العبارات التي شكلت العمود الفقري لمقال الكاتب: عبدالله بن بخيت في عدد الرياض 16114 ليوم الاثنين 18/9/1433ه هي: [إذا كان هناك شعور بالذنب ناشئ من التبذير والسفه فيجب أن يرسب ويتعفن في ضمائر أصحابه، لا أن يُغسل بكرامة الفقراء]. الشعور بالذنب حاصل لا محالة لأي شخص يرتكب خطأ يرضي به الخلق ولا يرضي به الله عز وجل. ويحكي الكاتب عن الأكل الممطرس الذي يجمع بعد انتهاء المدعوين لوليمة يتم فيها زيادة أكل فوق المعتاد الذي تم التباهي به بالطبع ومحاولة تقمص صفة الكرم من منفذ الإسراف هذا. بقايا الطعام تخلط ويكب بقية الصحون بعضها على بعض بشكل يخيل إلى الناظر لها أنها محشوة من سفرة الطعام بل وقد تكون منها أيضا، وهذا واقع بالفعل، فالمدعوون الذين يمكنهم تناول صحن واحد ونصف ذبيحة فقط، يقدم لهم ستة صحون وثلاث ذبائح من أجل أن يوصف الداعي بالكرم وربما استدان المال من أجل هذا اللقب (كريم)، أو خضوعا لعادة لا تنفع دنيا ولا تغني من عقوبة أو عذاب في الآخرة، ولا جواب عند صاحبها للسؤال الذي سوف يوجه له عن النعمة والنعيم الذي لم يحسن التعامل معه وشكره. هذا الأكل الباقي يجمع بعضه مع بعض ويخم خم القمامة، عظمه وليمونته وجريشه وقرصانه فيرجع في قدره وبدل أن يوضع في حاوية القمامة يتم توجيهه للفقراء الذين تعودوا أن تقف بين بيوتهم سيارة فيها بقية مماثلة، ثم يتوافدون بمواعينهم التي تذكرنا بأيام وقوف الماء من المشروع وظهور أهل البيوت لكي يحصلوا على الماء من حنفية لا يزال يتسرب منها. هؤلاء الفقراء لا يختلفون عن الواجدين من حيث أساسيات الحاجة المشتركة، والأكل أحدها، إن الجوع واحد والحاجة للطعام متساوية، فما الذي يجعلنا نرسخ هذه العادة ونجعل المسرفين يطمئنون على أن اتجاهات تهاونهم بالنعمة والثروة والاقتصاد أمر مسموح به ولهم أن يفعلوا ما يشاؤون ونحن نستقبل الأسلوب الخاطئ بإعادة التهذيب المريح لهم جراء شعورهم بوخز الضمير، نكون والحالة تلك نداري على هذا الوخز ونضع المسكن ونخفي آثاره عنهم وألمهم من تبعاته، وفي الوقت نفسه يكون الثمن مدفوعا من قيمة كرامة الفقراء الذين يتمنون أن يجدوا مثل هذه البقية نظيفة لم تمس ولم تصلهم بشكلها الممطرس. ما الذي يجعلهم يقبلون مثل هذا الطعام الذي اختلط فيه كل شيء حتى لو حاولنا تنسيقه وتخليصه مما بدا عليه وتهذيبه شكلا، سوى الحاجة، فلماذا نجعل الحاجة باقية في الفقراء ضاغطة تستر وتواري سوءة المبذرين، راسخة رسوخ الحماقة في رؤوس المبذرين والمسرفين الذين تتأصل عاداتهم المختلة والمخلة بمجتمعنا يوما بعد يوم، ولم يكتفوا بالفائض القليل بل أصبح مزرياً وعلى مستوى المجتمع. نحن نعمل في اتجاه نظنه صحيحا من حيث حفظ النعمة من خلال جمع بقايا الطعام وتوجيهه للفقراء بهذا الشكل، ولكنه في الواقع عمل غير موفق ولو حسنت النية، والمفروض أن يقوم أصحاب الولائم إذا أرادوا خيرا، أن يطلبوا الأكل بقدر حاجتهم ويقدموه على حسب ضيوفهم ومدعويهم، ويتصدقوا بما يمكن أن يفيض بحيث يصل إلى الفقراء نظيفا (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) وعليهم وعلى الصالحين ممن يحسن تعديل العادات المعوجة ليجعلها مستقيمة نافعة أن يدعوا مثل هؤلاء المحتاجين، ليبارك الله لهم في طعامهم، لا أن يساووهم بالقطط. فمثلا يمكن لزملاء العمل الترتيب لوليمة في مطعم أو منزل أحدهم ويدعون بقية زملائهم والخدم في الدائرة وذوي العوز والحاجة، ومن يعرفونهم بحيث تكون المائدة عامة لا فرق فيها بين الداعي والمدعو، وبهذا تكون صدقة فيها تقريب النفوس ولا تفرق بين الناس بحسب الفقر والغنى ومع الوقت تكون هذه عادة معتادة وطريقة تحل محل ما يحصل الآن. ولا نغتر كثيرا بسعة انتشار ما يحصل اليوم، فهو خطأ ولو زادت مساحة انتشاره وكثر من يتصف به، والحق أحق أن يتبع. مجتمعنا لم تكن فيه هذه التفرقة الكبيرة وهذا الفائض الكبير من الأطعمة التي تسببت في وجود مخازن للطعام القديم والبايت والممطرس، وما يؤسف له أن صاحب الوليمة الذي يتخلص من الكم الكبير من بقية طعامه لا تسمح نفسه بدفع مبلغ يعادل ربع ما أسرف فيه نقداً، بل ولا يفكر فيما تسبب الأخرى في أزمة اقتصادية على نفسه ووطنه ومجتمعه.