جاء اختيار يوم 23 أبريل من كل عام يومًا عالميًا بالكتاب وحقوق المؤلف، اتساقًا مع ما دعت إليه منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في مؤتمرها السابع والعشرين عام 1995م بجعل هذا اليوم من كل عام يومًا للاحتفاء بالكتاب، واعتماد هذه الصيغة على نطاق دولي، ولم يكن اختيار هذا اليوم من قبيل الصدفة، بل لأنه يوم يعد تاريخًا رمزيًّا إذْ توفي في هذا اليوم عام 1616م كل من سيرفنتس، وشكسبير، وإينكا جارسيلاسو دي لا فيجا، كما شهد أيضًا ميلاد أو وفاة عدد من المؤلفين المشهورين من أمثال موريس دروان، ك. لاكسنس، فلاديمير نابوكوف، جوزيف بلا ومانويل ميجيا فاليجو. وقد اختارت لجنة مؤلفة من ممثلين عن الرابطات المهنية الدولية الرئيسية الثلاث المعنية بعالم الكتاب وعن اليونيسكو مدينة ليوبيليانا عاصمة عالمية للكتاب لعام 2010 وذلك في ختام اجتماع انعقد في مقر المنظمة.. عدد من المثقفين والأدباء والمفكرين أشادوا بفكرة تخصيص هذا اليوم للاحتفال بالكتاب، راسمين الصورة المُثلى للاحتفال من واقع مقترحاتهم التي قدموها.. بداية يقول الدكتور عبدالرحمن بن حسن المحسني عضو هيئة التدريس في جامعة الملك خالد، عضو مجلس إدارة أدبي أبها: إن يوم الكتاب فرصة مهمة لتجديد العلاقة بالكتاب؛ متجاوزين هنا فتوى قد تصدر بأننا نجعل عيدًا للكتاب، ومتجاوزين جدلية الكتاب الإلكتروني والكتاب الورقي، ومتجاوزين تنظيرات القراءة التي حفظها الناس دون تطبيق؛ متجاوزين كل ذلك باتجاه آليات التنفيذ التي يجب أن تكون، ولنا في مكتبة الملك عبدالعزيز وما قدمته خلال الفترة الماضية دليلاً على ما ينبغي أن تقدمه المكتبات المشتغلة بالهم الثقافي، حيث رأينا هذه المكتبة تقدم تطبيقًا فعليا واقعيًّا للقراءة من خلال دعم المطارات بنماذج من الكتب، وحفز الناس على القراءة، فقلّما تجد مسافرًا إلا وتحت نظره كتاب يقلّب صفحاته، ويزجي به وقته في مفيد. واللافت أنه حتى الشباب الذين كان بعضهم يؤذي المسافرين، وجدوا تسلية مفيدة، فتحية في يوم الكتاب لهذه التجربة المتميزة. ويضيف المحسني: وأطرح هنا أمورًا: أولاً: نحن بحاجة إلى تعزيز هذه التجربة وتنفيذها في كافة مطاراتنا. ثانيا: ما الذي يمنع من وضع «كوشكات» في الأسواق الكبيرة. وحينما كنت في أحد الأسواق لفت انتباهي الفنان إبراهيم فائع، وهو يستغل زاوية من السوق ليجعل فيها معرضًا مصغّرًا لأعماله وكان الإقبال لافتًا، ويمكن عطفًا على ذلك أن نحضر الكتاب مجانًا أو بمقابل زهيد إلى تلك الأسواق. ثالثًا: على وزارة الثقافة والإعلام مهمة كبيرة لمقاربة الكتاب من المجتمع، وفي يوم الكتاب يجب أن تنزل مكتبات الأندية الأدبية، والمكتبات العامة من أبراجها إلى المدارس، وإلى الأرصفة والأسواق لتوزيع مطبوعاتها، وتعزيز فعل القراءة الذي هو جزء مهم من عملها. رابعًا: على إدارات التعليم، والمدارس ربط الطلاب بالكتاب، وأزعم أن هناك إشكالية في مكتبات المدارس، وبرغم ضعف الحال في زماننا إلا أننا كنا نستعير من المكتبة قصصًا يبدو أنه عفا عليها الزمان أو أنها صودرت في زمن الزحف الأيديولوجي، فبرغم حفزي لأولادي بالاستعارة إلا أنني لم أجد استجابة. خامسًا: يبدأ عشق الكتاب من اهتمام الأسرة بتنمية القراءة لدى أبنائها. ويختم المحسني بقوله: إن تعاون مؤسسات المجتمع المختلفة من الأسرة والمدرسة وجهات رعاية الكتاب سينتج لنا جيلاً عاشقًا للقراءة، وعاشقًا بالتالي للتغيير ورسم مستقبل مشرق لوطن يبحث عن التميز. يوم مظلوم كما يرى الدكتور حسين دغريري عميد شؤون المكتبات بجامعة جازان أنه على كثير من المؤسسات الثقافية والأدبية والمختصة بالكتاب والمكتبات العامة دور هام في تفعيل هذا اليوم في المملكة، ولخلق حراك ثقافي تزامنًا مع هذه المناسبة، وحتى تظهر هذه المؤسسات للمجتمع وتقدم للجمهور، وعليها أن تأخذ الضوء الأخضر من وزارة الثقافة والإعلام ويسهما في خلق جو صحي من القراءة النافعة والماتعة في هذا اليوم فقط، ويصنعوا المفاجئات والمسابقات والبرامج التي تخدم هذه المناسبة، والتي تزيد الفرد والمواطن السعودي من الاقتراب أكثر من الكتاب، اقترابًا من جانبين: جانب الاقتراب للقراءة والاطلاع والمدارسة، وأن يكون لكل فرد منا عالمه الآخر مع هذه الكتب التي لو دخل إليه عبرها لا يخرج أبدًا، وجانب آخر وهو التشجيع لمن يملكون القدرة على التأليف والكتابة وصنع الكتاب والمساهمة معهم في تذليل معوقاتهم ومشاركتهم فرحة أول إصدار، فكم من كتاب كان وبالاً على مؤلفه وتكبده ضيمًا، وتمنى لو أنه لم يقدم على هذه الخطوة التي لا زلنا في حاجة ماسة إليها من قبل الكثير. ويضيف دغريري: إن على جمعية الناشرين السعوديين هم كبير تجاه تفعيل دور الكتاب والمساهمة في هذا اليوم العالمي للكتاب، ونشر ذلك من خلال المدارس والتعليم والجامعات والمكتبات العامة التي عليها مما لا شك فيه دور كبير في المساهمة هي الأخرى بكل جهد، فلا يعقل أن يمر هذا اليوم مكتباتنا العامة في كل بقعة من أرض الوطن كما هي وكأن هذا اليوم لا يعني بالنسبة لها شيئًا أبدًا، فتفتح أبوابها صباح هذا اليوم وتغلقها في نهايته وكأن لا جديد أو كأن الأمر لا يعنيهم البتة، ولا أدري من يريدونه أن يحتفل غيرهم بهذا اليوم!. إن هذا اليوم العالمي لا يزال مظلومًا عندنا، لأن أحدًا لم ينتبه له بعد، حتى على مستوى الجهات الإعلامية والثقافية والتربوية والتعليمية التي يفترض بها أن تنهض بهذا الدور في تقديم كل ما هو مناسب للاحتفال بالكتاب، ولا ننكر تقديم بعض المحاولات الخجولة من هنا وهناك في العام الماضي لكنها لم تكن بقامة الحدث. ونتمنى أن نتدارك في أبريل المقبل ما فاتنا في السنوات الماضية. أهمية الاحتفاء ويشارك الدكتور زيد بن علي الفضيل بقوله: علينا أن نعترف بداية بأنه وعلى الرغم من أهمية القراءة كفعل ثقافي حركي ضمن إطار حياتنا الدينية وارتباطها العملي بآية كريمة هي أول ما نزل على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) الآية، على الرغم من ذلك إلا أن القراءة من حيث هي ثقافة مركزية، وفعل اجتماعي، ورياضة ذهنية، وعادة إنسانية، لم تترسخ في أذهاننا بشكل كلي طوال فترات سالفة، لسيطرة روح وثقافة العلم الشفاهي السماعي القائم على آلية تركيز الحفظ على تفاصيل مشهدنا الثقافي والفكري، وما نهيم به من ازدهار عملي، وانتعاش حقيقي لثقافة الفعل القرائي في المجتمع، كان لفترة بسيطة في عمر الزمن، حين سيطرت ثقافة التفكير والتحليل والاستنباط على آليات المشهد الثقافي خلال القرن الثالث والرابع الهجريين تقريبا، وكان من نتائجهما أن ازدهرت المكتبات ودور المعرفة، وبرز الوراقون كحالة معرفية تشهد بنماء حالة القراءة وانتعاشها ضمن أروقة المجتمع. من هذا المنطلق أقول بأن الأصل في التحفيز على الإقبال على القراءة يستند على نوع وآلية العقل السائد في أي مجتمع، فيما إذا كان عقلاً شفاهيًّا يعتمد آلية الحفظ وسيلة معرفية، أم هو عقل مفكر متدبر، يعتمد آلية التحليل والاستفهام وإثارة أسئلة الحيرة وسيلة لتوثيق المعرفة. فإذا كان السائد هو النمط الأول وهو ما ألاحظه للأسف الشديد، فليس هناك كبير جدوى يمكن توخيها من إثارة مثل هذه الاحتفالات، لكون المتلقي قد حصر الكتاب في وظيفة واحدة وهي حفظ المعلومة لا أقل ولا أكثر، ولهذا فإن هذا النمط من التفكير قد وجد في الأقراص الإلكترونية وسيلة مناسبة لحفظ ما يريد، فاستعاض بها عن الكتاب بشكل عام. أما القسم الآخر وهم في تصوري لا يمثّلون نسبة عالية ضمن محيط مجتمعنا، فهم الأعلم بأهمية الكتاب من حيث هو جوهرة معرفية في حد ذاته، ولهذا فإنهم أكثر الناس تماسًا من الناحية الوجدانية والمادية مع هذه الاحتفالات. على أني وضمن هذه النظرة الواقعية، لا أحب أن أبدد الأمل، وأرجو أن يكون لمثل هذه الاحتفالات أهمية مستقبلية، ولو على المستوى الظاهري، باعتبار ما يمكن أن يتشكّل في ذهن ناشئتنا من بعد وقيمة معرفية مجردة. ويضيف الفضيل: وحتى يتم تفعيل ذلك بشكل جوهري، فأتصور أننا بحاجة إلى أن يتم تحفيز أولئك النشء بأفكار متجددة لتوثيق علاقتهم بالكتاب من حيث هو قيمة معرفية مجردة، ليتسنى لنا الوصول إلى حالة ممارسة القراءة كتلبية لحاجة ذاتية إنسانية كالطعام والشراب، وليس تلبية لهدف ذاتي مادي محدد كالغوص في بحور الجدال والنقاش، ولا يكون ذلك إلا بتشجيع فعل القراءة الحرة، كقراءة الروايات وكتب المسامرات وغيرها من الكتب الأدبية والعلمية العامة، حتى يألف وجدان وذهن ناشئتنا ملامسة الكتاب، وتتوثق العلاقة بينه وبين ذواتهم الإنسانية. وللوصول إلى هذه الغاية فمن المهم أن تشترك جميع مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية، لتنمية حالة الإحساس بالكتاب كقيمة معرفية مجردة، وبالتالي فإن مسؤولية الاحتفال بهذا اليوم يجب أن تكون مسؤولية وطنية تشارك فيها جميع المؤسسات بشكل أو بآخر، وإن كان الجهد الأكبر ينصب على المؤسسات الثقافية بوجه خاص، لكن لا ضير أن تخصص المؤسسات الأخرى في ذلك اليوم ساعة لممارسة القراءة الحرة ضمن نطاق عملها، لا ضير في أن تتبنى طباعة عدد من الكتب لموظفيها كجزء من الإحساس بأهمية المشاركة المسؤولة، لا ضير في أن تقوم بتوزيع عدد من الكتب المنتقاة كهدية عينية خلال ذلك اليوم، إلى غير ذلك من الأفكار التي من شأنها أن تعزز من قيمة الكتاب كحالة معرفية مجردة، وبالنسبة لمؤسسات الثقافة على مختلف أنواعها فالجهد أكبر، والتفاعل يجب أن يكون على أكمل وجه، وليس مقبولا لي كمثقف أن تُقصِّر تلك المؤسسات المتخصصة بداعي عدم الإمكانية أو ما شابه، فالحاجة إلى التفاني هي أكبر ما نحتاجه ونبحث عنه. دور الكتاب الثقافي الدكتور جبريل العريشي عضو مجلس الشورى وأستاذ المكتبات والمعلومات بجامعة الملك سعود قال: إن الاحتفال خلال هذا اليوم العالمي لا يقتصر على مؤلفي الكتب والناشرين فقط وإنما يتعداه ليشمل كل من له علاقة بالكتاب كالعاملين في المكتبات والمدرسين والجماهير التواقة إلى الاستفادة من الكتاب في عصر أضحت فيه المعلومات ركنًا رئيسًا من أركان القوة فيه. في هذا العصر الذي يتميز بالمنافسة التكنولوجية، تواجه القراءة في مجتمعاتنا تحديات كثيرة منها انتشار الأمية وتراجع انتشار الكتاب والإقبال على وسائل الترفيه التكنولوجية وشبكات المعلومات الرقمية والأجهزة الحديثة المرئية والمسموعة، وغيرها من التحديات التي جعلت الاتجاه نحو القراءة يضعف؛ وتدنت أهمية الكتاب عند العديد من الناس. إننا لا ندعو إلى العزوف عن استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة، إنما ينبغي التذكير أن هذه الأجهزة التي انتشرت تحمل المعرفة وعدم المعرفة في آن واحد، وذلك حسب رغبة الفرد نفسه وطبيعة استفادته منها، لذلك ندعو لمزيد من التوعية بمزايا الاستعمال الجيد ومخاطر الانزلاق نحو الاستعمال السيئ لهذه التكنولوجيا، فالاحتياط في الاستعمال واجب وحق في آن واحد، خاصة عندما يتعلق الأمر بالناشئة. ويمضي العريشي في حديثه مضيفًا: مع هذا التقدم التقني والمعلوماتي فمازال الكتاب قادرًا على أداء رسالته التثقيفية والتعليمية، وفي الحفاظ على نشر الفكر والثقافة والأدب لعقود كثيرة مقبلة. وتظل القراءة دائما الوسيلة المثلى لتزويد الإنسان بالمعرفة بكل أنواعها، وتظل الكتب تسهم في اكتساب وتعزيز القيم الصالحة، وتقدير الجمال، والحق والخير، وفهم كثير من الثقافات التي ينبغي التعرف عليها والاستفادة منها؛ ويزيد أهمية الكتاب والقراءة أنها تعد أساسا لتقدم الشعوب وتحضرها. ويجب علينا جميعًا إدراك أهمية القراءة وتحبيب الناشئة فيها بداية من سنوات التعليم الأولى بتكريس روح تعلم حب القراءة لدى الطلبة، وهذه مسؤولية يجب أن يأخذها كل من لهم علاقة بالتعليم وصانعي القرار التربوي بعين الاعتبار. ردم الهوة المعرفية ويقول الشاعر أحمد قران الزهراني: اليوم العالمي للكتاب يأتي هذا العام مختلفًا عن غيره من الأعوام السابقة في تصوري الشخصي، ذلك أن الكتاب في الأعوام الماضية تعرّض لهجمة غير منظمة من منتديات ومواقع الإنترنت والكتاب الإلكتروني ومسوقي هذه المنتوجات، وقد أشار كثير من المختصين إلى أن عصر الكتاب الورقي بدأ في الأفول، لكن أثبتت الأيام أن الكتاب المطبوع سيظل مهما تعددت الوسائط الإلكترونية ومهما تعددت منافذ المعرفة. وحديثي هذا لا يأتي من فراغ وإنما تؤكده معارض الكتب العربية والدولية وهذا الإقبال المتزايد على حضور المعارض والإقبال على اقتناء الكتب، وزيادة المنتج الكتابي خلال الأعوام السابقة وزيادة دور النشر العربية والعالمية خلال السنوات القليلة الماضية، كل هذا يؤكد أن الكتاب الورقي سيظل محافظا على مكانته، ولقد قدّر لي أن أحضر بعض معارض الكتاب الدولية ولاحظت أن أعداد الجمهور زاد عن السابق وعدد دور النشر ارتفعت بنسبة كبيرة إضافة إلى زيادة المنتج وزيادة أعداد المؤلفين، وقد لا يكون هذا مؤسسًا على منهج علمي أو دراسة علمية ولكن الواقع من خلال المعارض يدل على ما أتحدث عنه. ولعل الشاعر حينما قال «وخير جليس في الزمان كتاب» كان يتنبأ أو يستشرف المستقبل، وأن الكتاب سيظل هو المصدر الأول للعلم والمعرفة. ويواصل الزهراني مضيفًا: إن الاحتفال بالكتاب العالمي هو دعوة لردم الهوة المعرفية بين الشعوب، والعمل على زيادة المنتج المعرفي، والرغبة في خفض الأمية في العالم. والحقيقة أنني أقترح إقامة فعاليات معنية بصناعة الكتاب وآمل أن تقيم الأندية الأدبية والمؤسسات الثقافية والجامعات والمدارس مثل هذه الفعاليات لأن هذا جزء من اهتماماتها. عشق قديم ويعتقد القاص محمد علي قدس أن الكتاب سيظل الوسيلة الشعبية الأكثر شيوعًا، واستئثارا باهتمامات المثقفين، والمهتمين بثقافة القراءة والتعلّم. ورغم وجود البدائل الحديثة وقنوات التثقيف التقنية المتعددة، وأدوات التوصيل الإلكترونية، ومن خلال الكتب المسموعة، المسجلة على أشرطة الكاسيت والأسطوانات المدمجة. إلا أن الكتاب المطبوع في هيئته، التي اختصرت ثقافات العالم بكل اللغات والحروف والصور بين دفتيه وفي ثنايا صفحاته، يبقى سيد كل المواقف. فللكتاب لدى الكثير من المثقفين والأدباء والعلماء، علاقة حميمية، وعشق تولد في النفوس والعواطف والأحاسيس، منذ سنوات نضوجهم وتعلمهم وتعلقهم بعشق القراءة، وشغفهم الدائم في طلب العلم والمعرفة والإبحار في عوالم الثقافة وآفاق المعارف. وبنفس العواطف الحميمية التي نتلمسها ونحن نلقي بهمومنا ومشاعرنا وأفكارنا، وجنون إبداعنا، بين سن القلم وصفحة الورق، وقد تهيأت لنا وسائل أكثر حداثة، وتطورًا في الكتابة والتدوين، وتوفرت للأدباء والصحفيين والباحثين وطلاب العلم، وسائل النشر الإلكتروني وبرامج تنسيق الكلمات. حتى الذين اعتادوا قراءة الصحف الورقية، ضمن طقوس وجبة إفطارهم الصباحي، رغم أنهم أدمنوا على تصفحهم المستمر لمواقع الإنترنت المتعددة، للوصول للمعلومة والخبر، لم يستغنوا عن الصحيفة الورقية، وهم يؤمنون أن التغيير حتمي ومتوقع. وفي ظني سيظل الكتاب في شكله الذي اعتدنا عليه، سيظل متسيدًا احتفالياتنا بالثقافة والاهتمام بنوافذ المعرفة، في المهرجانات الثقافية والمؤتمرات العلمية والاقتصادية، وهذا ما يجعل العالم يحتفي بالكتاب، ويبالغ في المعارض الدولية التي تقام في عواصم العالم، حتى في تلك التي أصبحت التقنية هي المهيمن والمسيطر على أدوات تلقي المعلومات والتثقيف. كما أن المكتبات الوطنية الكبرى في دول العالم تجعل من الكتاب مرجعا أساسيا وخالدا في تلقي العلم وتوثيق المعلومة، مع وجود وسائل التزود بالمعلومات والبحث عنها، وفق معايير التقنية الحديثة. ويواصل قدس قائلاً: نحن في الواقع نحتاج لأن نجعل من يوم 23 ابريل من كل عام، الذي حددته (منظمة اليونيسكو)، ليكون يوما عالميا للاحتفاء بالكتاب، تكرس فيه المؤسسات الثقافية والتعليمية والإعلامية جهودها، للإسهام، في توطيد العلاقة بين الأجيال الجديدة، وتضييق الفجوات بينها وبين الكتاب، وإغرائها بالعشق القرائي، وصولا للمعرفة، عن طريق الكتاب، وعلينا أن نشجع أبناءنا على القراءة، وحثهم على البحث، واستقصاء الحقائق. والتأكيد على أنهم لن يحققوا طموحاتهم، ولن يحسنوا من مستواهم الثقافي، ووعيهم بمسميات الأشياء والوصول إلى مفاهيمها، وجلي أفكارهم، ما لم يؤمنوا بأن القراءة هي الوسيلة المثلى والكتاب هو بوابة العلم والمعرفة الواسعة. فالكتاب صديق صدوق لكل من يتطلع لمعرف وثقافة أوسع وأعمق. مختتمًا بقوله: وسائل الاتصال لجيل هذا العصر كثيرة ومغرية، ولكن ألا ندرك أننا إذا أردنا تطوير برامج الحاسوب، وهي أكثر وسائل المعلومات والتثقيف انتشارا بين الجيل الحاضر، ولتغذية برامجه وتحديث لغاته، لتبقى، وتحديث أدواته بشكل مستمر، نحتاج لمرجع وثيق وأساسي، هذا المرجع هو الكتاب.