خمس سنين وخمسة ألبومات، احتشدت بأعمال خلقت الهوية المميزة لإحدى أهم الفرق الغنائية في سبعينات القرن العشرين بالمشهد الفني في إيرلندا والمملكة المتحدة وأوروبا، فرقة الهارد روك السلتية ثين ليزي. على الرغم من ذلك فإن الفرقة كانت غير قادرة على اكتساح أقوى وأكبر سوق غنائي ترفيهي بالعالم، سوق الولاياتالمتحدةالأمريكية، ثم جاءت هذه الأغنية التي أصبحت تأشيرة الدخول وبداية طريق اللاعودة لرحلة الفرقة الصاخبة على الصعيد الفني والاجتماعي! كثير من عشاق الروك والبوب لا يعرفون عن هذه الفرقة سوى ثلاثة أعمال، منها هذه الأغنية، لكن هذا في الحقيقة ليس مدعاة للشعور بقلة التقدير أو التغاضي، كما يروج لذلك المعجبون بها وعشاقها المخلصون وخاصة في محيط دبلن والمناطق التي عاصرت تشكيل الفرقة وتاريخها الطويل المليء بالألم، وخاصة الرحيل المؤثر لمؤسسها ورجلها الأول فيل ليونت. إن شهرة الأعمال السابقة ليست على حساب الأعمال الأخرى، لكنها من نوع الأعمال التي تصبح بسبب تفوقها هائلة الظهور إلى الحد الذي تخلق من حولها ظلالاً واسعة، وهناك في تلك الظلال تختبئ الأعمال الأخرى المميزة للفرقة والتي لا سبيل لمعرفتها إلا من خلال اهتمام خاص بالفرقة، وحتى لا يأخذنا الحديث عن ثين ليزي، سنعود للتركيز على هذا العمل تحديداً. جاءت أغنية "الفتية عادوا إلى المدينة" في ترجمة أخرى لعنوانها، في الوجه الثاني من ألبوم "كسر القيود" عام 1976م، الألبوم السادس في مسيرة الفرقة، وكانت النتائج مبهرة، إذ صعدت بسرعة إلى المرتبة الأولى في إيرلندا بلد الفرقة الأم، ثم الثامنة في بريطانيا، والمرتبة الثانية عشرة في أمريكا، وهو صعود يبدو مناسباً للغاية لو وضعنا في الاعتبار نسب انتشارهم الأساسية في كل قطر، كما أن الأغنية جاءت متناسبة مع حدث مهم وهو عودة الجنود الأمريكيين من حربهم العبثية في فيتنام، إذ أصبحت الأغنية نشيداً يتناسب والحدث، نوعا من الاحتفاء بشباب تمت التضحية بهم في حرب لا معنى لها، وكان عليهم أن يعبروا عن مشاعرهم، بأغنية تمجد الشباب والفتوة، وتؤيد حقه في الطيش والعبث وإثارة الفوضى في محيطه الخاص. في السنوات اللاحقة ومع استمرار الاهتمام البارز بالأغنية، أصبحت مرتبطة بمباريات رياضة الرجبي الرائجة في إيرلندا، إذ تذاع في أغلب الافتتاحيات، وتم استخدامها في إعلانات تجارية وحتى عروض دعائية لأفلام ناجحة مثل الجزء الثاني من الفيلم الرسومي الشهير "حكاية لعبة 2" واستبدلت كلمة الفتية بالألعاب – "Boys/Toys" - ، كما ظهرت الأغنية التي تم إعادة تسجيلها من قبل فرقة الروك البديل "إيفركلير" في فيلم "ديترويت مدينة الروك" لآدم ريفكين عام 1999م ، ثم في فيلم "أسطورة فارس" لبراين هيلقلاند" عام 2001م. أعاد تسجيل الأغنية أيضاً أوزي أوزبورن، سكوربيونز، وفرقة الروك الأمريكية "بون جوفي" والتي تم اختيار نسختهم لتكون ضمن ألبوم "سلم إلى الجنة-طريق سريع إلى الجحيم" عام 1989م، والذي كان عبارة عن مجموعة للأغاني ضمن مهرجان موسكو الموسيقي للسلام، إذ جمع الألبوم أعمال بعص الفرق التي كان لأعضائها حكاية مع الاستخدام المفرط للكحول والوفيات المرتبطة بالمخدرات. حلت الأغنية في المرتبة ما قبل الأخيرة في قائمة رولينغ ستون لأفضل 500 عمل غنائي في التاريخ، ثم خرجت من القائمة عندما تم تحديثها عام 2010، كما ظهرت في المرتبة التاسعة والثلاثين من قائمة مجلة "Q" لأفضل 100 مسار في الجيتار. امتدح كثير من النقاد الأغنية من حيث الروح الغيلية – الغيلية لهجة في إيرلندا - لفيل ليونت، والإيقاع الأساسي للجيتار المزدوج الذي اشتغل عليه سكوت جورهام وبراين روبرتسون، وهما بالفعل أي الروح والإيقاع، جوهرا هذا العمل، إذ كتب ليونت نصاً شاعرياً بطريقته الخاصة، بلحن مدهش بدا مختلفاً للغاية في زمن سيطرة الهاردروك بوجود أساطير مثل ليد زيبلين وديب بربل وذا هو. كتب القصيدة الغنائية وألحانها فيل ليونت، واعتمد في بنيتها على إيقاع –رِف- رئيسي على ثلاث ضربات جيتار تمهد للإيقاع الفاصل من نوتات سريعة مقطعة، ثم يأتي صوت ليونت الذي يحكي بأسلوب سردي انطباعي عن عودة الفتية إلى المدينة ثم الكورس الذي يؤكد فيه الكورال بطريقة تناوبية وبمشاركة ليونت عودة الفتية إلى المدينة للعودة إلى المقطع الثاني ثم عزف حارق منفرد للجيتار الذي يبدو الأداة الأبرز منذ بداية الأغنية وحتى نهايتها، دون التغاضي عن الدور الجوهري الذي تمارسه الطبول في الإقفال من كل مقطع. هناك حديث على أن ليونت استفاد بعض الملاحظات في كتابة اللحن من أغنية "عودة الهرة" لبروس سبرنغستين، كما يقال أن اسمها الأساسي كان "جي. آي. جو عادوا إلى المدينة" في إشارة إلى دمى الأكشن التي اشتهرت في الستينات بأمريكا، وكان ليونت مغرماً بها على حد رواية البعض. هناك العديد من الشائعات حول الأغنية، ما يؤكد أثرها البالغ وقدرتها الفذة على الاختراق عقداً بعد آخر، إنها ميزة الخلود ولا شك!.