في الخامس عشر من شهر سبتمبر الماضي، ودع عازف البيانو في فرقة بينك فلويد ريتشارد رايت الشهير ب"ريك رايت"، العالم عن عمر 65سنة بعد صراع لم يدم طويلاً مع مرض السرطان، هذا الرجل الذي أسس مع سيد باريت وروجر واترز الفرقة في بداياتها، ثم استمر حتى غادرها بسبب خلافه مع واترز أثناء تسجيل ألبوم "الحائط" عام 1979م، ثم عاد إلى كنفها مع ديفيد غيلمور ونيك ماسون بعد مغادرة واترز الفرقة للأبد عام 1985م. كأطول أغنية في ألبوم "الجانب المظلم من القمر" عام 1973م، بسبع دقائق وإحدى وخمسين ثانية، جاءت أغنية "نحن وهم" في المسار السادس من الألبوم الذي اعتمد المنهج الأوبرالي، كنقلة تقدمية في صنف الروك الذي أثرته كثيراً أفكار هذه الفرقة الرائدة، بلحن كتبه الراحل ريك رايت، وكلمات تشاركها مع روجر واترز، وكالعادة قام ديفيد غيلمور بالغناء، يصاحبه رايت كمساند لإيقاع كورال مباشر، وهي من أوائل أعمال الفرقة التي تم فيها الاستعانة بأصوات نسائية للكورال الخلفي، كما شارك ديك باري بعزف الساكسفون، كما فعل في أغنية "نقود" من نفس الألبوم. ابتكر اللحن ريك رايت أثناء قيام الفرقة بتسجيل ألبوم الموسيقى التصويرية لفيلم "نقطة زايبرسكي" 1969م للإيطالي مايكل أنجلو أنطيوني، فيما بعد استكمل رايت اللحن من النوتة الرئيسية التي ألفها للفيلم ورفضها أنطيوني مع الفرقة في الاستديو حتى تم إنجازها وأضيفت إلى ألبوم "الجانب المظلم من القمر"، أنطوني علل رفضه فيما بعد قائلاً "إنها جميلة جداً، لكنها حزينة للغاية". فعلاً، باعتقادي أنها الأغنية الأكثر حزناً من أعمال الفرقة، والتي نجد فيها الشك يختلط باليقين، التسليم العجيب للقدر، والإيمان بالزوال وحقيقة القدرة البشرية التي تنسى في لحظات ما أن هناك قدرة فوقها، إنها عنا وعنهم وعن كل إنسان يتعلم مع الوقت حكمة الحياة والموت. نوتة الأغنية منخفضة جداً سواء في إيقاعها اللحني أو انتقالها الديناميكي بين المقاطع، يبتدئ فيها رايت الإيقاع بلحن أرغون مطول، ثم تدخل نوتة البيانو لرسم ملامح النوتة الرئيسية للأغنية، متزامنة مع الجيتار المساند بلحن مستمر، يختفي مع ارتفاع اللحن في نهاية كل مقطع غنائي للقصيدة التي أبدعها رايت بالتشارك مع واترز، الساكسفون يظهر مرتين في الأولى قبل أن يبتدئ غيلمور الغناء، والثانية بعد انتهاء مقطع الكلام الشهير في الأغنية وقبل الارتفاع الكورالي قبل الأخير لتنتهي الأغنية على آخر مقطع شعري وكورال نهائي يظهر فيه الصوت الأنثوي بشكل أوضح من سابقيه. المقطع الكلامي الذي أثار الكثيرين، مقتطع من المقابلات التي تمت في أثناء صناعة ألبوم "الجانب المظلم من القمر" مع بعض مما كانوا في الاستديو في تلك الفترة - بول ماكارثي أحد الأشخاص الذين تم تسجيل مقابلة معهم للإجابة على أسئلة أعدها روجر واترز-، ويعرف جيداً جمهور بينك فلويد العديد من المقاطع الكلامية التي ظهرت في ثنايا هذا الألبوم والتي تخفي كثيراً من التفسيرات العميقة لمفهوم الألبوم الذي كان أحد أعظم الأعمال الغنائية في التاريخ. رحل ريتشارد رايت الذي قد يكون بريق إبداعه مختفياً خلف عبقرية روجر واترز الفنية في كتابة القصائد الغنائية، وعبقرية غيلمور في العزف على الجيتار، لكن هذا الرجل الذي وقف خلف ألبومات رائعة للفرقة مثل "ميدلي"، "تمنيتك هنا"، وآخر ألبومات الفرقة "جرس التقسيم"، رحل رايت لكن تأثيره على الروك التقدمي والمنهج التخديري ما زال ظاهراً حتى اليوم.