مرة مشيت حول الحديقة مع صديق خليجي يعمل «وزيراً» في بلاده فسألني أحدهم مستغرباً: أليس هذا الوزير؟ ثم عبر مجدداً عن استغرابه: معقولة يمشي طبيعي حول الحديقة؟ سألته ساخراَ: و هل تريده أن يمارس رياضة المشي لابساً «بشت» المناسبات الرسمية؟ منصب الوزير، و من في مرتبته، أو أعلى أو أقل، إنما هي مناصب وظيفية، كلما ارتقى الموظف فيها زادت مسؤولياته. و كلما زادت مسؤولياته زادت توقعاتنا في تأهيله و قدراته على الإنجاز. و من يعمل صادقاً يقترب أكثر من الناس. فالعمل الجاد المقترن بالتواضع يرفع صاحبه في عيون و قلوب الناس. أما من يستعرض على الآخرين، بالمناصب أو الممتلكات، إنما يعبر عن نقص بداخله يريد – بوعي أو بدونه – أن يغطيه بالمظاهر والشكليات. والواثق من نفسه، وعقله، لا يغيره المنصب و لا كثرة الأموال. جلست و مشيت و سافرت كثيراً مع أصدقاء و معارف من فئة «معالي» و ما فوقها و أدركت أن التواضع من أسرار النجاح. فالتواضع الحقيقي – و ليس ذلك المصطنع – يعكس صدق صاحبه. صاحب المنصب الكبير الذي يمتاز بتواضعه و قربه من الناس يبقى قريباً من الناس بالمنصب أو بدونه. أما الغرور فإن نفع صاحبه يوماً فلابد أن يضره أشهراً و ربما سنين طويلة. و في المناصب العليا الإنجازات الحقيقية هي التي تبقى أما «النطنطة» و «تسحيب البشوت» فلن تخلد اسماً و لن تنفع صاحبها و من في دائرته. و هنا أقترح أن نقيم دورات تدريبية في «التواضع» ربما انتفع بها صغار الموظفين قبل فوات الأوان. عرفت شباباً ما إن تقلدوا مناصب أعلى حتى لبسهم الغرور فما عادوا يجيبون اتصالات أصدقاء الأمس القريب و صارت رؤيتهم أقرب للمستحيل. هؤلاء – في مقتبل تجربة المنصب القيادي – بحاجة إلى تذكيرهم أن الغرور أصلاً ليس من شيم أهلنا و أنه الخطوة المهمة في طريق الفشل و السقوط الشنيع من عيون الناس و قلوبها. من ينجز بجد و إخلاص لن يجد الغرور نافذة، و لو صغيرة، إلى قلبه.