خلال العام الماضي وبعد تشكل مجلس الإدارة الجديد طلب مني الكثير من الزملاء التعليق على أداء المجلس الذي يبدو أنه نام في العسل طويلا ولم يقم بأي تطوير للهيئة ويبدو أنه لن يقوم بشيء في السنتين القادمتين فقد أخد منهم تعيين أمين للهيئة عاماً كاملاً (وإن كان تم تعيين أمين عام، فإنه لم يمكث سوى ثلاثة شهور فقط واستقال بعدها) وتم تعيين الأمين الجديد بمعزل عن الجمعية العمومية ودون مشاورتها ودون عرض الأمر عليها (وحتى النظام لو يعطي مجلس الإدارة حق اختيار الأمين العام، فقد كان من الأولى اتباع قاعدة وشاورهم في الأمر، لو كان مجلس الإدارة يريد أن يتبنى ثقافة جديدة تختلف عن المجلس السابق). الحقيقية أن المهندسين لم يعودوا يرون في هذه الهيئة أي جدوى، وفي اعتقادي أنه مع الوقت سوف لن يجدوا أي مهندس يرشح نفسه أو ينتخب فيها مجلس إدارة، وسوف ينفض كل المهندسين من حول الهيئة ويبحثون عن مصالحهم في مكان آخر. ما يحزنني فعلا هو أن مجلس الإدارة منتخب بكامل أعضائه، وفشل هذه التجربة يعني وضع علامة استفهام على عملية الانتخاب بكاملها في بلادنا، فإذا كان المهندسون بكل ثقلهم التعليمي والاقتصادي لا يعرفون كيف يختارون ممثليهم فكيف ببقية أفراد المجتمع؟! تجربة انتخاب المهندسين في دورتها الثانية أفرزت مجلس إدارة لا يشعر بقيمة الهيئة ولا يشعر بالمسؤولية الكبيرة التي يجب أن يقوم بواجباتها تجاه الهيئة ومن اختاروهم لتطوير هذه المؤسسة التي يفترض أن تكون إحدى مؤسسات التنمية في بلادنا. لقد كنت متفائلا عندما بدأ مجلس الإدارة الجديد بتأسيس لجنة استشارية مكونة من خيرة المهندسين في بلادنا، وعندما تم اختيار الأمين العام لم يتم حتى استشارة هذه اللجنة، لأن ثقافة الانفراد بالرأي مازالت تسيطر على أذهان المهندسين، ووجود لجنة استشارية هو مجرد تمويه "إعلامي"ولم يكن نابعاً عن إيمان حقيقي بأهمية "الشورى"، لأن ثقافة الانتخاب نفسها لم تتشكل بعد في هذه المؤسسة رغم أنها إحدى المؤسسات القليلة التي يتم انتخاب جميع أعضاء مجلس إدارتها. ما أشاهده من سلوك إداري غير مسؤول ينبئ بأن هذه المؤسسة سوف تفقد كل مكتسباتها إن لم يكن ذلك عن طريق المؤسسة الرسمية فعن طريق ابتعاد المهندسين عنها، فقد وصلوا مرحلة اليأس من أن تكون الهيئة مفيدة لهم أو أنها يمكن أن تحارب من أجل تأسيس ثقافة هندسية رصينة يعتد بها وأن توجد لنفسها مكانا بين مؤسسات الدولة الكبيرة، فأنا على يقين أن بعض المهندسين لا يعرف بوجود الهيئة فما بالكم بباقي المواطنين. لقد أكدت لكثير من الزملاء أنه يجب أن نعطي مجلس الإدارة الجديد فرصة كي يبدأ بتنفيذ برامجه وأفكاره، وبعد مرور عام لم يعمل مجلس الإدارة أي شيء سوى أنه اختار أميناً جديداً دون أن نعلم كيف تم اختياره. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل إن محاولة المجلس للتطوير توقفت عند فلك المجلس السابق فالاعتماد المهني يتم بأسلوب المنح دون معايير واضحة ودون لجان مهنية متخصصة في كل فرع من فروع الهندسة (وإذا كان هناك لجان فهي غير معلنة)، ولعمري أن هذا الأمر لخطير جدا، فالدرجات المهنية تمنح جزافا دون تمحيص ودون دراية تامة بتبعات هذه المنح بينما تقوم الدول الأخرى بإجراء امتحانات مهنية جادة بل إن الهيئات الشبيهة لهيئة المهندسين في المملكة مثل هيئة المحاسبين السعوديين والتخصصات الصحية تقوم بإجراء امتحانات شاقة لمن أراد دخول العمل المهني. ولا أعلم لماذا هيئة المهندسين فقط هي التي تدور في حلقة مفرغة وتزداد الأمور عندها سوءا عاما بعد عام، أهي الانتخابات وما تفرزه من أعضاء غير مؤهلين يسعون إلى الوجاهة وأن يأخذوا أكثر مما يعطوا للهيئة؟ ما يزيد الطين بلة هو أن مجلس الإدارة الحالي مازال يفكر في تصنيف المكاتب الهندسية الذي أثار ضجة حوله في فترة المجلس السابق وتسعى الهيئة الآن لذلك دون ضجة إعلامية اعتقادا منها أنه يمكن تمرير مسائل تضر بالمهندسين وبالعمل المهني الهندسي بشكل عام، وتحول المهنة إلى ما يشبه قطاع المقاولات خدمة لمصالح البعض، يجب أن يعي أعضاء المجلس أن الهيئة للجميع وأن انتخابنا لهم كممثلين للمهندسين لا يخولهم أبدا الانفراد بالهيئة وعمل ما يشاؤون، فالاعتماد المهني الغير مسؤول وتصنيف المكاتب المقاولاتي سوف يمتهن الهندسة ويحولها إلى قطاع لا يحمل مضامين وأخلاق مهنية لها قيمة. الهيئة تواجه أزمة وفي اعتقادي أن تجربة الانتخاب فيها لم تفرز أي عمل إيجابي حتى هذه اللحظة فالثقافة البيروقراطية المترسبة في عقول أعضاء مجلس الإدارة والرغبة في السيطرة ومسك زمام الأمور جعلت من المجلس الحالي يلغي جميع الشعب الهندسية في جميع المناطق، فقد انقلبوا على انتخابات الشعب وحولوها إلى شعب مركزية جميعها في العاصمة، وتفتح لها فروع في المناطق إلا شعبة العمارة فمقرها في جدة (ولا أعلم لماذا، وليس مهماً أن اعلم لأن المبدأ خطأ). هناك الكثير من الملاحظات على المجلس الحالي، فهو مجلس مخيب للأمل ولا يمكن حتى مقارنته بسابقه الذي كنا نختلف معه لكنه كان يتحرك معلنا كل تحركاته، ولا أتمنى أن يقول أعضاء مجلس إدارة الهيئة السابقون (ما تعرف قديري إلا لما تجرب غيري)، وإن كان يحق لهم فعلا أن يقولوا هذا القول بعد مرور سنة عجفاء على المجلس الحالي. من الواضح أننا نعيش ردة كبيرة في هيئة المهندسين، ولا أكذبكم القول أنني وصلت مرحلة الإحباط من أن الهيئة بصيغتها الحالية وبأسلوب تشكيل مجلس إدارتها الذي لا يمكن أن يكون مجديا في ظل الانفراد بالرأي وتغييب الجمعية العمومية من قبل "المجلس المنتخب"، ولا أعلم حقيقة ما إذا اعتقد أعضاء مجلس الإدارة أن انتخابهم من قبل المهندسين أشعرهم بأبوتهم للهيئة وأعضائها فهم يعرفون مصلحة الجميع. ما أتمناه هو أن يصر المهندسون في جمعيتهم العمومية التي ستعقد بعد أيام على تغيير النظام الإداري بالكامل للهيئة، وأنا على يقين أن من لديهم حس المسؤولية سوف يسعون لهذا التغيير في ظل هذا التراجع الغريب الذي تعيشه الهيئة هذه الأيام.