نحمد الله أولا على سرعة بت العدالة بحق المتهمين في قضايا المتورطين في السفر للخارج وتورطهم مع جماعات إرهابية مسلحة وما يرتبط بذلك من جرائم. كما نثمن لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني مبادرته الجديدة بدعوته للمفكرين والمثقفين وأهل الدعوة والإعلام نحو صياغة استراتيجية وطنية لحماية المجتمع من الفكر الضال. المهم أن تصل الرسالة ببرامج حقيقية مستمرة على الأرض وليس من أبراج عاجية على طريقة (قل كلمتك وامشي) أو مجرد توصيات وكأن شيئا لم يكن. فالهدف هو المجتمع وفي مقدمته الشباب، بتشكيل الفهم الصحيح للإسلام كدين حياة وبناء وحضارة بالعلم والعمل والفكر والأخلاق، لا قتل وهدم وتكفير وتفجير، ويجب ترسيخ الضمير الوطني وإعلاء شأنه لدى الأجيال. هذا ما يتوجب على علماء ومفكري ومثقفي ودعاة هذه البلاد تجاه المجتمع خاصة الشباب. قطعا الساحة الفكرية والدعوية والإعلامية هي الأساس في منظومة تشكيل العقل والضمير والوجدان المجتمعي تجاه الأمن الفكري، وتنوع هذه الساحة مطلوب لإثراء ثقافة الحوار وتعزيز الوسطية ونشر قيم التسامح وقبول الآخر ورفض التعصب والغلو الديني والفكري والمذهبي، لكنها مقصرة وشغلتها أشياء كثيرة، فتسللت بذور فاسدة غررت ببعض الجهلاء، ويكفي عظة وعبرة ما يحدث من كوارث ثورات الضياع العربي ومؤامراته الكبرى، وأذرعها المجرمة من جماعات إرهابية توغلت في بعض الدول وتغولت باسم الدين الحنيف على كل مظاهر الحياة، والإسلام منها ومن كل جرائمها براء. إن الحوار المجتمعي لا يتحقق فقط بالاصطفاف النخبوي وإلا سيتوقف عندها، فأي حراك لا يكتمل إلا بالوصول الحقيقي إلى المجتمع والرأي العام، كما لا تنجح مثل هذه الجهود البناءة، بينما هناك من يهدم كل ذلك عبر خطاب متشدد ومراوغ يبرر الفوضى ويبدي تعاطفا مع جماعات إرهابية وشبكات تغرر ببعض الشباب. اليوم يبدأ العام الدراسي الجديد ويصطف أكثر من خمسة ملايين طالب وطالبة في مراحل مختلفة، وعشرات الآلاف من المعلمين والمعلمات وأكثر من 30 جامعة حكومية وأهلية، أين البرامج والجهود تجاه هذا العدد خاصة العقول الناشئة والشابة. فإذا كان الأمن الساهر معني بمحاربة عناصر وشبكات التطرف والإرهاب، فإن النخبة المؤثرة على مختلف اتجاهاتها وقنوات الاتصال بشتى وسائلها معنية بمكافحة الفساد والمفسدين في الأرض، وبإحياء وإعلاء روح الحوار وقيم التسامح والتعاون على البر والتقوى، والتصدي لكل من يتعاطف ويتعاون على الإثم والعدوان.