أيام قليلة وتشهد الرياض عرسها الثقافي السنوي، بافتتاح معرضها الدولي للكتاب، وزارة الثقافة والإعلام ممثلة في وكالة الثقافة، تضع هذا المعرض ضمن مشروعها الثقافي التنويري الذي تراهن به ليكون له حضوره، وتأثيره، في بلورة الحوار مع ثقافة الآخر، والانفتاح على ثقافات العالم، خاصة أن القائمين على هذه التظاهرة، التي يهتم بها كل المثقفين، يتطلعون كل عام، لإضافة كل جديد لفعاليات المعرض، وما يتم تنظيمه من نشاطات، وما تنتجه من إصدارات (وقد أعلن عن سلسلة كتب مختلفة) ترصد وتوثق وتحتفي برموز الثقافة في تاريخنا الأدبي. بلا شك أن المعارض الدولية للكتاب التي تنظم من حين لآخر في عواصمنا العربية، هي حقا بمثابة التظاهرات الثقافية، ملتقى لحضارات الأمم وثقافاتها، ومناسبة تجمع شمل المفكرين والمثقفين، وتستقطب اهتمامهم، لذا فحرص الدول وإصرارها على إقامة هذه المهرجانات، دليل على رقيها ونموها وازدهارها. في بؤرة الأحداث الملتهبة التي شهدتها وتشهدها القاهرة، والأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة، وفي خضم المظاهرات، التي تجتاح ميادين القاهرة وشوارعها، افتتح المصريون معرضا للكتاب، وأصر المغامرون على حضور الافتتاح، ليخوضوا تجربة أن يكونوا في قلب الأحداث، وكيف يصبح الحدث الثقافي، وسط أوضاع تستوجب وقوف النخب الثقافية. معارض الكتاب، إضافة إلى كونها المقياس لحضارة الشعوب، ودليلا على وعيها وثقافتها، فهي مؤشر حقيقي لما وصلت إليه الأمم في تقدمها الفكري والثقافي، ومقياس أيضا للوعي القرائي للشعوب. هل هي أمة قارئة؟ أم جاهلة؟ والأدهى أن تكون أمة متظاهرة ومتجملة بوعيها الثقافي. ونحن نرى الزحام الذي تشهده تلك المعارض في المواسم التي تقام، خليجيا وعربيا، نكذب كل من يزعمون أن أمتنا، أمة لا تقرأ، ونتساءل إذن لماذا تدعي دور النشر كساد صناعة الكتاب؟ وأن تسويق الكتب وترويجها مهمة محفوفة بالمخاطر يتوقع لها الخسائر؟ ما لاحظته من زحام وتهافت جماهيري على اقتناء الكتب في السنتين الماضيتين، بمعرض الرياض للكتاب، يؤكد أن الكتب مازالت خير جليس، رغم كل البدائل، ومؤشر جيد لوعينا القرائي، وهناك حرص وتنافس على اقتناء ما خف حمله وثقلت قيمته، أو العكس، بما يدحض الادعاءات الكاذبة، بأن الكتاب ولى زمنه في ظل التقنية الحديثة للثقافة، ولا وجود لمبررات زعزعة ثقتنا في حب الناس للقراءة! حقيقة هناك، من يهتم بالكتاب ويحرص على حضوره في يوم افتتاح معرضه الذي يقام في مدينته أو في أقرب مدينة له، حتى لا تفوته الكتب الأكثر مبيعا، والمدسوسة أو الممنوعة، وما سمح بوضع كميات قليلة منه قبل مصادرته، تشمل هذه الفئة النخب المثقفة وعشاق المعرفة، أما الفئة الأخرى، فهي التي تحرص على الحضور والمزاحمة لتتجمل بالثقافة وتتظاهر بالوعي، ورؤية المشاهير من المؤلفين في حفلات توقيع الكتب. وهؤلاء من الذين لاتفارق الكتب التي اشتروها أكياسها التي حملت فيها من المعرض. فالذين يعشقون الكتب، ويدمنون القراءة، ليسوا بحاجة لمواسم تذكرهم بعشقهم ونهمهم الثقافي.