بين الكتاب والمثقفين والأدباء والعلماء علاقة حميمة، وعشق تولد في النفوس والعواطف، منذ سنوات نضوجهم وتعلمهم وتعلقهم بعشق القراءة، وشغفهم الدائم في طلب العلم والمعرفة، والإبحار في عوالم الثقافة وآفاق المعارف. بنفس العواطف الحميمية التي نتلمسها ونحن نلقي بهمومنا ومشاعرنا وأفكارنا، وجنون إبداعنا، بين أحضان الأوراق والأقلام، وقد تهيأت لنا وسائل أكثر حداثة وتطورا في الكتابة والتواصل وأخذ المعلومات، كما توفرت للأدباء والصحفييين والباحثين وطلاب العلم، وسائل النشرالإلكتروني وبرامج تنسيق الكلمات. كما سهل على كثير ممن يبحثون عن الشهرة والنشر والانطلاق بلا قيود، والقفز على الأنماط والمعايير. كما أن حميمية العلاقة بين المثقفين والمتثاقفين مع الكتاب وصحفهم الورقية، علاقة لايفتر التوق فيها بالجديد البديل، لأنهم يجدون المتعة والانسجام في هذا الشكل النمطي من القراءة ضمن طقوس روحية وعقلية، رغم إدمانهم على التعامل مع كل وسائل التواصل الإنترنتي المتعدد المواقع والقنوات، إيمانا منهم بحتمية التغيير والدخول في آفاق الإعلام الجديد وثقافة العالم الحديثة. تلك لا يمكن الحيد عنها. تتجدد هذه المقولات ونجتر معانيها ومقاصدها في كل موسم نشهد فيه تدفق الباحثين عن المعرفة والمتمظهرين بالثقافة، مع افتتاح معرض الكتاب في الرياض الذي تنظمه وزارة الثقافة والإعلام كل عام، ورغم نمطيته وما يحدث من أخطاء وعيوب في تنظيمه، يشهد المعرض حضورا كثيفا من قبل الباحثين عن الكتاب والمتهافتين على شرائه، ولنا أن نتساءل ببراءة وحسن نية، هل الجماهير التي انتظرت افتتاح المعرض وسارعت إلى شراء واقتناء مزيد من الكتب، قرأت ما اشترته من كتب؟ أم أن الكتب التي حال عليها الحول ما زالت في أكياس الوزارة، عندها يبرز سؤال أهم، هل معرض الكتاب ظاهرة ثقافية أم تظاهر ثقافي؟. معارض الكتب التي تفتتح كمواسم للقراءة في عواصم العالم، هي بحق تظاهرات ثقافية، وملتقى لحضارات الأمم وثقافاتها، وتعايش حقيقي مع معطيات المعرفة وآفاقها، وهو الشعار الذي يعقد تحت مفاهيمه معرض الرياض الدولي للكتاب في دورته السابعة، كما أن سوق بيع الكتب ومقياس مبيعاتها مقياس ومؤشر حضاري لوعي الشعوب وتقدمها، ومؤشر حقيقي لما وصلت إليه في تقدم وعي شعوبها الفكري والثقافي، ولكنه ليس بالضرورة يمكننا اعتباره -عربيا- على الأقل مقياسا لنمو مستوى شعوبها القرائي. لاشك أن من مباهج تظاهرة معرض الكتاب ذلك الحشد الجماهيري، ونحن نرى كل أسرة بأفرادها صغارا وكبارا يقصدون معرض الكتاب والتجول بين أرجائه وردهاته، وأركان وزوايا دور النشر فيه. إنه مظهر حضاري بلا أدنى شك، ويعد ملتقى بينهم وبين مؤلفيهم من شعراء وروائييين وكتاب ومفكرين وأعلام. من ناحية أخرى، نجد أن معرض الكتاب منتدى للقاء الأدباء والمفكرين والعلماء فيما بينهم، سواء في لقاءاتهم حين يتجمعون في مقار إقامتهم أو ضمن برنامج فعاليات المعرض، أو في صالون أو إيوان اللقاء الذي تنظمه الوزارة. إنه منتدى سواء تظاهرنا باقتناء الكتاب تثقفا ومعرفة أو تمظهراً وتجملاً بالثقافة أو تظاهرا بالاهتمام بعشق القراءة والكتاب.