قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود الشريم إن من المعلوم بداهة أن المجتمعات كلما كانت بسيطة محدودة قلت تكاليف العمل لديها وأجزأها اليسير منه بما يغطي احتياجاتها المتواضعة وكلما كبرت المجتمعات وتكاثرت عظمت المسؤولية وتعددت المطالب واتسع مجال النقدوالبحث عن الجودة والإتقان حيث أننا نعيش في عالم يهيج بثورة المتطلبات العملية على كافة مستوياتها دينية كانت أم دنيوية . وأكد أن المجتمعات الإسلامية بحاجة إلى أن نفهم معيارا له الأثر البالغ في تحديد مستوى الكفاءة والرضا بالحال والشعور بأن المجتمع يصنف ضمن المجتمعات الإيجابية لا السلبية ألا وهو معيار الإتقان في العمل فهي أحوج ما تكون إلى تغير جذري في مفاهيم العمل وأهمية الإنتاج المتقن لكل عمل. وعبر الشريم في خطبة الجمعة أمس عن أسفه من أن نرى في واقعنا تصورات خاطئة لا تفرق بين التكامل كقيمة حياتية اجتماعية وبين التكاسل كعيب سلوكي وقال ( بما أن العلم والتعلم هما مقبض الرحى للمجتمعات المتقدمة فإن التعليم العام المتوسط منه والعالي في المجتمعات المسلمة يفتقران إلى صقل وتجلية ليتضح معنى الإتقان لدى ممارسيه من كافة الطبقات العلمية حيث توارى الإتقان وراء أسوار شاهقة متخلفا إلى الوراء مع أن الخطى إلى الأمام غير أن المشي مشي رواح لا مشي غدو فضرب التسيب بأطنابه على الإهمال والتقصير وقصور التطلع والرضا بأن نظل مع الخوالف في ميادين التقدم والإتقان بل أصبح الإهمال وضعف الهمة طاردين لخلق الإتقان من مفاهيمنا وضمائرنا ). وبين أن الدين الإسلامي هو دين الإتقان ودين العمل والنجاح فهو دين العمل للدنيا والأخرى دين الحق على مكابدة الحياة واستسهال الصعاب دين الفال والأمل المحمود الذي يبلغ بالمجتمع المجد بعد أن يلعق الصبر مرات. وأرجع إمام وخطيب المسجد الحرام حال واقع الأمة الإسلامية الآن إلى أن العمل قد حُرم دفع ومساندة القيم الإسلامية الحاثة على الإحسان والإتقان بل ربما اختفى الشعور أصلا لدى بعض الأفراد وهم كثر بأن الإتقان من أهم أسس التربية الإسلامية إذ لا يكفي الفرد أن يؤدي العمل فحسب بل لابد أن يكون صحيحا ولا يمكن أن يكون صحيحا إلا إذا كان متقنا. وأوضح أن الإتقان في الإسلام ليس هدفا سلوكيا قاصرا على الفرد فحسب بل هو سمة حضارية تقدمية للمجتمع المسلم تنمحي بسببه بعض السلوكيات البغيضة كالفوضى واللامبالاة والغش والتقصير بل ينمحي بسببه مفهوم الأنا أو عدم مجاوزة الذات بمعنى أن العمل لن يكون متقنا ما لم يقتصر نفعه على ذات المتقن وحده. وقال: إننا في هذا الصدد نريد أن نوقظ الضمير المسلم ليكون حيا يمارس دور الحكم الداخلي على النفس ألا وهو دور الرقيب والواعظ أثناء العمل لأن إيقاظ الضمير لم تتوجه له الميادين التعليمية في غالب المجتمعات المسلمة حيث رؤي أن إنتاج التعليم في المجتمعات الإسلامية قد أفرز أجساما مفرغة وضمائر نائمة فانعكس ذلك تماما على الجودة والإتقان والجزاء من جنس العمل. وأردف أن سبب تأخر المجتمعات المسلمة في أهم مجالات الحياة هو فقدان الإتقان وضحالة المهارة والعجز عن ملاحقة السباق الحثيث في ميادين الثقافة والصناعة والمهارة التي تعود بالنفع العام على المسلمين وتجعلهم في مقدمة أمم الأرض بعد أن تأخروا عن سبقهم الذي كانوا عليه في القرون الأولى لأن العصر الحديث يتطلب مستوى رفيعا من التخصص المثمر. وقال: إبان هذا الضعف في الإنتاج والعمل المتقن لدى المسلمين سمعت أصوات هالها التقدم الأجنبي ظنوه بدعا من قبل أنفسهم وما علموا أن ما بأيديهم إنما هو ثمار وخراج ما فعلوه من تركة الأمة الإسلامية التي وقعت بين أيديهم يوما ما وأصبحت هذه الأصوات تمجد ما لدى أولئك مما يسمى بالجودة النوعية والتميز وما علم أولئك أن هذا كله قد سبقهم فيه الإسلام بقرون بل أن معيار الجودة لدى المسلمين غير معيار الجودة لدى غيرهم لأن الجودة لدى أولئك منطلقها مادي صرف بخلاف الجودة لدى المسلمين فان منطلقها دنيوي وأخروي لقوله تعالى ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا). وبين فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام أن الإتقان في الشريعة الإسلامية قد جاء في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة كلها دالة على محبته والحض عليه في جوانب كثيرة فقد قال صلى الله عليه وسلم (إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه). ودعا فضيلته المسلمين إلى وعي قيمة الإتقان في شريعتهم وأن يسعوا إلى تفعيله في أوساطهم وبالأخص في الأوساط التعليمية والعلمية التي تنطلق منها مجالات العمل وسوقه من صناعات وإنجازات ومهارات. وفي المدينةالمنورة ألقى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي الحذيفي خطبة الجمعة أمس أوصى فيها المسلمين بتقوى الله بالتقرب إليه بفعل الخيرات وهجر المنكرات. وقال فضيلته إن الحياة الدنيا سريعة الزوال متقلبة الأحوال ولم يخلق الله الخلق فيها ليكونوا مخلدين ولا ليكونوا فيها مهملين لا يؤمرون بطاعة ولا ينهوون عن معصية بل خلقهم عبيداً مكلفين سعادتهم في طاعة ربهم أرحم الراحمين وشقاوتهم في معصية رب العالمين ، قال الله تعالى (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ). وأضاف فضيلته يقول : ألا وإن في يد الموت كأساً لكل أحد في هذه الدار سيذوق سكراته ويقطع لذاته قال تعالى (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكثروا من ذكر هادم اللذات) يعني الموت. فإن الموت ما ذكر في قليل إلا كثره وما ذكر في كثير إلا قلله (وكفى بالموت واعظاً). وبعد الموت أحوال عظام لا يدري المرء هل سيكون قبره روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار والحياة الآخرة إما نعيم مقيم أبدي وإما عذاب أليم سرمدي. ومضى فضيلته يقول إن مما يسعد به الإنسان في هذه الدنيا حياة القلب ويقظته ومراقبة المرء لنفسه بمحاسبتها في كل صغيرة وكبيرة فمن حاسب نفسه قبل حسابه للآخرة قل حسابه في الدار الأخرى ، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتأهبوا للعرض الأكبر قبل لقائه). وأفاد فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي أن حياة القلب أعظم ما أنعم الله به على العبد وبهذه الحياة تسره الحسنة وتسؤوه السيئة قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون) وحياة القلب هي توحيده لله تعالى ومحبته والتوكل عليه والأنس بذكره والفرح بطاعته وكراهية معصيته والإنابة إلى دار الخلود ، والحذر من دار الغرور وتجنب المظالم والاستقامة على الهدى وإذا تمت حياة القلب عاش حياة طيبة في الدنيا وسبقت له من الله الحسنى في الآخرة ، قال الله تعالى (أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ). وقال فضيلته إن الحياة التامة الأبدية لمن حليت قلوبهم بالإيمان وعملوا بالقرآن قال الله تعالى (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون). وفي الحديث (مثل الذي يذكر الله ومثل الذي لا يذكر الله كمثل الحي والميت). وبين فضيلته أن هلاك العبد هو في الغفلة عن الله تعالى والإعراض عن طريق الخيرات وقال: إن الغفلة نوعان غفلة كفر ونفاق أكبر وهذه الغفلة صاحبها ميت القلب شقي محروم من كل خير لا يعمل بطاعة ولا يكف عن معصية همه هم البهائم لا يعمل لجنة ولا يخاف من نار ولا ينزجر للوم لائم ولا يصغي لناصح ولا يعبأ بأي كلام ناله بترك الفرائض وفعل المحرمات ، قال الله تعالى (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون). والنوع الثاني من الغفلة غفلة دون غفلة الكفر والنفاق الأكبر وهذه الغفلة درجات في إثمها ومضارها وآثارها على العبد وعلى المجتمع وأفراد هذا النوع من الغفلة كثيرة لا تحصى إلا بمشقة ، فغفلة التقصير في حقوق الله وحقوق العباد فلا يقوم المسلم بهذا الواجب أتم القيام فيفوته من الخير والثواب بقدر ما فاته من العمل ويكتسب من الذنوب والآثام والعقوبة بسبب الغفلة بقدر ما اكتسب بسبب هذه العواقب وعدم الاهتمام بالحقوق. وغفلة عن الشكر على النعم فيأكل ويشرب ولا يتفكر في عظمة المنعم سبحانه وما يجب له من الحقوق ولا ينظر في الطرق التي وصل بها إليه هذا الطعام والشراب واللباس الذي يقيه الحر والبرد ويتجمل به بين الناس. وأردف فضيلته يقول: وهناك أيضاً غفلة عن الشكر على الصحة والعافية التي لا يشتريها أحد بثمن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) وغفلة عن الشكر على العقل الذي فضل الله تعالى به الإنسان فيدمره بالمنكرات والمخدرات أو يستعمله في الشر ومحاربة الفضائل والخيرات أو يهمله فلا ينتفع به. وغفلة عن الشكر عن المال وشكر لله على المال بإعطاء الحقوق منه وعدم الاستطالة به وعدم استعماله في المحرمات. وغفلة عن الشكر عن الأمن الذي به يقوي الله الدين ويجمع الكلمة ويصلح الله به الدنيا ويأمن الناس به على نفوسهم وأموالهم ومساكنهم وشكر الله عليه بألا يكيد لهذا الأمن ولا يمكن أحداً يعبث به .