في أكثر من مقال ذكرت أننا كمثقفين وباحثين عن المعرفة، نعتبر الكتاب هو الوسيلة الشعبية الأكثر شيوعا واستئثارا باهتماماتنا وتطلعاتنا، بحثا عن المعلومة والفكرة والمعرفة، وهذا دأب كل المهتمين بالقراءة وما يعزز لدينا مشروع المثاقفة وأخذ المعرفة والعلوم من فكر الآخر. ومع وجود البدائل المتطورة والمغريات، وتعدد قنوات تلقي المعلومات والتواصل المعرفي، إلا أن الكتاب يظل ويستمر مستأثرا باهتمام الجميع، ونحن الآن نراهن بمعرض الكتاب الدولي الذي يعقد في الرياض على وعي مجتمعنا ثقافيا وقرائيا، وقد أصبح المعرض بالفعل من مناسباتنا الثقافية المهمة، التي لها تأثيرها في خلق النموذج الأمثل للحوار مع ثقافة الآخر، والانفتاح على ثقافات العالم محليا وإقليميا، خاصة أننا نرى أنه أصبح ظاهرة ثقافية يهتم بها المثقفون والمهتمون بكل جديد يصدر في عالم الكتب، من روايات ودواوين شعرية ومؤلفات أيديولوجية في الفكر والثقافة والعلوم الإنسانية. والمعرض نجد فيه حتى من يتجملون بالوعي الثقافي والفكري. إن الكتاب حقا قنطرة المثاقفة، فلكي نتواصل مع الشعوب ومعرفة ثقافة فكر الآخر، علينا أن ننهض بصناعة الكتاب، لأن الكتب ملتقى لحضارات الأمم وثقافاتها، يجتمع عليها شمل المفكرين والمثقفين وعشاق القراءة، فهي نوافذ مفتوحة على كل الثقافات، لكننا نواجه حقيقة عائقا كبيرا خصوصا في عالمنا العربي، وهو ارتفاع أسعار الكتب عاما بعد عام، وقد وصل سعر متوسط الكتاب بين 50 و60 ريالا. والذين تسوقوا في معرض الرياض للكتاب في دورته الأخيرة ، أنفقوا مابين 2000 و3000 ريال، وهو مبلغ يثبت صحة ما حققه المعرض من إيرادات يومية بالملايين. أعتقد أنه ليس في مقدور الجميع تحمل غلاء أسعار الكتب خاصة ذوي الدخل المحدود. وإذا كانت الدول المتقدمة حولنا، تلجأ لإصدار طبعات شعبية تمكن الطبقة المتوسطة من أبناء الشعب من الحصول على الكتب في مختلف ألوانها ومجالاتها فكرا وإبداعا من اقتناء الكتاب، فما بالك ونحن أمة نامية نتطلع لرفع مستوى الوعي القرائي، ونحاول رفع مستوانا الثقافي، نحتاج بشدة هذا النوع من الكتب لنحقق رغبات الذين يعشقون الكتاب، لكن أسعارها المرتفعة تحول دون إشباع عشق الناس للقراءة والتحليق في فضاءات المعرفة، بين حفيف أوراق الكتب وأحضان أغلفتها. نحن أمام حقيقة لا يمكن إنكارها، لدينا جماهير تعشق القراءة وتسعى للحصول على الكتاب، ولدينا مشكلات في تسويقها وترويجها. كما أننا نهتم بصناعة الكتاب، وهو دليل على وجود وعي بأهمية المعرفة والمثاقفة، فلماذا لا نتوسع أكثر فنصدر نسخا من الكتب الزهيدة الثمن، تمكن الجميع من شراء الكتاب لإشباع رغباتهم في قراءتها، فنتجاوز كل الظروف والعقبات. لم يعد إنسان اليوم بعيدا عن الوصول إلى فكر وثقافة وعلوم الآخر، ولنساهم معا كمؤسسات ثقافية ودور نشر وطنية ومراكز ثقافية، على نشر الوعي القرائي بين الجميع وتحقيق رغباتهم في عشق المثاقفة، وذلك بإيجاد نوعية من الكتب بأسعار تتناسب مع الدخل لكل أفراد المجتمع، ونأمل أن نجده في معرض الكتاب المقبل، فالوعي القرائي مقياس لحضارة الشعوب، ودليل على وعيهم الثقافي، وهي مؤشر حقيقي لما وصلت إليه الأمم في تقدمها فكريا وحضاريا.