنا البعض من بني البشر، هي أشبه بنفق طويل لا نعرف أين سينتهي ولا في أي اتجاه يأخذنا ! لذا على كل منّا أن يتلفت جيدا ويبحث عن منبع الضوء لحياته. سواء أكان ذلك من خلال وقت عائلي ممتع … كتاب نقرؤه لنجدد دماء أفكارنا.. رحلة سياحية نكتشف من خلالها بعدا حضاريا جديدا.. خدمة إنسانية نسعى لتقديمها.. هناك عديد من الأفكار والأعمال التي نمر بها يوميا وقد لا نلتفت إلى أهميتها إلا بعد أن نعبرها إلى محطة أخرى من محطات الحياة. ولكن حتى لا تكون الحياة أشبه بجهاز كمبيوتر إلكتروني أو مولد طاقة، علينا أن نسبغ عليها بعضا من اللمسات التي قد تسبغ على حياتنا الفردية والاجتماعية رشات من الطاقة الإيجابية التي تعمنا جميعا.