لا يختلف اثنان على أن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، شخصية قيادية وإدارية نادرة، كما أنه رجل دولة من الطراز الأول. تمرس على الحكم والإدارة منذ يفاعته، وتحمل مسؤوليات القيادة والعمل وسط المواطنين في بواكير شبابه، يعزز ذلك قدرات شخصية خاصة حباه الله بها، وثقافة شاملة متعددة المجالات، ومواكبة يقظة لمستجدات العصر، إلى جانب إدراك عميق لدور الدولة في تحقيق ما يطمح إليه المواطن من رفاهية وراحة واستقرار. قدم الأمير سلمان خلال فترة إمارته لمنطقة الرياض، والتي استمرت لما يزيد على الخمسة والخمسين عاماً، نموذجاً لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الحاكم والمحكوم، علاقة إنسانية تسودها الرحمة والعدل والحرص على استتباب الأمن والأمان في ربوع المنطقة، والسعي بكل تفانٍ واخلاص لتحقيق أهداف الدولة المتمثلة في تحقيق الرفاهية للمواطنين، وحل مشاكلهم وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم، واستطاع أن يجعل العاصمة الرياض واحدة من أجل مدن العالم وأكثرها تطوراً وأسرعها نمواً واتساعاً عمرانياً، محدثاً نقلة حضارية كبرى في تاريخ المدينة العريقة التي انطلق منها المؤسس الباني الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، بعد فتحها ليحقق مشروعه الوحدوي، ويجمع شتات الوطن في كيان واحد عزيز وقوي هو المملكة العربية السعودية. ومن الطبيعي أن شخصية تمتلك كل هذا الثراء الفكري والإنساني تتعدد فيها سمات التميز والتفرد التي تشكل المعالم الأساسية لهذه الشخصية، ومن أبرز هذه السمات الحنكة السياسية، والقدرات الذهنية والفكرية، والالتزام واحترام الوقت، والجدية والحزم وسرعة الإنجاز، إلى جانب ما تنطوي عليه شخصيته من حكمة وقوة إرادة ونفاذ بصيرة، وهي كلها سمات القائد الناجح، والإداري المستنير والمستوعب للتجارب الإدارية الحديثة، والحريص على مصالح المواطنين. وللأمير سلمان بن عبدالعزيز عشق شديد بالتراث، واهتمام خاص بالحفاظ عليه وتجديده وتطويره، انطلاقاً من أن هذا التراث شاهد على حضارة المملكة، وإلى أي مدى تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، كما أنه ينقل للأجيال الجديدة صورة الحياة التي عاشها آباؤهم وأجدادهم، والمعارك التي خاضوها في سبيل وحدة هذا الوطن العزيز، فهو يقيم جسوراً بينهم وبين الماضي، ويربطهم بتاريخ بلادهم بما يحفل به من قيم الأصالة والشجاعة، ومعاني الفداء والبذل والعطاء. وتتجلى سمات الدقة والالتزام واحترام الوقت، والجدية والحزم وسرعة الإنجاز، إلى جانب العشق الشديد للتراث في العديد من المواقف التي حظيت بإجماع كل من عرفوا سموه أو تعاملوا معه، ويحضرني الآن موقفان كنت طرفاً فيهما وشاهداً عليهما، الأول يتعلق بمشروع ترميم قصر المصمك التاريخي وتجديده وتحويله إلى متحف يعرض مراحل تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، وقد قام بمشروع التطوير والتنفيذ الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ووكالة وزارة المعارف المساعدة للآثار والمتاحف التي شرفت بالعمل فيها، وكان ذلك تحت إشراف ورعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض آنذاك. وأذكر أننا بعد اكتمال تنفيذ المشروع، وكان ذلك في أوائل عام 1416، تدارسنا ترتيبات حفل افتتاح المتحف الذي سوف يرعاه الأمير سلمان، حيث قمت بحكم منصبي الوظيفي، كوكيل للآثار والمتاحف، بمقابلة سموه لتحديد موعد الافتتاح، وكانت المفاجأة أن الأمير سلمان حدد الساعة الثامنة من صباح يوم 13/1/1416 موعداً لافتتاح المتحف، وأقول المفاجأة لأن اختيار الساعة الثامنة لبدء فعالية بهذا الحجم والأهمية، وبرعاية مسؤول كبير مثل أمير منطقة الرياض، أمر غير مألوف في العرف الإداري، في نظر كثيرين، إذ اعتاد معظم المسؤولين على أن تقام الفعاليات التي يحضرونها ابتداء من العاشرة صباحاً، بل إن بعضهم يطلب إقامتها في المساء. وحان موعد الافتتاح، وبدأ الموقع عقب صلاة الفجر مباشرة يستقبل المشاركين، وقبل الساعة الثامنة كان سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز يدلف إلى بوابة قصر المصمك وسط ترحيب وإعجاب الحاضرين الذين وجدوا في سموه نموذجاً لدقة واحترام الوقت، والالتزام الشديد بالموعد، والحرص على تقاليد الحكم والإدارة. أما الموقف الآخر فيتعلق بزيارة ولي عهد اليابان لقصر المصمك، خلال الزيارة التي قام بها لمدينة الرياض، وكان الهدف هو تعريف الضيف بمراحل تأسيس المملكة، من خلال اطلاعه على مقتنيات المتحف التاريخية، وأثناء الإعداد لترتيبات الزيارة لاحت مشكلة تتمثل في وجود منطقة ملاهٍ مقابلة لقصر المصمك، وكانت هذه الملاهي بموقعها وطبيعتها ونوعية المترددين عليها تشوه الصورة الجمالية للمنطقة، إضافة إلى خطورتها من الناحية الأمنية، ما جعلني أطلب مقابلة الأمير سلمان لعرض الأمر على سموه ووضع حل لهذه المشكلة، خاصة أن الزيارة كان محدداً لها اليوم التالي. ورغم مشاغله الهامة والعديدة، وازدحام جدول سموه بالمقابلات والمواعيد المحددة سلفاً، إلا أن سموه استقبلني واستمع إلى ما عرضته عليه بخصوص الزيارة والملاهي التي تشوه جمال المعلم التاريخي، ثم كانت المفاجأة السارة أنني عندما توجهت للموقع في اليوم التالي لم أجد للملاهي أثراً، وكأنها لم تكن هنا في يوم من الأيام، واستعادت المنطقة وجهها الحضاري والجمالي، وتمت الزيارة وسط أجواء يغمرها عبق الأصالة والتاريخ. ما أود التأكيد عليه هو أن أجهزتنا الحكومية وقطاعات ومؤسسات الدولة المختلفة بحاجة إلى أن تقتدي بفكر الأمير سلمان الإداري، وجديته ودقته والتزامه وسرعة إنجازه، فهذه هي قيم ومبادئ التفوق الإداري في أبلغ صورها، ومؤهلات التنميز في القيادة، كما أنها السبيل الوحيد لبناء نهضة حقيقية تنعكس آثارها على استقرار الوطن ورخاء المواطن الذي هو غاية كل جهد تنموي، ومن المؤكد أن كل هذه المعاني كانت حاضرة عند اختيار سموه ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ وطننا الغالي. وفق الله صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع إلى ما يحب ويرضى، وأيده بنصر من عنده، وأعانه على النهوض بأعباء المسؤولية الكبيرة الملاقاة على عاتقه، والتي ندرك أنه أهل لها، وله من تاريخه ومسيرته الوطنية الحافلة بالعطاء والإنجاز أكثر من دليل وبرهان. *مدير عام جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج لمجلس التعاون لدول الخليج العربية