أوصى المشاركون في ندوة "الوسطية.. منهج رباني ومطلب إنساني" التي نظمها كرسيّ الإمام محمد بن عبدالوهاب للوسطية ودراساتها بالجامعة الإسلامية برعاية الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينةالمنورة، بالعمل على وضع خطوط عامَّة لضوابط التَّجديد، لئلاَّ يَبْقَى الصِّراعُ مُحتَدِماً بين أنصار التُّراث وأنصار المعاصرة، وتبقى طروحاتُهم غائمةً، أو متناقضةً. وأوصت الندوة التي شارك فيها 24 باحثاً وباحثةً، أمس الثلاثاء العلماء والدُّعاةَ بإبراز مسألة الإمامة الكُبرى الّتي لا يَتَجَلَّى الحقُّ فيها إِلَّا بموافقة النُّصوص وكلام أهل العِلْم، حيث إن رسائل أئمَّة الدَّعوة زاخرةٌ بالكلام عن تقرير أَمْر الولاية، والحَثِّ على الائتلاف والاجتماع، واجتناب الفرقة والاختلاف.
كما أوصى المشاركون الدُّعاةَ والتَّربويِّين بالعناية بمسألة التَّكْفير، الَّتي لا يَتَجَلَّى الحقُّ فيها إِلَّا بموافقة النُّصوص وكلام أهل العِلْم.
ورسائلُ أئمَّة الدَّعوة زاخرةٌ بالكلام عن تقرير أَمْر التَّكْفير، فلابُدَّ للتَّكْفير من ثُبوت الشُّروط، ومن انتفاء الموانع، فلا يُحْكَمُ فيه بالظُّنون والأهواء، كما أن التَّسَرُّعَ في التَّكْفير يَتَرَتَّب عليه أُمورٌ خطيرة من استحلالِ الدَّم والمال، ومَنْعِ التَّوارث، وفَسْخِ النِّكاح، وغيرِه ممَّا يَتَرَتَّبُ على الرِّدَّة.
وانتهتِ النَّدوةُ إلى مناشدة المجتمعات الإسلامية بالإفادة من استمرار المملكة على المنهج الوسطي، لِتَنْعَمَ بالأمن والاستقرار، وتَقِفَ أمامَ التَّحدِّيات المختلِفة. كما أوصت النَّدوةُ باستنكارِ ما يُنسب إلى الإسلام والمسلمين من تُهَمٍ وافتراءات، كالعُنف والغُلُوِّ، والإرهابِ، وانتهاكِ حقوقِ الإنسان، واستنكارِ ما تَتَعرَّض له المملكةُ من حَمْلات إعلاميَّة ظالمة؛ بهدف تشويهِ صورتها، وزعزعةِ مكانتها في نفوس المسلمين، وهي الَّتي تَتَبَنَّى الدَّعوةَ إلى الإسلام عقيدةً ومنهجَ حياة، وتُعْنَى بشؤون المسلمين في كلِّ مكان، وتدعو الدُّعاةَ والقائمين على الإعلام والكُتَّاب إلى الرَّدِّ على هذه الحَمْلات، والكَشْفِ عن أسبابها. وأجمع المشاركون في النَّدوة على ضرورة دعوة العلماء والمربِّين والإعلاميِّين وطلبة العِلْم، لفتح باب الحوار والمناقشة؛ لتحرير الأفكار من تَبَعيَّة حَمْلات التَّشويه والتَّضليل، فإنَّ ثقافة الاختلاف لدى أفراد المجتمع فيما يَسُوغُ الاختلافُ فيه من الفروع الفقهيَّة ونحوها، من منهج الوَسَطيَّة، ومن طُرُق وقاية المسلمين من الإرهاب والعُنف ومناخ الكَراهِيَة.
ودعت الندوة إلى أن يفتحَ الأدبُ الإسلاميُّ صدرَه لكلِّ جديد، ويُشْرِعَ أبوابَه لجميع الثَّقافات والمعارف، فالوسطيَّةُ لا تعادي الجديدَ، ولا تَقِفُ ضدَّ الإبداع، ماداما لا يتعارضان مع ثابتٍ قطعيٍّ من ثوابت العقيدة الإسلاميَّة.
وناشدت الأندية الأدبيَّة، ومراكزَ الشَّباب، والأنديةَ الرِّياضيَّةَ بضرورة نَشْرِ الوسطيَّة في العبادات والمعاملات بين الشَّباب، بوسائلها المختلِفة؛ وذلك بأن تَسْتَقْطِبَ لهم رجالَ الأدب والتَّربية والاجتماع والإعلام، ليضعوا لهم برامجَ إعلاميَّةً إرشاديَّةً تثقيفيَّةً ذاتَ بُعْد مُتواصِل، ويكون أثَرُها في المنظور البعيد. وجاء في توصيات الندوة الدعوة إلى تحرير منهج الوسطية، وبيانِ أهمِّيَّته في استقامة أُمور الأُمَّة من التَّفَرُّقِ وتَعَدُّدِ المشارب، وإبطالِ دَعاوَى المدَّعين بالانتساب إليه، وتتبُّع مسائل أُصول الفقه، ودراستِها، وإظهارِ الأقوال المعتدلة الحسنة، التي تجتمع النُّصوص على اعتدالها وحُسْنها، مثل: النُّصوص الشَّرعيَّة، وكلام العرب، والعناية بقطاع الشَّباب؛ لإنقاذهم من التَّغريب والعولمة، ومن نزعات الشَّكِّ، وزعزعة الثَّوابت واليقينيَّات، ومن المُجون والإباحيَّة، والاستهتار بالأديان.
وفي محور: مَنْهَج القُرآن والسُّنَّة في تقريرِ الوَسَطيَّة، والدَّعوةِ إليها، أكدت الندوة على الدُّعاةِ والمُوَجِّهين والمربِّين الالتزامَ بمنهج القرآن والسُّنَّة في تقرير الوَسَطيَّة، والدَّعوةِ إليها؛ فجميعُ الأنبياء سَلكوا منهجاً في الدَّعوة ذا معالمَ واضحةٍ ومتقاربة. وأبرزُ معالم منهج دعوتهم: الوَسَطيَّةُ، فلا غُلُوَّ ولا جفاءَ، ولا تفريطَ ولا إفْراطَ، في منهجيّة الدّعوةِ وتطبيقاتِها، وأن يكونوا قدوةً حسنةً في اتِّباع منهج الوسطيَّة في السُّلوك والأفعال والأقوال، وذلك بتحقيقهم المقاصدَ الشَّرعيَّةَ للوَسَطيَّةِ، وهي: قيامُ الأُمَّة بالشَّهادة على النَّاس، وبتحقيق العِلْم والتَّبليغ والبيان والعمل، وحِفْظِ الدِّين أُصولاً وفروعاً حالاً ومآلاً، وبحِفْظِ النَّفْس وما يتعلَّق بها من عَقْل ونَسْل ومال، والعَدْلِ والعدالةِ، واليُسْرِ ورَفْعِ الحَرَج والتَّبشير وعدمِ التَّنفير، والمُداومة على العمل، والحِكمة.
كما دعتهم إلى ملاحظة حقيقة أنَّ التَّكليفَ الشَّرعيَّ بالوَسَطيَّة وما يَستلزمه تحقيقُها في الأُمَّة، ليس على درجةٍ واحدة، أو شَكْل واحد من أشكال التَّكليف؛ بل هو تكليفٌ له درجات وأشكالٌ عديدة، تُستَنبط من طبيعة التَّكاليف العَينيَّة والكِفائيَّة وحقيقتِهما؛ فهناك درجاتٌ متفاوتةٌ من التَّكاليف، وهي مُتَداخلةٌ، ويَتَرتَّب بعضُها على بعض.
كما حثّتهم على تنويع أساليبهم في الدَّعوة إلى الوَسَطيَّة، لِيتحقَّقَ التَّأثيرُ والإقناعُ، لأَنَّ مهمَّتَهم لا تَنْحَصِرُ في حَشْد جوانب الفكرة، وإيصالها للنّاس، وإنَّما في تَحَرِّي سُبُل التَّأثير من أَجْل إقناعهم، ونَقْلِ الفكرة من نِطاق العَرْض للأفهام، إلى نِطاق الإقناع للتَّطبيق.
وحثت الندوة على عقد الدَّورات والنَّدوات وورش العمل في فقْه وَسَطيَّة الإسلام والدَّعوة إليه، والخطوات التِّي ينبغي للدَّاعية القيام بها؛ لِتَحْقيقِ الوَسَطيَّة المطلوبة.
وفي محور: وَسَطيَّةِ الدَّعوةِ الإصلاحيَّة المملكةِ العربيَّةِ السُّعوديَّةِ أُنموذجاً، أوصت الندوة بالاهتمام بِنَشْر تُراث السَّلَف الصَّالح؛ في سائر بلاد المسلمين، وعلى مختلِفِ المستويات الثَّقافيَّة، ونَشْر الرَّسائل والمؤلَّفات الحديثة المختارة التي تُوَضِّحُ عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، وَوَسطيَّة معتقدهم ومنهجهم، ومغالطة كثيرٍ من الباحثين؛ الذين يُلْصِقون الغُلُوَّ والتَّطَرُّفَ ولُغَةَ التَّكْفير بالمنهج السَّلَفيِّ الوَسَطيِّ على امتداد تاريخه.
كما نادت بالعناية بِنَشْر مؤلَّفات الشيخ الإمام محمَّد بن عبدالوهّاب الّتي تُوَضِّحُ معتقدَه وَوَسَطيَّتَه؛ وبِنَشْر الرسائل الجامِعيَّة الَّتي تَناوَلَت جهودَ أئمَّة الدَّعوة، في نَشْر معتقدهم ووَسَطيَّتهم، وترجمةِ هذه الأعمال إلى أشهر اللُّغات العالميَّة، لإنقاذ المسلمين من الغُلُوِّ في الدِّين، أو من الانحراف في الأخلاق والسُّلوك. وأوصت النَّدوةُ الباحثين الشَّرعيِّين والتَّربويين بإبراز الجوانب الدَّعويَّة عند الشَّيخ محمَّد بن عبدالوهَّاب وأئمَّة الدَّعوة من بَعْدِه، وبيانِ ما كان عليه الشَّيخُ وأتباعُه من فِقْه للدَّعوة، وإدراكٍ لأساليبها؛ ومن ذلك عملُه على التَّعاون مع السُّلْطة السِّياسيَّة لإنجاح الدَّعوة وتطبيقها؛ فكانت نتيجةُ التَّآخي بين الشَّيخ والدَّولة أن أصبح نظامُ الحُكْم – في المملكة العربيَّة السُّعوديَّة- مضربَ المثَل في الوَسَطيَّة، والعَدْل، والخيريَّة، والأمن والاستقرار، وهو ما لم يجتمع في أيِّ بَلَد.
وفي محور: حاجة البشريَّة إلى الوَسَطيَّة، انتهى المشاركون في النَّدوة إلى ضرورة توعية النَّاس –عَبْرَ كُلِّ وسائل الإعلام، والمنابر، والمدارس، والجامعات- بأنَّ وَسَطيَّة الإسلام هي الوسيلةُ الوحيدةُ لتحقيق سعادتهم في الدَّارين الأُولى والآخرة، ففي الاقتصاد -مثلاً- وهو ممَّا يهمُّهم؛ يَعترف الإسلامُ بالحرِّيَّة الاقتصاديَّة المقيَّدة بالأحكام الشَّرعيَّة الَّتي تَمْنَعُ طُغيانَ هذه الحرِّيَّة؛ لئلاَّ تؤدِّي إلى الإفساد وظلم الآخرين، فلا غِشَّ ولا تدليسَ ولا إضرارَ بالآخرين، فكان منهجاً وَسَطاً بين النِّظام الاشتراكيِّ الذي لا يَعترف إلاَّ بالملكيَّة الجماعيَّة، والنِّظام الرَّأسماليِّ الذي يُقَدِّس الملكيِّةَ الفرديَّةَ المطلقة.
واقترح المشاركون إدْرَاج أبحاث الوَسَطيَّة في المقرَّرات الدِّراسيَّة في المرحلة الثَّانويَّة؛ في التَّعليم العامِّ، وفي الجامعات، وفي المتطلَّبات العامَّة؛ لتوعية جيل الشَّباب بمعاني الوَسَطيَّة الصَّحيحة، وأهمِّيَّةِ تطبيقها في أوجه حياتنا المختلِفة، بُغيةَ توحيد الرُّؤى والمفاهيم المتعلِّقة بمفهوم الوَسَطيَّة لدى الشَّباب.
كما انتهت النَّدوةُ إلى أهمِّيَّة قيام وسائل الإعلام المرئيَّة والمسموعة بتخصيص برامجَ، وعَقْدِ ندوات؛ بهدفِ إبرازِ سِمَةِ هذا الدِّين الخالد؛ وهي: الوَسَطيَّةُ في كلِّ باب من أبوابه؛ في: الاعتقادِ، والتَّشريعِ، والتَّكليف، والعبادةِ، والشَّهادةِ، والحُكْمِ، والأَمْرِ بالمعروف والنَّهيِ عن المُنكر، والجِهاد في سبيل الله، والأخلاقِ، والمعاملاتِ، وكَسْبِ المال وإنفاقِه، ومطالبِ النَّفْس وشهواتِها؛ لأنَّها السِّمةُ التي تحقِّقُ للإنسان الحقَّ والخيرَ والسَّعادةَ والاستقرارَ.
وأكدت ضرورة تعميقِ وَعْيِ النَّاس بحاجتهم الدَّائمة إلى منهج الوَسَطيَّة؛ وبخاصَّةٍ في الظُّروف الَّتي يَزدادُ فيها الانحرافُ والبُعْدُ عن المنهج الرَّباَّنيِّ، أو يَكْثُرُ فيها الغُلُوُّ والتَّطَرُّفُ وتَشْويهُ صورةِ الإسلام، فالوَسَطيَّةُ تَعْصِمُ من الفِتَن؛ لأنَّ الفِتَن تنشأ من المبالغةِ والغلوِّ، والبُعْدِ من الاعتدال والتَّوَسُّط. وكُلُّ الفِتَن الَّتي ظهرتْ في الإسلام كان منشؤها مخالفةَ الكتاب والسُّنَّة، ومجافاةَ الوَسَطيَّة، لأنَّ التَّوسُّطَ يُوافِقُ العقلَ السَّليم، والتَّطَرُّفَ يُوافِقُ الهَوَى.
وفي جانب الأسرة أكدت الندوة وجوب اضطلاع الأُسر برعاية أبنائها على منهج الوَسَطيَّة واتباع أسلوب الحوار والإقناع داخل الأسرة؛ لينشأوا قادرين على مواجهة كلِّ التَّحدِّيات والمُغْرِيات بقناعة وقوَّة واقتدار، وليصبحوا أفراداً صالحين نافعين لأنفسهم وأُمَّتهم، مُعَدِّين إعداداً سليماً لوقايتهم من كلِّ أسباب الغُلُوِّ والتَّطرُّف، أو اللاَّمبالاةِ والتَّهاونِ والضَّعف.
وأوصى المشاركون بترجمة أبحاث هذه الندوة إلى أشهر اللغات ليعم النفع بها. وكانت جلسات الندوة قد انطلقت صباح أمس (الثلاثاء) برعاية مدير الجامعة الإسلامية الأستاذ الدكتور محمد بن علي العقلا.
ففي الجلسة الأولى التي رأسها الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وإمام وخطيب المسجد الحرام، وناقشت محور تأصيل مفهوم الوسطية وتصحيح المفاهيم الخاطئة فيها، قدم الدكتور ناصر بن عبدالكريم العقل بحثاً حول المراد بالوسطية، مؤكداً أنها منهج أهل الحق أهل السنة والجماعة، وهم السلف الصالح، في كل الأمور، في العقيدة والشريعة والأخلاق والمنهج، في أمور الدين والدنيا. وهم العدول الخيار والقدوة الذين يمثلون منهاج النبوة، وسبيلهم هو سبيل المؤمنين، وهذا يعني القول بأن الوسطية التي هي من سمات الاعتدال: وصف للأمة (أمة وسطاً) أي عدول خيار، وأن أبرز معالم الوسطية: الاعتدال في كل شيء، وهو سبيل السعادة في الدنيا، وفي الآخرة.
وبيّن العقل أن العلماء في الأصل ينهجون النهج الوسطي المعتدل، فكلما زاد العلم والفقه والتجربة والسن تحقق الاعتدال، لكن قد تحدث بعض الزلات أو الهفوات التي لا تحسب على المنهج ولا على العموم، كما أن هناك فئة تنتسب للسنة عندها انفصام في الدعوة بين الدعوى والتطبيق، والحق أن صفاء العقيدة والفقه في الدين شرط في رد البدع والمخالفات، والحفاظ على الثوابت قد غفل عنه كثير من الدعاة والحركات، التي يكون منهج التعامل فيها مخالفاً لثوابت المنهج في الدعوة من النصح والرفق والحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.
وفي بحث للدكتورة بسمة أحمد جستنية حول مفهوم الوسطية وتصحيح المفاهيم فيها أشارت إلى أن أحكام الإسلام كلها مبنية على الاعتدال والتوسط، فالذي يُفَرّط في حقِّ اللهِ ويُقَصِّرُ في القِيَام به مُتَطَّرِّف، كما أَنَّ الذي يتطرّف إلى جِهَةِ الغُلُوِّ والتَّشدُّدِ والتَّزمُّتِ يكون مفرطاً أيضاً. فما بين الشدة والغلو، والفهم والتأويل الخاطئ للنصوص الواردة في ذلك، أَسْقطَ أناسٌ الوسطيةَ على مفهوم التيسير والتسهيل في نظرهم، وتمييع الدين، باسم الوسطية. والوسطية لا تعني تمييع الدين، والتساهل فيه، والتنازل عن ثوابته، وإنما الالتزام بمضمون الدين.
كما قدم الدكتور عبدالسلام الحصين ورقة عمل حول تحرير مفهوم الوسطية وأثره في الاستدلال على الأحكام الشرعية، ذكر فيها الضوابط المحددة لهذا المفهوم، بحيث إذا توافرت هذه الضوابط فقد تحقق وجوده، وبعد تحرير معنى هذا المصطلح قام بتطبيقه على بعض المسائل والقواعد الأصولية؛ ليظهر أثر تحقيقه في هذا العلم الذي هو أساس استنباط الأحكام الشرعية، وطريق معرفة حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وألقى الدكتور محمد همام ملحم بحثاً عن التأصيل التكليفي للوسطية من خلال دراسة في التكليف الكِفائي بالوسطية بيّن فيه أن التكليف الشرعي بالوسطية وما يستلزمه تحقيقها في الأمة ليس على درجة واحدة أو على شكل واحد من أشكال التكليف، بل هو تكليف له مراتب عديدة، تستنبط من طبيعة التكاليف العينية والكفائية وحقيقتهما، فهنالك درجات متفاوتة من التكليف، وأن هذه الدرجات متداخلة ومتعلقة بعضها ببعض، فبعضها يتحول عن بعض، وبعضها يؤدي إلى بعض، وبعضها الآخر يقوم بدور الحماية والحراسة لبقية الدرجات.
واختتم محور تأصيل مفهوم الوسطية ببحث للدكتور وليد إبراهيم القصاب، حيث أصل في حديثه عن الوسطية في منهج الأدب الإسلامي - قضية القدم والحداثة أُنموذجاً، مبيِّناً أن الخصومة بين القديم والحديث، أو بين ما يسمّى الآن: "الأصالة والحداثة" هي قضية مستمرة، ففي كلِّ زمان ومكان يوجد من يتعصَّب لقديم أو حديث، أو يتعصّب - في مقابل ذلك - على القديم أو الحديث. ففي عصرنا من فهم الحداثة على أنها: "الخروج على جميع ما سلف" فاحتقر التراث الإسلامي جميعه، وعدّه بالياً في مقابل إنجازات الحداثة التي دخلت إلى أدبنا المعاصر، وهي - في غالبيتها - إنجازات حداثة غربية، صدرت عن ثقافة مخالفة في القيم والتصورات الفكرية والفنية لثقافتنا.
وأوضح أن الأدب الإسلامي يتبنَّى منهج الوسطية الذي هو من جوهر الإسلام، فالإسلام دين الوسطية في كل شأن من شؤون الحياة والكون والإنسان. ولم يقصر الله عز وجل العلم والأدب والثقافة على القدماء أو المحدثين، بل – من عدله – أن جعل ذلك حظاً مشتركاً بين الجميع؛ فلا يجوز التعصب لقديمٍ أو حديث لمجرد الزمن وحده، حيث إن التجديدَ مطلبٌ حيويٌّ في الأدب الإسلامي، على أن يكون رشيداً حقاً. فلا خصومة بين القديم والحديث، أو السلف والخلف، بل الخصومة بين القيم، بين الحق والباطل، اللذين تضبطُهُما قواعد الدين، وقد يكون كلٌّ منهما مع هؤلاء أو أُولئك.
ولا يسعى الأدب الإسلامي وراء التجديد لذاته – شأن الاتجاهات الحداثية – ولكنه يسعى إلى الجديد الرشيد، وينفر منه إذا لم يكن كذلك، ولا يعني التجديدُ الخروجَ المطلق على تراث الأمة، ففي ثقافتنا ثوابت لا يجوز الخروج عليها أبداً، ويميز الأدب الإسلامي بين تجديد في المضمون والتجديد في الشكل؛ فالأشكال الفنيةُ هي - غالباً- محايدة، ولكن المضامين تمثّل عقيدة الأمة التي أنتجتها، فيُتَعامل معها بحذر، فلا يؤخذ منها إلا ما يتفق مع الإسلام. وأن المبدع المسلم مثقفٌ ينفتح على ثقافات العصر، ولكن بوعيٍ وبصيرة، كما أن الأدب الإسلامي لا يحقق حضوره وذُيوعه إلا من خلال هذا الانفتاح مع المحافظة على شخصيته وأصالته.
ودار المحور الثاني من الجلسة الأولى حول منهج القرآن الكريم والسنة المطهرة في تقرير الوسطية، حيث قدّم معالي الشيخ الدكتور قيس بن محمد آل الشيخ مبارك عضو هيئة كبار العلماء والدكتور عبد الشافي أحمد الشيخ حول دلائل في الآيات القرآنية بحثاً تحدَّثا فيه عن أن من المبادئ التي بُني عليها النظام الإسلامي مبدأ الوسطية حيث التيسير والتخفيف، ومعلوم أن القرآن الكريم يحمل في كل أوامره ونواهيه جانباً من جوانب الوسطية والتيسير. فقد جعل الله تعالى من أهم خصائص الأمة المحمدية أنها أمة تتبنى المنهج الوسطي في كل شيء، والتي كانت بدورها دعامة من دعائم انتشارها وازدهارها، ولأنه منهج الأمة نرى بصمته واضحة في كل جوانب الحياة الإسلامية من خلال ثمانية مطالب في العقيدة الإسلامية ووسطيتها، والعبادات وما يتعلق بها، والأحكام الأسرية، والحدود والكفارات، وفي الدماء، والجهاد، والمعاملات المالية، وفي الأطعمة.
وتحدث الدكتور عادل رشاد غنيم في بحثه حول أساليب الدعوة إلى الوسطية في النص القرآني، موضحاً أن الوسطية التي تعني الخيرية والعدل تتطلب أن تكون وسائل الدعوة إليها تتسم بالصفات نفسها، فتتحلى بالحكمة وحسن العظة وأحسن طرق الحوار، كما أن الاستدلال بالبراهين هو أفضل الطرق لبناء القناعة العقلية بتبني الوسطية في شؤون الحياة المختلفة ونبذ الغلو والتطرف، وتعدُّ لغة الحوار هي خير ما يقرب الفكر والشعور ويبعد الظنون والأوهام ويصوغ ميولاً قوية تجاه الوسطية.
والقصص القرآني الذي كان بمثابة استقراء التاريخ الإنساني كشف عن أثر الوسطية في سلامة المجتمعات الإنسانية وتأثير الغلو والتطرف في شقائها ودمارها.
وعن الموضوع ذاته تحدثت الباحثة شيخة بنت فراس الخالدي حول تقرير القرآن لمنهج الوسطيَّة في باب العقائد، وباب التشريعات، وباب العبادات، وباب الأخلاق.
وكذلك كانت ورقة الدكتورة ماجدة خليفة عبدالعال التي أوضحت أساليب القرآن الكريم من تقرير منهج الوسطية من خلال وسطية الأمة الإسلامية، والوسطية في العقيدة، والوسطية في التشريع والتكليف، واتباع الصراط المستقيم والثبات عليه، والدعوة في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخلاق والمعاملة، وكسب المال وإنفاقه، ومطالب النفس وشهوات الجسد، والتوفيق بين مطالب الدنيا ومطالب الآخرة. وفي الجلسة الثانية التي رأسها الشيخ الدكتور فهد بن إبراهيم المحيميد رئيس المحاكم الشرعية بمنطقة المدينةالمنورة، دارت أبحاثها حول محور: منهج القرآن الكريم والسنة المطهرة في تقرير الوسطية والدعوة إليها، قدّم الدكتور ناصر يونس صبرة بحثاً حول الوسطية في دعوة الأنبياء عليهم السلام كما يجليها القصص القرآني، وقرر الباحث أن جميع الأنبياء سلكوا منهجاً في الدعوة ذا معالم واضحة ومتقاربة، وأن أبرز معالم منهج الدعوة عند الأنبياء الوسطية، وأن الوسطية تمثلت في منهج الأنبياء في منهجية الدعوة وتطبيقاتها.
كما طرح الدكتور طارق سعد شلبي بحثاً حول معالم التأثير والإقناع في أدلة الوسطية في القرآن بقراءة لغوية بلاغية، حيث ظهرت الورقة على نحو جمع بين الدرس المضموني الكاشف عن اتجاهات الدلالة والمعنى، وتحليل الصياغة، الراصد سمات اللغة والبلاغة، وقد تلاقى الجانبان في التأثير على قراء القرآن وسامعيه، تأليفاً لقلوبهم على محبة هذه القيمة، وإقناعاً لعقولهم كي يتخذوها منهجاً في الحياة يقيهم مخاطر التطرف والتعصب، والتفريط والانحلال. وفي الالتفات إلى هذا الجانب فرصة لضرب المثل، وإعلاء النموذج والقدوة لجهود الدعوة؛ ذلك أن الدعاة لا تنحصر مهمتهم في حشد جوانب الفكرة فحسب، بل يعنون كذلك – على نحو موازٍ – بتحري سبل التأثير من أجل الإقناع، ونقل الفكرة من نطاق العرض للأفهام, إلى آفاق الإقناع للتطبيق.
وقدم الدكتور منير عبدالله خضير بحثاً عن وسطيّة السنّة النبويّة في أسلوب الدعوة ومضمونها، عرض فيه معالم وسطية السنّة النبويّة في أسلوب الدعوة في استعمال الترغيب والترهيب ووسائلهما، والاعتدال بين التزام الجدّ في العبادة والترويح عن النفس، وسلوك المسلمين بين المخالطة والاعتزال، ويحذّر من التشدد في العبادة والتهاون في أدائها. ثم بين وسطيّة العقيدة في نبذ الإلحاد والشرك، ونبذ التشبيه من طرف، ونبذ التعطيل من الطرف المقابل. وإثبات العقيدة بالمنقول، وبالمعقول، وأنها تجمع بين الفطرة والكسْب، وهي وسطيّة بين عدم الإهمال والعبَث من جهة، وعدم الإعمال - أي: الإجبار - من الجهة المقابلة، فالله تعالى لم يخلق الناس عبثاً بلا إيمان، بل خلق اللهُ الإنسانَ متديّناً بطبعه. كما بيّنت السنَّة وسطيَّة العبادات بين الواقعيّة المجزئة والمثاليّة المستحبّة، وأوضح الدكتور أن الشريعة جاءت بتلبية المطالب النفسيّة الروحانيّة والمطالب الجسديّة الطبيعيّة. والاعتدال بين التأنّي في أداء العبادات والتسرّع فيها، والاعتدال في العادات بين التقتير والتبذير. ثم ختم كلامه في وضع خطّة عمليّة يلتزم بها الداعيةُ وسطيّةَ السنة النبويّة في أسلوب دعوته ومضمونها.
وختم المحور الثاني ببحث للدكتور عبدالله إبراهيم الموسى حول ملامح الوسطية والاعتدال في حروب النبي صلى الله عليه وسلم مع الأعداء، حيث تناول فيه تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على آداب الحرب مع المقاتلة كنهيه عن التعذيب، والمُثلة، وأمره بمواراة القتلى. ومع غير المقاتلة كنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتلهم، وتأديب من روعهم والنهي عن قتل من نطق بالشهادتين، وعفوه عن الأعداء عفواً عاماً وخاصاً، ومسامحته لهم بعد إسلامهم، والتعامل مع الأسرى في نهيه صلى الله عليه وسلم عن التفريق بين الجارية وولدها، ومعاتبة بعض أصحابه عندما تعجلوا في قتل أسراهم كما كان مقدراً لمشاعر الأسرى. ودار المحور الثالث حول وسطية الدعوة الإصلاحية: المملكة العربية السعودية نموذجاً، وتحدث في بدء هذا المحور الدكتور محمد بن عبد الحميد القطاونة في ورقة عن وسطية الخطاب السلفي بمسألة التكفير "دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب أنموذجاً" حيث سعى الباحث للوقوف أمام إشكالية يخطئ كثير من الباحثين فيها حين يلصقون الغلو والتطرف ولغة التكفير بالخطاب السلفي الوسطي على امتداد تاريخه ابتداءً بأصحاب الحديث أمثال: مجاهد وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل، وابن تيمية، ووصولاً إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
وقال إنهم يخطئون حينما ينسبون الوسطية والاعتدال والعقلانية إلى أصحاب الخطاب العقلي -كما يسمونهم- ابتداءً بالخوارج والمعتزلة والباطنية، ووصولاً إلى معتزلة العصر ومرجئته الداعين إلى العصرنة بمفهوم عقلي قاصر. وحاول الباحث المقارنة بين الفكر الخارجي صاحب الصدارة في الفكر التكفيري ودوره العقدي والتاريخي والسياسي في هذه المسألة، ودور الفكر السلفي صاحب الصدارة في الوسطية والاعتدال، ودوره العقدي والتاريخي والسياسي في مسائل الاعتقاد، مسلطاً الضوء على مرحلة الدعوة السلفية عند الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - ودوره في تكريس الوسطية والاعتدال في مسائل الاعتقاد. كما تحدث الباحث محمد غالب حسان حول رسائل أئمة الدعوة وأثرها في تعزيز الوسطية، حيث منهج أئمة الدعوة في تقريراتهم للوسطية، موضحًا أنهم إنما ينطلقون في ذلك من دلالات النصوص الشرعية، ويعتبرون في فهم ذلك أقوال السلف وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم. ثم تناول منهج أئمة الدعوة في تقرير الوسطية في عموم أبواب الاعتقاد، ومن ذلك وسطية أهل السنة بين الفرق في مسائل الأسماء والصفات والقدر ومسائل الأسماء والأحكام ونحوها.
وتناول بعد ذلك منهج أئمة الدعوة في تقرير الوسطية في مسألتين من مسائل الاعتقاد وهما: الإمامة الكبرى، ومسألة التكفير. وبيّن أنه في مسألة الإمامة الكبرى تتضح الوسطية في نواحٍ عدة، منها: بيان أئمة الدعوة الواجب في التعامل مع ولاة الأمر، ومن ذلك مسألة النصح والتعاون ونحوهما.
وجاء بحث الدكتور سعود بن عبدالعزيز الخلف يدور حول معالم الوسطية في أقوال قادة المملكة العربية السعودية: الملك عبدالعزيز والملك سعود والملك خالد وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد - رحمهم الله - وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله - موضحاً أن من عرف هذه الدولة المملكة العربية السعودية وعرف قادتها أدرك أن الدين الإسلامي هو سداها ولحمتها، وأن منهجه هو منهجها، وطريقه هو طريقها، وهذا ظاهر من أقوال قادتها وأفعالهم؛ ولوجود من يشكك في هذه الدولة وفي منهجها، ومنذ نشأتها امتحنت بالأعداء والمشككين في منهجها ومسلكها والواصفين لها بالوهابية والإرهابية؛ ثم أفرد الباحث لكل قائد من قادة هذه البلاد حديثاً له عن الوسطية من خلال نماذج لأقوالهم. واختُتم المحور ببحث للدكتور أحمد سردار محمد شيخ حول الدعوة إلى الوسطية في أقوال الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله – مبيِّناً أن قادة هذه الدولة المباركة منذ نشأتها على يد الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب رحمهما الله، وحتى هذا العهد الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - كان لهم جهودٌ عظيمةٌ وآثارٌ مشهودةٌ في حمل راية الوسطية اعتقاداً وعملاً ودعوةً، ديناً ودنيا.
يظهر ذلك بجلاءٍ في أقوالهم التي أوضحوا فيها منهجهم وطريقتهم وسياستهم، وأعلنوها في المناسبات والمحافل، ويأتي في مقدَّمهم في عهد الدولة السعودية الثالثة التي نعيش خيرها ونتفيأ ظلال أمنها وأمانها: الملك فيصل بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله. وأفرد الحديث حول أقواله في الدعوة إلى الوسطية وبيان المجالات التي دعا إليها ولزوم الوسطية فيها. وبيان الأساليب الشرعية الصحيحة التي استعملها رحمه الله في الدعوة إلى الوسطية. وفي الجلسة الثالثة التي رأسها معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله العبود المدرس بالمسجد النبوي الشريف ومدير الجامعة سابقاً، دار الحديث حول المحور الرابع الذي يناقض حاجة البشرية إلى الوسطية.
وألقى الباحثان الدكتور باسل محمود الحافي والدكتورة حنان مسلّم يبرودي بحثين حول أثر الوسطية في إسعاد المجتمعات البشرية، حيث أوضحا أهمية الوسطية في تحقيق مصالح العباد في الحال والمآل؛ ومن ثم تحقيق سعادة جميع البشر، على اختلاف أجناسهم ومللهم، من خلال أحكام الإسلام التي أرست قواعد المعاملة الشرعية الإنسانية الراقية والرائعة التي تكشف عن الوجه الإنساني الحضاري لشريعة الإسلام الذي نزلت أحكامه من لدن رب العالمين، والرب - كما ذكر أهل التفسير- هو المالك، السيد، المربي، هذا الرب الذي وسعت رحمته كلَّ شيء، لذلك جاءت أحكامه بهذا المستوى من الرحمة والتسامح والرقي.
وحول أثر تطبيق الوسطية في إسعاد المجتمعات البشرية قدم الدكتور المرسي محمود المرسي بحثاً اعتبر فيه أن الوسطية من خصائص الإسلام، وهي الخاصية الفريدة التي تحتاجها البشرية في واقعها المعاصر، ولها الأثر البالغ في تحويل الواقع وتغيير المجتمعات وإسعادها، وبيّن وجوه حاجة البشرية إلى الوسطية من خلال الحاجة إلى معرفة الحق، وإقامة الدين، وإقامة النقص البشري، وبيان الحاجة العاجلة إلى الوسطية وبيان الربانية والإنسانية في الوسطية، وبيان مفهوم السعادة في الحياة وبيان مقتضيات إسعاد البشرية من خلال تطبيق الوسطية، وذلك من خلال المقتضى العقدي والمقتضى الموضوعي، وبيان الآثار العملية لتطبيق الوسطية في المجتمعات البشرية من خلال أثر التلازم العملي ومبدأ الوسطية بين الموانع والمؤيدات.
وكان بحث الدكتورة آمال محمد عتيبة حول منهج الإسلام في إرساء دعائم الوسطية وتطبيقاته التربوية في الأسرة، حيث استهدف الباحثة إلقاء الضوء حول وسطية الإسلام كمنهج رباني في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والتطبيقات التربوية لهذا المنهج العظيم من خلال الأسرة؛ كأحد أهم المؤسسات التربوية المجتمعية في تحقيق المضامين التربوية للوسطية في الإسلام، كما استعرضت التطبيقات التربوية لمنهج الإسلام في إرساء دعائم الوسطية في الأسرة.
وتحدث الدكتور علي مهاما ساموه حول وسطية الأخلاق الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة ورسم القرآن الكريم والسنة النبوية، وأوضح في بحثه المنهجية الوسطية للأخلاق الإسلامية بين الباحث، وأهمية وسطية الأخلاق ومكانتها في الدين، كما بين مظاهر وسطية الأخلاق الإسلامية على ضوء الكتاب والسنة من خلال خمسة بنود: الشمولية، والعدل في الأخلاق، والأخلاق نتاج الفطرة والاكتساب، والرسوخ والاستمرار، والواقعية، ثم تحدث عن أهمية العمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الأخلاق، وذلك بتوضيح شموليتها وعدلها وخيريّتها، وأهمية إفراد دراسات تُعنَى بتقعيد الأخلاق من خلال النصوص الشرعية والخروج بنتائج تفيد في تنمية الجانب الأخلاقي في المسلم. وختمت الجلسة ببحث للدكتور عاصم بن عبدالله القريوتي حول الآثار الحميدة للوسطية على الفرد والأسرة والمجتمع، حيث اشتمل البحث على الحديث عن أثر الوسطية على الفرد والمجتمع في الإيمان بأسماء الله وصفاته، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيم قدر الصحابة رضي الله عنهم، وأداء حقوق المسلمين والتوسعة على النساء في اللهو المباح في العيدين والزواج، ومناصحة ولاة الأمور المسلمين، وحقوق علماء الأمة وصالحيها، واتباع المذاهب الفقهية، وبين الباحث أنه بالوسطية يلاقي المسلم ربه بسلام لأنه آمَنَ بما في الكتاب والسنة على ما جاء فيهما، فيتحقق له الرجاء الحق برحمة الله ومغفرته؛ وبذا ينال رضاء الله، والفوز بما أعد الله للمتقين، وأنها معينةٌ على الاستمرار في الطاعة دون مللٍ أو كَللٍ، وتعطي الصورة المشرقة للإسلام وأهله من حيث الاعتدال والتوازن في أمور الحياة، وتنمو بها المحبة بين المسلمين، وتزداد الألفة، ويقوى المجتمع ويزداد تماسكه.
وفيها إرشاد المسلمين لمصالحهم في أمور أخراهم ودنياهم، وإعانتهم بالقول والفعل، ودفع الضرر عن المسلمين، والسعي إلى جلب المنفعة لهم، وفيها الترويح عن النفس لما فيه العون على الطاعة واجتناب الملل في العبادة، وحماية المجتمع من الأفكار المنحرفة، وتحقيق الأمن للأمة بكل طبقاتها، وحفظ للشريعة من طعن كل طاعن وحاقد.