استكمالا لما بدأناه معا في سلسلة شخصيتك تعرف عليها ليس أمامي إلا التعلم منكم ومن آرائكم والإبحار في مكنون شخصيات الإنسان المختلفة التي وهبنا الله إياها وميزت كل منا ... عن الآخرون وقد تناولت من قبل شخصيتين ربما كانتا مجهولتين بالنسبة لي على الأقل والعديد من القراء الأعزاء الذين أفادوني بتعليقاتهم على ما كتبته مما جعلني اتمسك بفكرتي وأستكمل المسيرة، فبعد الشخصية الاستفزازية والشخصية الوصولية أتناول اليوم شخصية ليست بغريبة عنان ألا وهي الشخصية المغرورة أو المتكبرة ويقول المولى في سورة آل عمران "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" دعونا نتفق أولا على مبدأ إلهي وضعه الله في الدنيا آلا وأن الحياة تدعو للغرور، ولكن علينا ألا نغتر بها، ثم جاء قول المولى في سورة النساء "يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً" إذا فالغرور من الشيطان، هذا وقد ارتبطت كلمة الغرور كثيرا بكلمة الدنيا في كتاب الله العزيز في مواضع كثيرة، إذا اتفقنا على أن أول شيء يميز الشخص المغرور هو حب الدنيا أكثر والاغترار بها، وع\م الانشغال بأمور الآخرة، حيث يتصف صاحب هذه الشخصية بالثقة الزائدة بالنفس، وحب الظهور والتعالي على الآخرين والتحدث عن نفسه في المواقف، وترتفع عندها درجات الأنا. وقد وجه المولى حديثه لنبيه عليه الصلاة والسلام وفي القرآن الكريم في سورة آل عمران الآية 159 "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِك" وقد قال عليه أفضل الصلاة والتسليم "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" وحديثي عن الغرور لا يختلف كثيرا عن الكبر الذي هو من سمات الأشخاص المبهورين بآرائهم معجبين بأنفسهم، لا يهتمون برأي أحد غير رأيهم، فرسالة النبي لم تعتمد على الكبر وأنه عليه أفضل الصلاة والتسليم لم يرى أنه أفضل البشرية وأنه أكرم خلق الله على الأرض من يوم أن خلقت إلى موعد الساعة، وقد وصلت رسالته من خلال تواضعه وسماحته. المتكبر شخص مريض قد يشعر بأفعاله وقد لا يشعر بها ومرضه عقدة نقص حادة جدا... فكل من يحاول أن يرسم لنفسه صورة الكمال في كل المجالات .. لم يدفعه لذلك إلا شعوره بالنقص .. فهو يظن أنه شخص خارق .. يستطيع أن يجمع بين كل العلوم والفنون وأنه يحسن فهمها والتكلم فيها .. وأنه يحسن التصرف في كل المواقف .. ولا يمكن أن يخيب تقديره أبدا. إن التعامل مع البشر بشكل عام يحتاج للمهارة والعقلانية في أغلب الأوقات, لذلك وجب عينا أن نعرف مفاتيح هذه الشخصية للتواصل معها بشكل جيد ومعرفة كيفية التعامل معها وعدم الاستسلام لها، هذه الشخصية المتعالية التي لم يرد في الأثر أن مثل تلك الشخصيات تركت بصمات أو علامات تجعلنا نعجب بها، فهل هناك إنسان كان متكبرا أكثر من فرعون، ماذا كانت نهايته؟ أم كان في الأرض من أكثر جمعا للمال وغرورا بالدنيا مثل قارون بعدما امتلك المال، كلنا يعلم النهاية، فلم يوجد بالتاريخ رواية أو قصة لشخص متكبر أو أصابه الغرور لنعمة أنعم الله عليه بها إلا وكانت نهايته الهلاك والتاريخ مليء بأمثال هؤلاء الذين مثلما أعطونا دروسا كبيرة في الكبر والغرور فبالفعل أعطونا دروسا أكبر في التفكر في نهاية كل منهم. والشخص المغرور أو المتكبر يرى أنه أكثر قيمة عن غيره وأعلى شأنا ربما لنعمة أنعم الله عليه بها مثل المال أو الصحة أو العنوفان والجمال، وهو شخص يرى كل ناجح محظوظ ولا يستحق إلا هو ويحاول إصطياد الأخطاء ويميل للنقد وإحراج الغير ليبين مدى كفاءته, وغالبا ما يتوقع إمتثال الأخرين لرغباته,كلماته تعبر عن غروره وبالأخص كلمة “أنا”, يتفاخر بملابسه وبتصرفاته, صاحب نظرات مستفزه للأخرين، وقد يهرب من كلمة أنا بقوله "أعوذ بالله من كلمة أنا" ليجبرك على كبره، ويتباهى بكل ما صدق وكذبن فيضطر للكذب ليرضي غروره كما يقولون. وهذا الشخص كثيرا ما يكون ناقما عن المجتمع وغير راض عن أوضاعه وقوانينه، متقلب الآراء حسب المواقف وبما يخدم وجهة نظره هو ويرضي طموحاته، ولا يستسلم لفكر وآراء الآخرين بسهولة، تلك الشخصية ربما تكون متعلمة لكنها تجهل قيمة هذا العلم، ومكانته عند الله، تتجاهل وتستنكر أن الله ما طلب بهذا العلم إلا تواضعا وزهدا في الحياة، تتجاهل قول النبي عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم "إن أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه" والحديث الثاني "عَالِمٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ" تدبروا معي معنى الحديثين، فلم يقصد بهم التباهي والتعالي، وإنما قصد بهما التواضع ومنفعة الناس. ويطلق على هذه الشخصية عدد من الصفات كالمتكبرة أو المتغطرسة التي ترفع أنفها للسماء، ولديها أنانية وحب للذات كبير، والتي دائما معجبة بآرائها أيا كانت صحيحة أم خاطئة، شخصية لا ينتفع بها، شخصية تضر أكثر مما تنفع، ولذا يتوجب علينا البعد عن التعامل مع تلك الشخصية، أو الاتصاف بها، فمفترض أن يزيد العلم أو المال الإنسان تواضعا وحمدا لمولاه عز وجل أن أعطاه وحرم غيره من العلم أو المال أو أي نعمة مهما كانت، والدراسات قاصرة عن تلك الشخصية. وللتعامل مع الشخص المتكبر “المغرور” يجب أن تعلم أنه شخصيتة قد تكون سوية عقلياً, ولكن لديه تضخم في الأنا نفسياً ولديه اضطراب نفسي، فالغرور لا يعني الاعتدال في الأفعال أو الأقوال وإنما يعني الاستفزاز للآخرين والاستهزاء بهم, فإن تقربت من هذا الشخص ستجده محل شفقة لديك لا إستفزاز, ولا تقم بإعطائه أهتماماً خاصاً, ولا يهمك تصرفاته أو أفعاله فهو ينقصه الكثير للتعامل مع البشر, إجعله يكمل كلامه وتحدث معه بصوت هادئ دون صدام, لا تتحدث معه إلا فيما تعلم حقاً, وأظهر له دائماً اهتمامك القليل به. والغرور ليس ثقة بالنفس كما يعتقد البعض، ولا يعني قوة في الشخصية، فالثقة بالنفس تعني الاعتدال والتوسط في ردود الأفعال والتجاوب مع الآخرين، كما أن قوة الشخصية تعبر عن وزن الأمور بميزانها الصحيح الذي يرتضيه المجتمع ويتفق عليه الأشخاص والتفات الآخرين حول آراء الشخص قوي الشخصية لما له من تأثير على الآخرين في آرائهم، على عكس الشخص المتكبر أو المغرور الذي يجعل الآخرون يلفظوه ويبتعدون عنه، ولذا أنصحك قارئي العزيز وأنصح نفسي معك بالابتعاد كل البعد عن الغرور أو الكبر، والله الموفق.