الامتزاج بين ثقافة الفكر ووسطية الدين، خيط رفيع غائب ومفهوم يتأرجح بين الاقتراب والابتعاد ولاحظنا الآونة القريبة انخفاض الحضور من قبل الشباب إلى المحاضرات الأدبية، فهل هذا الانخفاض سببه أن المثقفين يعيشون في الأبراج العاجية ولا يلامسون واقع الشباب؟ أم أن الشباب لا يأتون إلى هذه المحاضرات والندوات لا تروق لهم أم أن الإعلان عن هذه المحاضرات والتسويق لها لم يكن بالشكل المطلوب؟، أم أن واقع الحال وصعوبة الحياة شغلت الشباب عن الاهتمام بمثل هذه الملتقيات الثقافية والأمسيات الأدبية؟. وفي المقابل نرى الحضور الكبير والجمع الغفير في المحاضرات الدينية التي يحضرها كثير من الدعاة الشباب فهل السبب أن التسويق لهذه المحاضرات الدينية يعد بشكل جيد، أم أن الشعب يفهم اللغة الدينية أكثر من فهمه للغة المثقفين، أم أن هنالك عاطفة دينية جياشة تخللت كل مساماته وتوغلت في كل أرجائه فأصبح يميل بعاطفة قوية وينساق بشغف جامح نحو رجال الدين؟، الحقيقة لن أهمش تلك المحاضرات ولكن المجتمع ثقافة ودين فتأثير المحاضرات الثقافية والأدبية مهم للشباب، وتفرض احترام الفكر وتفتح له الأفق وتقلل من مستويات الصراع لأنها باختصار تقف دائما وتشجع على الوسطية بين كل الأطياف والمذاهب والتوجهات. أما تأثير المحاضرات الدينية فهي غالبا ذات مواضيع مكررة ومتشابهة تدور حول الوعيد لا الوعد وتتحدث عن الترهيب لا الترغيب وتوهم الإنسان بأن الدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن وغير ذلك من التأثيرات التي أخرجت لنا فكر التكفير والقتل والتدمير باسم الدين والسلب والتشريد باسم الشريعة الإسلامية والصراع والطائفية باسم السنة والجماعة وغيرها من التأثيرات السلبية التي أبعدتنا عن التقارب وأبعدتنا عن جمال الوسطية الإسلامية السمحة. كثيرا ما أتساءل هل سيتم وضع مراقبة مستمرة على مضامين هذه المحاضرات الدينية لتكون عنصرا بناء للمجتمعات أكثر من كونها عنصرا للتكفير. وهل سيتم أيضا وضع مراقبة على مضامين المحاضرات الإلكترونية التي تملأ عالم الإنترنت وفضاء التواصل الاجتماعي بكل لغات التشدد المتطرف. كثيرا ما أقرأ عن الوعد وأملي بالله كبير، وكم تمنيت أن نتثقف ونقترب أكثر من هموم الشباب، ويواكب ذلك «المثقف» رغبات الشباب ويحوي أفكارهم مع النظر إلى تطلعاتهم، بدلا من الجلوس في أبراجه العاجية والحديث بتلك اللغة النخبوية التي كانت السبب في إحجام الشباب وعدم حضورهم لتلك اللقاءات التي لو حضروها لأضافت لهم كثيراً ولمجتمعنا أكثر.