مع الكشف عن المصير الذي يتربص بنا نحن كل الكائنات مع تآكل «نهاية» الكروموسومات فقد انفتحت شهية البحث أمام سيدتين أمريكيتين هما «كارول جرايدر وإليزابيث بلاك بورن CAROL GREIDER & ILEZABETH BLACKBURN» اللتان كانتا تشتغلان في علم الخلية لمعرفة تركيب «الإنزيم المضاد» وهل يعرقل عملية التآكل؟. واستطاعتا عام 1985 أن تضعا أيديهما على تركيبه الكيماوي التفصيلي، وأعطي اسم «التيلوميراز TELOMERASE» وكان اختراقاً علمياً مذهلاً، أثبت قدرة المرأة وصبرها على تحقيق اختراقات معرفية يعجز عنها الرجال. إنهما تذكران بكاشفة تركيب الكود الوراثي روزاليند فرانكلين والطفرة في الخلية السيدة مك كلينتوك، التي كانت تعمل كل يوم 12 ساعة في المخبر سبعة أيام في الأسبوع! ثم قام الثنائي العلمي «رايت وشاي» بتسخير «علم الاستنساخ CLONING» للتلاعب بالخلية باستنبات الإنزيم الحيوي أولاً، ثم إقحامه إلى داخل نواة الخلية لمعرفة هل يكون مفتاحاً لقفل «التيلومير»؟. فطالما كانت الخلية تموت بالتعري والتآكل في نهاية الكروموسومات من خلال تقشر مادة «التيلومير» فيمكن المحافظة عليها بإكسير الحياة الجديد «التيلوميراز» الذي اكتشفته كل من «جرايدر وبلاك بورن»، لقد عثر على التناقض في كل من «الجنين والسرطان». الجنين سرطان رهيب مضبوط، والسرطان تمرد على قوانين التآكل والموت، في عشق للعودة إلى حياة الطفولة بلا موت. كل ذلك كشفته الدراسات الخلوية الحديثة بمادة «التيلوميراز» المحشوة في دم الجنين «وخلايا السرطان» فكلاهما يستحم في ترياق الحياة الذكي، فعند دراسة خلايا الأجنة وجد أنها تتكاثر على نغم هذه المادة السحرية التي تعمر الخلايا بزخم الحياة، وعند تأمل الأنسجة السرطانية فوجئ الباحثون بتدفق هذه المادة في مفاصل الخلايا السرطانية المتمردة، في جدلية فظيعة أمام مادة فيها كثير من الأسرار والتحدي. هنا بدأ العلماء يحومون حول هذه المادة الخطيرة يخطبون ودها لمعرفة كيفية تسخيرها. ولكن هل طول الحياة جميل. وهل الموت قنوط المقيم كما يرى الفيلسوف راسل. أم إن الفلسفة تعجز عن فتح كوة الأمل، ويتقدم الدين بترياقه المميز، حيث تقف خطى الفلسفة عاجزة ويأتيها الدليل من عالم الشهادة على مراهناتها العديدة، من خلال الكمبيوتر وإحصاء الأعمال، والنسبية وتقريب معنى الخلود، والكوسمولوجيا والانفجار العظيم عن معنى ولادة الزمن وبداية خلق الكون؟! في صيف عام 1997م، تمت تجارب حقن نواة الخلية بهذه المادة السحرية، وتمت مراقبة الخلايا وتكاثرها إلى أين تمضي رحلة التكاثر، هل ستقف عند قدرها المحتوم من خلال التآكل؟ أم إن الإنزيم الجديد سيحافظ على نهاية الكروموسومات؛ فتستمر في رحلة الانقسام بنشوة؛ فلا تطالها يد الموت؟! كانت المفاجأة صاعقة، فقد حمى وحفظ الإنزيم الجديد نهاية الكروموسومات، وتابعت حياتها فانقسمت أكثر من الرحلة المعتادة، فتجاوزت الخمسين انقساماً، ثم تابع الانقسام طريقه فزاد عن الثمانين، ثم تجاوز المائة، والدكتور «جيري شاي» المشرف على العملية لا يصدق عينيه؛ فيأخذ خلاياه المدللة ويتابع مراقبتها تحت المجهر؛ فلا يلاحظ ملامح الاهتراء والشيخوخة، الضعف أو الموت أو التوقف! يذكر الطب في هذا قصة هنريتته المريضة التي ماتت بسرطان عنق الرحم، وأن خلايا السرطان التي قضت عليها مازالت تتابع حياتها بكل قوة!