كنت قد قررت أن أبتعد كليا عن الكتابة أو حتى الإشارة لهيئة المهندسين المتعثرة لدينا لأني فقدت الأمل كليا في هذه الهيئة رغم أنها تمارس العمل الانتخابي ويفترض أن تكون نموذجا يحتذى، لكنها "الثقافة المجتمعية" التي تنعكس على المهندسين و"ذهنياتهم الانتخابية" ونضجهم المهني وشعورهم بالمسؤولية المهنية والاجتماعية وكلها تبددت عبر عمليتي انتخاب لمجلسي إدارة الهيئة السابق والحالي. لقد قررت خلال الفترة الأخيرة الابتعاد وهو قرار ليس بجديد رغم أنني مؤمن بالعمل المؤسسي فقد وضعت اقتراحاً في السابق لتكوين هيئة للمعماريين السعوديين ولم يلق آذاناً صاغية ثم أقترحت أن يكون هناك جمعية للمعماريين الخليجيين ولم تفلح هذه المساعي (رغم أن الإخوان في الخليج قادرون على تشكيل المؤسسات بسهولة فقد قام طلاب جامعة الكويت بتأسيس جمعية لطلاب العمارة الخليجيين في جامعة الكويت ستعقد لقاءها الأول في شهر أبريل السنة القادمة وقد دعوني لذلك اللقاء وأتمنى أن يكون بداية للعمل المؤسسي الخليجي المعماري)، ثم إنني أقترحت أن يكون هناك اتحاد للمعماريين العرب وقد طرح الاقتراح منذ أكثر من أربع سنوات في أحد المواقع الهندسية العربية ومازال يتداول ويعلق عليه وله متحمسون كثر لكننا (نحن المعماريين) لم نخطو خطوة واحدة فالأمر يحتاج إلى تنسيق مع جامعة الدول العربية وهذا ليس أمرا مستحيلا. إن العودة للكتابة عن هيئة المهندسين السعوديين أمر صحي وضروري بين الفينة والأخرى من أجل إنقاذ العمل المهني وإنقاذ الاقتصاد الوطني في المستقبل، خصوصا وأننا نرى بعيوننا ونسمع بآذاننا كل يوم عن المشاريع الهندسية المتعثرة التي تجهض التنمية في بلادنا. ومع ذلك فقد قمت مؤخرا بتأسيس هيئة للنقاد المعماريين العرب مع صديق لي في لندن (الدكتور وليد السيد) وقد أعلنا الهيئة رسميا كمؤسسة معرفية خاصة بالنقاد العرب في جميع أنحاء العالم ورحب بها الزملاء في كل مكان (من أستراليا وحتى أقصى الغرب الأمريكي وبالطبع مرورا بالعالم العربي المتثائب). أقول هذا وأنا أعلم أن العمارة عمل محلي بالدرجة الأولى ومالم يكن العمل المؤسسي المعماري والهندسي محلياً لا يمكن أن تقوم له قائمة، لذلك فإن العودة للكتابة عن هيئة المهندسين السعوديين أمر صحي وضروري بين الفينة والأخرى من أجل إنقاذ العمل المهني وإنقاذ الاقتصاد الوطني في المستقبل، خصوصا وأننا نرى بعيوننا ونسمع بآذاننا كل يوم عن المشاريع الهندسية المتعثرة التي تجهض التنمية في بلادنا وهيئة المهندسين لاحول لها ولاقوة بل إن صلاحياتها صارت توزع على جهات أخرى لأنها هيئة لا تعمل ومنغمسة في مصالح منتسبيها الشخصية والمشاكل الكبيرة بين أفرادها التي جعلت الكل يشكك في الهيئة وأهدافها. والحقيقة هي حتى لو حاولت الابتعاد عن الهيئة وقضاياها المتعثرة فإن كثيراً من الزملاء يلحون علي للكتابة بل ويلومونني أنني تحولت إلى "متفرج" و"سلبي" وهي ليست من عادتي، وقد وصلتني فعلا كثير من الملاحظات ومن الرسائل المكتوبة حول هيئة المهندسين ونظامها الجديد لمزاولة المهنة التي لا أدري هل تم اعتمادها أم لا، فقد صارت تطبخ قرارات الهيئة في الخفاء وهمشت الجمعية العمومية (صاحبة السلطة العليا) وانفرد مجلس الإدارة بمستقبل الهيئة يشكله وفقا لمصالح أعضائه فيدعمون فلاناً ويهمشون آخر دون حسيب أو رقيب، وكما هو معروف من أمن العقاب أساء الأدب، خصوصا عندما تتداخل الرغبات والمصالح الشخصية في عمل يمس قطاعاً وطنيا/اقتصاديا مهماً مثل قطاع الهندسة. ويمكن أن أجمل الملاحظات التي وردتني حول النظام في نقاط سريعة ويمكن أن نعود في المستقبل للتفاصيل وتأثير النظام الجديد على مستقبل الأجيال الهندسية الشابة. فالمسألة الأولى هي يجب أن تتشكل لجنة اعتماد المهندسين من قبل الجمعية العمومية أولا ثم يجب أن يكون أعضاء اللجنة من غير أصحاب المكاتب الهندسية حتى لايكون هناك تعارض في المصالح بحيث تتكون اللجنة من خارج الأعضاء العاملين مباشرة في القطاع المهني ويقترح البعض أن تكون هناك لجان متخصصة في كل قطاع هندسي مكونة من مجموعة من الأساتذة المتخصصين في المجال، في الجامعات السعودية، يتم اختيارهم عبر الجمعية العمومية ويمكن أن يكون بعضهم من موظفي الدولة من ذوي الخبرة (فكلا القطاعين لا يحق لهم ممارسة المهنة). ويرى البعض أن الهيئة بوضعها الحالي وتركيبتها الإدارية التي تتضارب فيها المصالح يجب أن تسعى في المستقبل القريب أن "تفرغ مجلس الإدارة" أي أن من يريد أن يكون عضوا في مجلس الإدارة يجب أن يتفرغ كليا لعمل الهيئة طيلة فترة الادارة أو تقلل صلاحيات مجلس الإدارة إلى مجرد "مجلس استشاري" وتحول الصلاحيات كليا إلى الجمعية العمومية بما في ذلك اختيار وتعيين الأمين العام. فعندما يقترح مجلس الإدارة يتم التصويت على الاقتراح في الجمعية فإما أن يقر أو يرفض. ومع ذلك يجب أن أقول إننا مجتمع يصعب علينا تقبل الأنظمة الصارمة ويبدو أننا لم نتعلم بعد كيف نعمل وفق نظم وقوانين، وتعودنا على الفوضى وهذا الكلام ليس موجها لمجلس إدارة هيئة المهندسين، وإن كان هذا ينطبق عليهم فعلا، لكنه كلام موجه للمهندسين أنفسهم فقد وصلتني ملاحظات ترفض التسجيل في الهيئة وترى أن في ذلك تضييقاً على المهندسين والمعماريين وأنا أرى أن التسجيل والاعتماد المهني مسألة لا يمكن التراجع عنها فهي التي تضمن الجودة والمشكلة هنا هي في كيفية التسجيل والاعتماد ومن هو المؤهل لمثل هذا العمل، أما أن يقوم مجلس الإدارة بهذا العمل (من خلال لجان هزيلة يعينها بنفسه)، وأن يعتمد مجلس الإدارة نفسه لأن معظمهم أصحاب مكاتب، فهذا خطر كبير لا يمكن أن نرضاه، فنحن من انتخبنا هذا المجلس ونحن من سنسقطه بإذن الله في الانتخابات القادمة، فلقد سمعت عن ممارسات كثيرة خاطئة يقوم بها أعضاء المجلس الحالي لكني لست متأكداً فعلا منها ولعلي أقول "إن بعض الظن إثم" لكن لا يوجد دخان من غير نار. ولا أريد هنا أذكر ما وصلني من تظلمات حول ممارسات مجلس الهيئة فهي دون إثباتات لكن كثيراً منها تصب في خانة "تضارب المصالح" التي يجب أن تحل بشكل جذري، حتى ينجلي الأمر ويرتاح الجميع، فقد أشار بعضهم للمادة الحادية عشرة التي تمكن الهيئة من سجن المهندسين الذين يخالفون نظام التسجيل، وهذا في حد ذاته أمر خطير في ظل الحالة الراهنة للوضع الإداري للهيئة. وبشكل عام، إما أن يصبح أعضاء مجلس الإدارة متفرغين لإدارة الهيئة أو يتحول المجلس إلى "مجلس شورى" ويتم الاقتراح على القرارات في الجمعية العمومية وهو الأنسب من وجهة نظري الشخصية. اعتقد أن على المهندسين في بلادنا أن يجتمعوا تحت كلمة سواء وأن يراجعوا ما فاتهم ويبحثوا عن مصلحة الوطن التي هي مصلحتهم الشخصية، فأعضاء مجلس الادارة مهما طال بهم المكوث في أماكنهم فإنهم لن يستمروا للأبد وسوف يحترقون بالنار التي أشعلوها في يوم من الأيام. ولأننا ننشد جميعا المصلحة العامة فأنا على يقين أن الزملاء في مجلس إدارة الهيئة لديهم الوعي الكافي كي يجعلوا المنتسبين لهذا الكيان المهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، والله الموفق.