نقلنا ذات مرة طعاماً من بقايا وليمة كبيرة إلى منطقة في الرياض يقطنها فقراء ممن عرفوا بالعفيفين. ثلاث بوادي مليئة بالرز واللحم هي في الواقع تجميع لبقايا خمس بوادي. ضيوفنا الكرام لم يستهلكوا من الخمس بوادي المقدمة سوى باديتين. قام العمال بتكويمها تسهيلًا لنقلها في شنطة السيارة. سرنا جذلين فالأجر ينتظرنا. دخلنا الحارة وعلقنا البوري فتقاطر علينا سيل من النساء والأطفال، كلّ في يده قدر أو بادية صغيرة. رجالهم يقفون بعيدا في انتظار الغنيمة. من الواضح أنهم معتادون على أعطيات الكرام. ساعدتُ في عملية القسمة والتوزيع. كنت أنتزع اللحم الممزق والمنتف وأبعده أو أنزع بالسكين القطع (الممطرسة). أضفي على القبح المتكوم أمامي لمسات تجميلية.. أحاول أن أقدم للناس شيئاً لم يمس. كان الأمر مستحيلا. اختلطت البقايا حتى إنك تشاهد نثار السلَطة مختلطاً بالرز. ظننت في البداية أن تلك المحاولة سوف تساعدني على احترام إنسانية هؤلاء الناس. لكن إحساسي بالغثيان أكد لي أننا نعتدي عليهم. نمارس عليهم اشد أنواع الاستعلاء.لايمكن أن يأكل هذا الأكل إلا بشر تم إخفاضهم حتى فقدوا القدرة على احترام أنفسهم أو فقدوا القدرة على وضع حد أدنى لانتهاك كرامتهم. علاقتي بهم صارت كعلاقة السجين بالسجان. كلانا في نفس المأزق. بعدها حرّمت أن أقوم بمثل هذا الدور المذل. كان يجب أن يموتوا من الجوع على أن يأكلوا هذا الطعام. وتزداد المرارة عندما تتذكر أن بعض ضيوف هذه الوليمة لا يستحقون أدنى درجات الاحترام. التصدق ببقايا الطعام بقدر ما فيه من المذلة فيه أمراض. كثير من الناس يأكلون بأيديهم العارية. إذا تأملت جيداً في هذا النوع من التصدق سوف تكتشف أن المسألة كلها مساعدة للمبذر لا للفقير. عمل يريح ضمائر المسرفين ويزكيهم. درسٌ كان يجب أن أمرّ به حتى أتعلم معنى أن أكون إنساناً. إذا كنت ترغب في أن تقدم طعاماً إلى أشخاص فعليك أولًا أن تصون كرامتهم. إما أن تدعوهم إلى مائدة محترمة في منزلك، أو تطبخ لهم وتأخذه إليهم كما ستأكله. أتذكر كنا نقدم أفطار صائم في رمضان. نقدم الطعام في المساجد. كأطفال كنا نفضل الأكل مع الفقراء والعابرين على طعام منزلنا بسبب التنوع. هذه الأم تقدم رزا وتلك تقدم جريشا والأخرى حلى وهكذا. كنا نعرف أن هذا الطعام المولم في المسجد من خيار طعام أمهاتنا. وأتذكر أيضا أن في حارتنا رجلًا على قدر من الثراء. يرسل للفقراء علب حليب، وكيس رز وسكراً وغيرها من الأرزاق. كان يرفع من تقديره للفقراء بأن يبعث لبعض اصدقائه الميسورين نفس الأشياء. رسالة تقنع الفقراء أن ما وصلهم هو هدية لا صدقة. حان الوقت لتجريم نقل بقايا الطعام للفقراء. البشر متساوون في الاساسيات. لا بأس أن تأكل بملعقة من ذهب وفي أوانٍ صينية فاخرة، وتشرب في كؤوس كريستال لكن يجب أن يبقى الفرق في تفاصيل الرفاهية. ليس من الشهامة ان تقدم للناس بقايا طعامك وتسميه صدقة. طعام سوف تلقي به في حاويات القمامة على أي حال. ساويت بين الفقير والقطط الشاردة. إذا كان هناك شعور بالذنب ناشئ من التبذير والسفه فيجب أن يرسب ويتعفن في ضمائر أصحابه، لا أن يُغسل بكرامة الفقراء..