وصلتني العديد من الرسائل والمكالمات الهاتفية خلال الشهور الماضية كلها حول "تعجرف" هيئة المهندسين وعدم التفات مجلس إدارتها لمصالح المهندسين والتركيز على مصالحهم الخاصة، كما بعث لي العديد من الزملاء الكثير من الملفات الهندسية الساخنة خصوصا تلك المرتبطة بوضع التنظيمات والتي لم يأخذها مجلس الإدارة مأخذ الجد وكلها قضايا لها ارتباطات عميقة بعمل الهيئة ودورها الفعلي، إلا أن الهيئة وحسب رأي "المهندسين"لم تعمل شيئا حتى الآن. بالنسبة لي لم أتفاجأ من كثرة الشكاوى قد كانت هذه قناعتي من أول شهر بدأ مجلس الإدارة الجديد "المنتخب" عمله، وأذكر أنني كتبت مقالا عنوانه "عقلية الاستحواذ: هيئة المهندسين كمثال" (الرياض، السبت 5جمادى الآخر 1427ه - 1يونيو 2006م - العدد 13886) أثار غضب مجلس الإدارة لكنه لم يجعلهم يفكرون بجد كيف يمكن أن يستثمروا الفرصة الانتخابية التي أوصلتهم إلى قمة هرم "المهندسين" ولم يحاولوا أن يقدموا القدوة والمثل بأننا مجتمع يعي قيمة "الانتخاب" ويقدر مسؤوليته، فها قد مرت الأيام ولم يقدم المجلس المنتخب أي جديد ولم يعمل شيئا في الهيئة يثير الاهتمام، بل دفع المهندسين للشكوى والتذمر أكثر وجعلهم يترحمون على أيام "لجنة المهندسين" رغم صلاحياتها البسيطة ورغم أن مجلس إدارتها كان معينا. لا بد أن اشير هنا إلى أن هيئة المهندسين كمؤسسة (يفترض أن تكون واعية ومثقفة ومهنية) كان الجميع يتوقع منها أن تؤكد أن ثقافة الانتخاب هي الحل لكثير من المشاكل المجتمعية لكنها أكدت العكس وبينت أن "الانتخاب" هو مجرد غطاء للوصول إلى مواقع يمكن استثمارها للمصالح الشخصية أقلها الظهور في وسائل الإعلام أما العمل الحقيقي الذي يفترض بالهيئة أن تقوم به هو في آخر سلم الأولويات. لقد قررت مقاطعة كل أنشطة هيئة المهندسين وعدم الكتابة عنها منذ لقاء الظهران (مايو 2006) (الجمعية العمومية) الذي تم فيه تمرير أنظمة غير منطقية وموافقة أغلب المهندسين على تلك الأنظمة في ذلك اللقاء لمجرد "التحزب" ومساندة أشخاص في مجلس الإدارة لهم انتماؤهم "الايديولوجي" دون الالتفات للصالح العام ولمصلحة المهندسين على المدى الطويل، منذ ذلك الوقت توصلت لقناعة انه لم يحن الوقت المناسب للعمل مع الهيئة ورغم أنني كنت احد أعضاء لجنة الانتخابات التي أشرفت على سير انتخابات الهيئة وقد كانت حملة انتخابية موفقة إلى حد كبير لم يشبها إلا بعض التدخلات البسيطة التي لم تؤثر على النتائج وكنت سعيدا بتلك الحملة الانتخابية وفرحا بهذه الثقافة الجديدة التي صارت تتصاعد في مجتمعنا حتى أنني كتبت مقالا اعبر فيه عن هذا الابتهاج (هيئة المهندسين: انطلاقة لثقافة انتخابية مهنية، في جريدة الرياض، السبت 6شعبان 1426ه - 10سبتمبر 2005م - العدد 13592). على أن هذا الابتهاج لم يدم طويلا لأنه يظهر أننا تعودنا على التفرد بالرأي والاستمتاع بالسلطة المطلقة، أما مبدأ "وشاورهم في الأمر"، فقد أصبح في خبر كان بعد لقاء الظهران الذي تم فيه تمرير "اختطاف الجمعية العمومية" التي تعتبر السلطة العليا في الهيئة وأصبح من حق مجلس الإدارة التفرد بالرأي دون محاسبة. بالنسبة لي كان الأمر واضحا وقلت حينها ان الهيئة لن تقدم شيئا وقد مرت قرابة السنتين الآن وقاربت فترة المجلس الحالي على النهاية دون أن يقدم شيء. من الواضح أنه يوجد لدينا خلل في فهم "المجتمع المدني" ويبدو أننا لم نتعود بعد كيف نعمل ضمن ثقافة انتخابية تدفع بالمتميزين إلى قمة الهرم بدلا من التحزب القبلي (كما حدث في بعض حالات انتخابات المجلس البلدي) أو "الايديلوجي" الذي عادة ما يفرز حالات تشبه حالة هيئة المهندسين التي أذكر أنني تحدثت لعضو المجلس المسؤول عن التعليم الهندسي وقلت له لماذا لا تبني الهيئة شراكات تعليمية مع كليات العمارة والهندسة في المملكة وعرضت عليه شراكة جاهزة مع جامعة خاصة لديها المرونة الكافية للعمل مع الهيئة فقال لي سوف ابحث هذا مع مجلس الإدارة وسوف أرد عليك ولم يصلني الرد حتى الآن (مر على ذلك الحديث عامان)، قلت الأمر قد لا يكون مهما وأن مجلس الإدارة مشغول بأعمال عظيمة سوف تجعل من المهن الهندسية فعالة ومؤثرة ومازلت مثل غيري من المعماريين والمهندسين ننتظر تلك الأعمال التي ستغير من واقع السوق الهندسية في بلادنا. على أنه سيكون علينا أن ننتظر طويلا فمجلس الإدارة مشغول بقضايا أخرى لعل أهمها تحييد المرأة وعزلها هندسيا فهذا ما سمعته من عضوة مجلس الإدارة الوحيدة في الهيئة التي قدمت محاضرة في كلية دار الحكمة الأسبوع الفائت انتقدت فيها ممارسات مجلس الإدارة ضدها لكونها امرأة وذكرت بالتفصيل محولات مجلس الإدارة المستميتة لعزلها طيلة العامين الماضيين، ويبدو أن هذا ما كان يشغل مجلس الهيئة فهذا عمل عظيم فكيف تجرؤ امرأة على ترشيح نفسها لمجلس الإدارة وكيف يجرؤ المهندسون على انتخابها، فقد كان هذا خطأ عظيما بالنسبة لهم جعلهم يصرفون جل وقتهم للعمل على عزل هذا العنصر الدخيل. ما أود أن أقوله هنا ان هيئة المهندسين بمجلس إداراتها الحالي تغرد خارج السرب وللأسف الشديد لم يستطع مجلس الإدارة أن يجمع تحت جناحيه المهندسين بل دفع الكثير منهم لاتخاذ مواقف سلبية من الهيئة وهذا يؤكد أننا بحاجة إلى مراجعة كبيرة لثقافة "الاختيار" لأن الهيئة ستبقى ومجلس الإدارة سوف يغادر وأتمنى في المرة القادمة أن نحسن الاختيار وأن نبتعد عن العاطفة والتحزب لأن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وإذا ما تركنا العنان لعواطفنا ولعلاقاتنا الشخصية كي تتحكم في اختيارانا فسوف تكون العواقب وخيمة.