لاشك أن معارض الكتاب التي تنظم من حين لآخر في عواصمنا العربية ،هي حقاً بمثابة التظاهرات الثقافية، وملتقى لحضارات الأمم وثقافاتها، إضافة إلى كونها مقياساً حضارياً لوعي الشعوب وتقدمها، ومؤشراً حقيقياً لما وصلت إليه في مستواها الفكري والثقافي، ومؤشراً حقيقياً لنمو الوعي القرائي في مجتمعاتها. حين نلحظ الزحام الذي يشهده معرض الرياض للكتاب الذي تقيمه وزارة الثقافة والإعلام كل عام، الذي هو من التظاهرات الثقافية المهمة في المشهد الثقافي العربي، كما قال معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة في كلمته، وأصبح الوعاء الأهم للثقافة، وتثبت فيه دور النشر السعودية حضورها القوي بعطاء متميز، وقد أعجبني وأعجب المثقفين الذين حضروا احتفالية الافتتاح ما ألمح إليه معالي الوزير بعبارة «رومانسية الكتب»، في وصفه العلاقة القوية بين المثقفين وعشاق القراءة بالكتب، فهي علاقة حميمة، رغم كل المغريات والبدائل التي توفرت للناس للمثاقفة وانتهال المعارف والعلوم. وللدلالة على هذه الصلة ما شهدته ممرات معرض الكتاب وأجنحته من زحام شديد هذا العام، رغم زيادة المساحة التي أتاحت لعدد أكبر من دور النشر للمنافسة على تقديم كل جديد ومثير في عالم نشر الكتب. بعناوينها الساخنة والمثيرة في مختلف القضايا الفكرية والسياسية والإبداعية، وقطعاً يمكننا أن نجزم أنه وفقاً لهذا الإقبال المنقطع النظير على شراء الكتب والحرص على اقتنائها، أننا شعب يقرأ، والبرهان إقبال الناس المتزايد على شراء الكتب، وهي حقيقة تدحض الادعاءات والمزاعم الكاذبة، التي تعتبر جيل هذا العصر-جيل تقنية المعلومات- لا وعي لديه بأهمية القراءة ولا يعترف بعشق الكتب، أما عدم ثقتنا في وعيه وضحالة ثقافته، يثبت الواقع أنها فرية. يظل الكتاب الوسيلة الشعبية الأكثر شيوعاً واستئثاراً باهتمامات المثقفين والمهتمين بالقراءة والمثاقفة وأخذ المعارف. مع وجود كل البدائل المتطورة والمغريات، بتعدد قنوات المعلومات والتواصل المعرفي، وما أنتج من كتب مسموعة مسجلة على أشرطة الكاسيت والأسطوانات المدمجةCDs. لكن الكتاب المطبوع في هيئته التي اختصرت ثقافات العالم بكل اللغات والحروف والصور بين دفتيه وفي ثنايا صفحاته، يبقى سيد كل المواقف. فللكتاب لدى كثير من المثقفين والأدباء والعلماء علاقة حميمة، وعشق تولد في النفوس، منذ سنوات نضجهم وتعلمهم وتعلقهم بعشق القراءة، وشغفهم الدائم بطلب العلم والمعرفة، شخصياً أشعر بلذة القراءة ومتعة التحليق في فضاءات المعرفة، مستلهماً لحظة الرومانسية بين حفيف أوراق الكتب وأحضان أغلفتها، وأشعر بجفاف المعلومة التي أتزود بها إلكترونياً وأنا أبحث في عوالم الثقافة وآفاق المعرفة. ورغبة من منظمة الثقافة والعلوم العالمية «اليونيسكو» لتوطيد العلاقة بين الأجيال الجديدة والكتاب، ولإغرائها بالعشق القرائي أعلنت يوم 23 إبريل يوماً عالمياً للكتاب، فحبذا لو حددت الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة والإعلام هذا اليوم كموعد ثابت لمعرض الرياض الدولي للكتاب.