كان الأهلي بحاجة لفوز كبير بحجم فوزه على الاتحاد في نصف نهائي دوري أبطال آسيا وعبوره للمباراة النهائية لا ليثبت قوته الفنية وحسب، وإنما ليؤكد على أن الفكر والتخطيط هما من ينتصران في نهاية المطاف، فمن يسبر أغوار الفريق الأهلاوي يدرك بأن وصوله لهذه المرحلة لم يكن ضربة حظ، ولا حتى فورة مرحلة، بل نتاج عمل مبرمج أفضى إلى ذلك الحضور الآخاذ الذي استحق على إثره أن يكون أحد طرفي القمة الآسيوية الكبرى. الإدارة وجاروليم واللاعبون المحليون والأجانب دلالة واضحة على العمل الاستراتيجي الفكر في الأهلي يتمظهر أولاً في وجود الأمير خالد بن عبدالله كرئيس لهيئة أعضاء الشرف، وهو المؤمن بالتخطيط والعمل الاستراتيجي، ولا تحتاج المسألة لإثبات أبداً؛ إذ يكفي دليلاً أنه صاحب أول أكاديمية سعودية متكاملة الأركان، وهي أكاديمية الأهلي التي كانت ولا تزال مضرباً للمثل ونموذجاً قائماً. ويتمظهر الفكر في الأهلي ثانياً في اختيار الأمير فهد بن خالد كرئيس للنادي وهو الذي جلس على الكرسي الأخضر بعد تجربة طويلة من عمل الشرفي المباشر، قبل أن يتحول للإشراف على جهاز الكرة قبل أن يترشح لمنصب الرئاسة، إذ أثبت في مواطن عديدة جدارته بهذا المنصب، حيث كان إضافة له، خصوصاً بعد تجارب سابقة لم تكن مقنعة حتى للأهلاويين أنفسهم. ويتمظهر الفكر في الأهلي ثالثاً في القناعة بمبدأ «أعط القوس باريها»، وذلك بإيكال مهمة الإشراف الإداري على الفريق لطارق كيال، فبعد سلسلة أخطاء وارتباكات عاشها الفريق الأول طوال اعوام متتالية جعلته يتعثر كثيراً، وإن كان يحضر أحياناً؛ خصوصاً في البطولات الموسومة ببطولات النفس القصير؛ لكن ذلك الحضور لم يكن معبراً عن قيمة فريق تاريخي بحجم الأهلي، لذلك كان القرار المهم هو تسليم مهام شؤون الفريق الإدارية للخبير كيال بكل ما يختزنه في جعبته من خبرات جمعها طوال مسيرته الحافلة منذ أن كان لاعباً وحتى بلوغه مسؤولية العمل الرسمي كعضو في اتحاد الكرة؛ مروراً بتجاربه السابقة مع الفريق نفسه، وهو القرار الذي رتب الأمور داخل البيت الأهلاوي؛ خصوصاً مع وجود إداري معاون ذي كفاءة علمية وتجربة عملية كعبدالسلام سقناوي، ومثله مدير الاحتراف محمد عسيري وكلاهما يحملان شهادات عليا مكنتهما من النجاح في منصبيهما. ويتمظهر الفكر في الأهلي رابعاً في اختيار الجهاز الفني بقيادة المدرب التشيكي كارل جاروليم وهو صاحب التجربة الجيدة في بلاده خصوصاً؛ إذ اختير في أحد المواسم كأفضل مدرب هناك ثم الإيمان بأهمية استمراره على رأس الجهاز الفني وعدم العودة لمتوالية تغييرات المدربين، إذ تم التجديد معه لعامين قبل أن ينقضي الموسم في العام الماضي على الرغم من أنه لم يحقق في ذلك الوقت بطولة مع الفريق، حيث جاء تحقيق بطولة كأس خادم الحرمين الشريفين للأبطال بعد التجديد معه، وفي ذلك دلالة واضحة على رغبة مسيري الفريق في الاستقرار الفني، وهو ما حدث إذ انعكست عملية التجديد عليه بشكل لافت من خلال التصاعد في المستوى، والانسجام في الأداء وهو ما بدا واضحاً سواء في المنافسات المحلية أو في مشاركته الآسيوية. ويتمظهر الفكر في الأهلي خامساً في حركة التجديد الهادئة التي طالت الفريق خلال المواسم الأربعة الماضية من خلال التخلي عن اللاعبين الذين ما كان بحاجة لهم، إما لأسباب إدارية وانضباطية كحسين عبدالغني الذي كان قائد الفريق ونجمه الجماهيري، ووليد عبدربه، وإبراهيم هزازي، أو لأسباب فنية كمالك معاذ، ووليد الجيزاني، وتركي الثقفي، وعلاء ريشاني، ومن ثم صاحب العبدالله وحسن الراهب وغيرهم مع التعاقد مع عدد من اللاعبين لتطعيم الفريق بهم بين موسم وآخر كالحارس عبدالله المعيوف القادم من الهلال، وكامل المر وكامل الموسى القادمين من الوحدة، ومحسن العيسى القادم من الأنصار، وعقيل بلغيث القادم من الفيصلي، وبدر الخميس القادم من التعاون، وعيسى المحياني القادم من الهلال، ويحيى عتين المعار من الاتفاق، بالإضافة إلى لاعبين آخرين يشكلون تركيبة إضافية للفريق وإن كان تمثيلهم له ليس آنياً كحيدر العامر من هجر، والحارس باسم عطالله من الطائي، وعقيل الصحبي من الفيصلي، يضاف لهم اللاعبون الصاعدون حديثاً من الفئات السنية للنادي كعبدالرحيم الجيزاوي، وياسر الفهمي ووليد باخشوين، ومصطفى بصاص، بالإضافة إلى نجوم الفريق وأعمدته الرئيسية كتيسير الجاسم وياسر المسيليم، وجفين البيشي، ومنصور الحربي، وعبدالرحيم الجيزاوي. ويتمظهر الفكر في الأهلي سادساً في العنصر الأجنبي، فالمهاجمان العماني عماد الحوسني والبرازيلي فيكتور سيموس يلعبان للفريق للموسم الثالث على التوالي، وهما منذ وطأت أقدامهم الدوري يخطفان النجومية فيه بمستوياتهم المميزة وأهدافهم الحاسمة، إلى جانب الكولمبي باولومينو الذي يلعب للموسم الثاني مع الفريق، ويتمتع بميزة ملحوظة وهي إجادته دور اللاعب «الجوكر» إذ يلعب في أكثر من مركز، وكان من الممكن بقاء البرازيلي كماتشو كرابع الأجانب وللموسم الثاني على التوالي حيث كان الإدارة الأهلاوية تسعى لذلك، لولا قراره بالعودة لناديه السابق الشباب، لتضطر الإدارة للتعاقد مع الأرجنتيني دييغو موراليس. كل تلك التمظهرات إن كانت تدل على شيء فإنما تدل على التخطيط الاستراتيجي للفريق الذي تحول بفضلها إلى قوة ضاربة ليس على الصعيد المحلي بل القاري، وينتظر منه أكثر خصوصاً مع حيوية الفريق، والرغبات التي تنازعه بتحقيق المزيد لاسيما بطولة دوري أبطال آسيا التي بات قاب قوسين من تحقيقها، وبطولة الدوري السعودي التي يغيب عنها منذ نحو ثلاثة عقود.