حين سألت السيدة أم إلياس عن السر في التعمي، فهي ليست أول من سأل، بل كان حنين الحكام والفلاسفة وبحث الأطباء. أذكر من سيرة جنكيز خان أنه استدعى طبيباً صينياً من أقصى المملكة، ليجيبه على سؤال واحد؟ هل من طريق للخلود؟ ارتعب الطبيب المحمول إليه تحت الحرب والحراب؟ قال: أيها الخان العظيم بل أدلك على طول الحياة ونعيمها، أما الخلود فليس له سبيل؟ إنه نفس الإغراء الذي قدمه الشيطان لآدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى؟ أنا أقف كل يوم أمام شاطئ الحوزية أناجي أمواج الأطلنطي، أين يذهب العباد بعد الموت؟ ماذا ذقت يا ليلى توأم روحي حين واجهت الموت؟ ما هي طبيعة المفاجأة التي تنتظرنا حين ندخل نفق الموت؟ حاول العلماء تطويق ظاهرة الموت من طرف آخر، ومد فسحة العمر عن طريق لجم السموم، وهذا ما فعله العالم «راجيندار سوهال RAJINDAR SOHAL » وزميله «ميشال روزي MICHAL ROSE » برفع مستوى المواد المضادة للسموم المنبعثة من تفاعلات الخلايا بزيادة مواد «مضاد الأكسدة ANTIOXIDANTIEN» وكانت التجربة على ذباب الفاكهة، من خلال إقحام هذه المواد في نواة الخلية، وكانت المفاجأة قوية، عندما تمت ملاحظة قوة الذباب المحقون بهذا الإكسير، نسبة للفريق الآخر غير المعالج بهذه الطريقة؛ فطال عمره، واشتد عوده، وعظمت مقاومته للأمراض والسموم والجوع والغازات القاتلة وصدمات الحرارة. كان ابن خلدون يقول: إن الناس في المجاعات لا يموتون من الجوع الجديد، بل من اعتياد الأمعاء القديمة على فرط الرطوبات، ولذيذ المطاعم والمشارب، والغرق في التهام الطعام دون توقف. أما مدرسة البرمجة الجينية فقد تأسست من خلال تطور رباعي المفاصل: «الأول» في مطلع الستينيات عندما استطاع «ليونارد هاي فليك LEONARD HAYFLICK» أن يشق الطريق إلى مفاجأة غير متوقعة وغير سارة عن جدولة عمر الإنسان؛ فرأى أن قدره محتوم من خلال انقسامٍ محددٍ للخلايا؛ وهذا القدر من الانقسام قد رُسم وحُتِّم في جينات الخلايا؛ يستهلك الجسم نفسه بموجبه مع كل انقسام، من خلال ساعة بيولوجية تدق مربوطة إلى منبه إنذار الموت، فكما يربط منبه الساعة إلى حين؛ فإذا دخل الوقت استيقظنا على رنينه المزعج، فهو هنا منبه الموت يدعونا لضجعة القبر. «الثاني» حين عكف فريق ثنائي «جيري شاي JERRY SHAY & وودرنغ رايت WOODRING WRIGHT» لمعرفة ماذا يحدث بالضبط و«كيماويا» مع الانقسام الذي يرسم قدر الموت؟ فوجدوا أنه معلق بنهاية الكروموسومات؛ فمع كل انقسام تتقشر نهاية الكروموسومات فتهلك، ومع هلاكها يقضي علينا بالموت. هذه النهاية مكونة من مادة بروتينية تمت معرفة تركيبها على وجه الدقة، وأخذت اسم التيلومير «TELOMERE» ومع كل تقشر لهذه النهاية تتعرى نهاية الكروموسوم، ويضيع قسم من الأحماض النووية قُدِّر بخمسين يزيد وينقص. أما الثالث والرابع فهو الوصول إلى إنزيم «التيلوميراز TELOMERASE» ثم «علم الاستنساخ CLONING» الذي قلب تصورنا عن طبيعة الحياة.