لا أعلم لماذا نخرب كل شيء جميل ومفيد في حياتنا، لماذا نهدم مكتسباتنا بأيدينا، ولماذا نصر على أن نعود خطوتين للوراء كلما اعتقدنا أننا خطونا خطوة للأمام؟ بالنسبة لي تعبت من الكتابة عن هيئة المهندسين السعوديين، وأقول لكم صراحة أنني أشعر أنه لقد أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي، ولعل هذا الموت السريري المزمن هو إحدى خصائص هذه الهيئة التي تتراجع للوراء كل يوم وتفقد نفسها من المهنية كل لحظة، لكني أستغرب فعلا كيف يقف المهندسون عاجزون عن إصلاح هيئتهم وكيف استسلموا لهذا التخريب المستمر لصورة مؤسستهم التي يفترض أنهم ينتمون إليها وأنها تمثلهم وتدافع عن حقوقهم. أستغرب فعلا من هذه السلبية التي تجعلني أشعر باليأس أحيانا، فأضعف الإيمان، الانكار بالقلب ولا اعتقد أن قلوب المهندسين مع هذه المؤسسة التي تتهاوى بشكل مذهل. يوم الأربعاء الفائت كان اللقاء التعريفي الأول للناخبين في مدينة الرياض (والهيئة تخوض دورتها الانتخابية الثالثة الشهر المقبل) ولم يحضر من الناخبين وحتى المرشحين لمجلس الادارة الجديد أكثر من عدد أصابع اليدين، تخيلوا معي أن هناك أكثر من 70 مرشحا وأكثر من 40 ألف مهندس، ولم يحضر سوى 10 أشخاص في إنتخابات مهمة وأساسية سيتم فيها اختيار مجلس إدارة هيئة المهندسين السعوديين للسنوات الثلاث القادمة. إنني أشعر بمدى التدمير الذي أحدثه مجلس الإدارة الحالي لصورة الهيئة لدى المهندسين، وأشعر بنجاح هذا المجلس في صرف أنظار المهنيين عن هذه المؤسسة المهمة وعن مستقبل العمل الهندسي في المملكة، لقد نجح مجلس الإدارة الحالي بأن يفقد المهندسين الثقة في هيئتهم، وأن يحولها إلى "لا شيء" ومجرد "دكان" يحصل الرسوم ويصدر الأوراق دون عمل مهم يرقى إلى أن يكون "عملا مهنيا حقيقيا". إن عقلية الاستحواذ والرغبة في ممارسة السلطة الوهمية هي التي تدفع أمثال هؤلاء إلى ممارسة التسلط وتخريب كل جميل لقد كنت في لجنة الانتخابات في الدورة الأولى لهيئة المهندسين، ولم أكن راضيا عن آلية الانتخاب في ذلك الوقت، لكنني كنت ضمن فريق، ورأي الفريق يجب أن يحترم، وهذا ما حصل، وأذكر أن الانتخابات الأولى أوصلت عددا من الزملاء إلى مجلس الإدارة، كما أنني أذكر أنني كنت مراقبا للمجلس المنتخب الأول وانتقدته بشدة (في هذه الصحيفة، ويمكن الرجوع إلى موقع جريدة «الرياض» على الانترنت)، لكنني فوجئت فعلا بأداء مجلس الإدارة في دورته الثانية، فما كنا ننتقده في مجلس الإدارة الأول لا يمكن أن يضاهى بإخفاقات مجلس الإدارة الحالي، لقد ترحمت مثل كثير من الزملاء على السابقين، وصرت أذكرهم بالخير، مقارنة بالوضع الحالي، لكني صرت أضع يدي على قلبي من القادم، فمن الواضح أننا نتجه للأسوأ في ظل الغياب الكامل للمهندس السعودي الذي لا يكلف نفسه العناء للدفاع عن حقوقه، ويفوض الآخرين للدفاع عنه. في اعتقادي أن هذه السلبية سوف تقضي على البقية الباقية من العمل المهني الهندسي في المملكة، وهذا له تأثير كبير على مستقبل الاقتصاد الوطني وعلى التنمية بشكل عام، فسوق العمل الهندسي في المملكة مفتوح لكل من هب ودب، بينما في كندا على سبيل المثال، لا يستطيع أي مهندس ممارسة العمل الهندسي من غير الكنديين المؤهلين إلا بصعوبة فائقة، وأنا هنا أقارن وضعنا بكندا، لأنها تماثلنا في عدد السكان وفي المساحة الشاسعة، لكنها تختلف عنا في المقدرة على التنظيم وحفظ الحقوق والواجبات وفي الكفاءة المهنية وإلتزام مهنييها بأنظمة تعزز النفع العام والابتعاد قدر الإمكان عن المصالح الخاصة. فما الذي يجعل هؤلاء بهذا الحرص ويجعل هيئتنا بهذه الفوضى، لابد أنها ثقافة عجيبة تميزنا عن غيرنا، أذكر أنني كتبت عنها في يوم (أنظر مقال: عقلية الاستحواذ :هيئة المهندسين كمثال، "الرياض"، السبت 5 جمادى الآخر 1427ه - 1 يونيو 2006م - العدد 13886)، والذي يظهر لي أن هذه الثقافة لا تظهر إلا في وسطنا نحن المهنيين، فمركب النقص لدينا متضخم، ولا نصدق أن يكلفنا أحد بمهمة ونشعر أن لدينا بعض السلطة، إلا ونستغلها أبشع إستغلال. هذا ما حدث أثناء مجلس الإدارة السابق، وهذا ما يحدث في مجلس الادارة الحالي وبشكل فادح يهمش المهندسين، أعضاء الهيئة، بشكل غريب وغير مبرر، لكني أستغرب فعلا من خروج رئيس لجنة الانتخابات الحالي عن الخط وفرضه تسجيل الناخبين المسبق لكي يحق لهم الانتخاب، وذلك قبل شهر من وقت الانتخابات (17 يناير 2012م)، رغم أنه يعلم أن المادة الخامسة من نظام هيئة المهندسين الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/36 في 1423/9/26ه المبني على قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 226 في 1423/9/13ه، تنص في فقرتيها الأولى والثانية على أن الجمعية العمومية هي المسئولة عن: "إصدار التنظيم الداخلي للهيئة". وأنها هي التي تقوم: ب "إقرار اللوائح التنفيذية لنظام الهيئة". ولا أعلم إن كان رئيس لجنة الانتخابات قد أخذ صلاحيات تغيير لائحة الانتخابات من الجمعية العمومية، أو أنه استشار أحدا في هذا الصدد. أستغرب فعلا عن وقوف مجلس الإدارة الحالي صامتا حيال هذا المخالفة القانونية الواضحة واستغرب أكثر كيف يسمح هذا المجلس أن يهمش أعضاء الهيئة، وهم مهنيون كبار وصغار شيوخ وشباب، ولا يحرك أي من المهندسين في الهيئة ساكنا. أقول لكم بكل صراحة أن عقلية الاستحواذ والرغبة في ممارسة السلطة الوهمية هي التي تدفع أمثال هؤلاء إلى ممارسة التسلط وتخريب كل جميل. كنا نتمنى أن يقدمنا ويدفعنا للأمام. لن أقول أنني ضد تسجيل الناخبين، فهذا أمر إجرائي إذا ما تم أخذ موافقة الجمعية العمومية عليه وتم الاستعداد له مبكرا فإنه يزيد من قوة الهيئة ولا يضعفها، أما أنه ينفذ بهذه العشوائية التي قامت بها لجنة الانتخابات الحالية ودون استشارة المهنيين بالأمر، وقبل شهر من الانتخابات، رغم معرفتنا بإمكانات الهيئة الهزيلة، فلا وألف لا، لأن هذا يهدم الهيئة ويؤكد أننا نعزز من الفوضى بدلا من أن نعزز من قيمة النظام. على المستوى الشخصي صرت أتوقع كل شيء من هيئة المهندسين، وقد توصلت إلى قناعة أن من يتولى مجلس الإدارة يتولد لديه الاحساس فجأة أنه يملك الهيئة ومن عليها بما في ذلك منسوبوها، وصرت أتحاشى تبعا لذلك الاحتكاك بكل ما له علاقة بهيئة المهندسين، وقد حضرت آخر جمعية عمومية، وكانت جمعية مسرحية مرتبة لتمرير قرارات ليست في صالح أحد، والحقيقة أنني أستغرب من هذه الممارسات التي لا تخدم مصالحنا العليا ولا يستفيد منها حتى من يمارسها، فلماذا ننحاز لإغراءات سلطة غير حقيقية ونتناسى المصلحة العامة، هذا السؤال حيرني كثيرا ولم أجد له أي إجابة؟