حين تخسر الشركة أو المؤسسة أو الدائرة الحكومية فأول من يجب أن يحاسَب هو المدير، ويجب محاسبة مجالس إدارة الشركات التي تستمر خسائرها أكثر من عام، ولابد من سؤالهم: هل بحثوا عن الأسباب الحقيقية للخسارة؟ وهل أعطوا الصلاحيات المناسبة كلّ تقدم وازدهار يبدأ من الإدارة الواعية الحازمة النزيهة، وكل إخفاق وتعثر يبدأ من الإدارة أيضا، أهدَيت قبل أسابيع كتاب (من القلب مباشرة) لجاك وولش المدير التنفيذي لشركة جي إي لصديق يحتل مركز مدير عمليات في شركة ناشئة مهمة، الجميل أن هذا المدير الشاب لم يكتف بقراءة الكتاب بل أهداني كتاباً أجمل منه لم يترجم بعد للغة العربية وعنوانه"من الأسوأ إلى المركز الأول"لجوردن بيثيون" "Gordon Bethune" والذي يحكي فيه قصة إنقاذ شركة كونتننتال للطيران، وكانت على وشك إعلان إفلاسها، وتصنف في ذيل القائمة من حيث انتظام الرحلات ومواعيدها، وضياع الحقائب، وعدم رضا الزبائن عما يقدم لهم من خدمات ووجبات، لتحتل المركز الأول بعد سنتين بفضل مديرها الجديد صاحب الكتاب. وقد كان جوردن هو المدير العاشر من بين القادة الذين تعاقبوا على شركة طيران كونتننتال خلال عشر سنوات، سارت خلالها الشركة من سيئ إلى أسوء، وقد تمثلت مشاكل الشركة في تدني الروح المعنوية للموظفين وتردي الإنتاجية، وعزوف المسافرين عن السفر مع الشركة وتراكم الخسائر إلى درجة أن الشركة بدأت تفكر جدياً في إعلان إفلاسها، وكان من أهم أسباب خسائرها وجود مجلس إدارة أساء اختيار المدير التنفيذي وعدم إعطاء الصلاحيات المطلوبة لإصلاح العطب. بدأ المدير الجديد بوضع الخطط للنهوض بالشركة وطلب الصلاحيات اللازمة من مجلس الإدارة أو الانسحاب والعمل مع شركات منافسة. أحضر معه فريقاَ متخصصاَ في الشؤون المالية والتدريب والصيانة. يقول:ركزنا على المهمة الأساسية للشركة وهي نقل الركاب من مدينة إلى أخرى براحة وأمان وحسن معاملة مع ضمان وصولهم في الوقت المناسب ومع حقائبهم، لكن هذه المهام لن يكتب لها النجاح إلا بموظفين محترفين ولديهم الحماس والإحساس بالمسؤولية لفعل ذلك، وقد كانت الروح المعنوية متدنية جداً والثقة شبه معدومة بين الإدارة والموظفين إلى درجة أننا حين أعلنا عن حزمة إصلاحات وحوافز لم يصدقونا، كانت الإدارات السابقة تحاول أن تقلل الخسائر عن طريق تقليل الحوافز والرواتب والبدلات، والتدريب إلى درجة أن الموظفين صاروا يتعمدون تأخير الرحلات ووصول الأمتعة نكاية بالإدارة. يقول هذا المدير وضعنا أربع خطط واحدة سميناها "نطير لنكسب" وهي تتناول استراتيجية التسويق، وما هي أفضل وسائل الكسب وتقليل الخسائر، والثانية سميناها الاستثمار في المستقبل وتتطرق للامور المالية للشركة، فلا مستقبل بلا استثمار، ونظام مالي ناجح، وقد اكتشفنا أن الشركة تمتلك نظاماً مالياً يعد من أسوأ الأنظمة على الإطلاق، نظاما قديام لم يعد يواكب العصر، وأصبح في السوق أنظمة أفضل منه بكثير. وركزت الخطة الثالثة على الإنتاجية، ومهما كانت الخطة الأولى والثانية جيدتين فلن تصلحا إلا بإنتاج عمل يرضى عنه المستفيد وهو نقله وأمتعته إلى المكان الذي يريده في الوقت المناسب، وهناك قانون مهم وهو أن ما تحصل عليه في النهاية هو ما يمكن قياسه والمكافأة عليه، وضعنا مبلغاً مقطوعاً يُعطى لجميع العاملين في الشركة نهاية كل شهر حين يحققون نسبة مئوية معينة من الإنجاز، لم يصدقنا الموظفون لكن بعد استلام أول راتب تأكدوا من ذلك. والخطة الرابعة والأهم هي بيئة العمل والروح المعنوية للعاملين، أو ما يسمى ثقافة الشركة، لن تنجح جميع الخطط ما لم يعمل الجميع كفريق واحد وبروح الجماعة، مثله مثل فريق كرة القدم فعادة يفوز الفريق المتحمس المتحفز والذي يتمتع بروح معنوية عالية وانضباط وليس من يفتقد تلك الصفات حتى ولو امتلك أفضل اللاعبين.وهكذا في كل مناحي الحياة. وقد أفرد المؤلف فصلاً كاملاً لكل خطة وتحدث عنها بالتفصيل، وتحدث عن خطوات مهمة كثيرة اتخذها، كالقضاء على الأبواب المغلقة وبدأ بمكتبه الذي فتح أبوابه لكل من لديه فكرة أو رأي يفيد الشركة، كما أجرى تعديلات كثيرة على مناصب المسؤولين في الشركة، مع وجود المديرين في كل مكان يوجد به نشاط مهم. وقد أوردت هذه النبذة عن هذا الكتاب للتركيز على أهم النقاط وهي: 1.الإدارة هي أساس نجاح أو فشل أي منشأة سواء في القطاع العام أو الخاص، بدءاً بما يصادفك في مشوارك اليومي ومع من تتعامل معه من يوم لآخر، سواء أكان هذا المرفق شارعاً كثرت مطباته وحفره، أم مستوصفاً مهمته صرف الدواء فقط، أم مدرسة تعامل الطلبة كعبء يجب التخلص منه، أم مطاراً أم خطوط طيران، أم شركة متعثرة تعلق إخفاقاتها في كل عام على أسباب خارجة عن إرادتها لتبرير خسائرها المتراكمة. 2.لا إصلاح إلا بتغيير مستمر مع وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ومحاسبته، فحين تخسر الشركة أو المؤسسة أو الدائرة الحكومية فأول من يجب أن يحاسَب هو المدير، ويجب محاسبة مجالس إدارة الشركات التي تستمر خسائرها أكثر من عام، ولابد من سؤالهم: هل بحثوا عن الأسباب الحقيقية للخسارة؟ وهل أعطوا الصلاحيات المناسبة؟ وهل أجروا التغيير المناسب، وأهمها هل اختاروا الرجل المناسب؟ 3.ثقافة المؤسسة من أهم ما يجب أن يهتم به المدير فاستمرار الخلافات والتفرقة والمحاباة والفساد تعدُّ من أهم عوائق انطلاق المؤسسة وتحقيق الأرباح. هذا الكتاب جدير بالترجمة والقراءة من قبل كل قائد ومدير، والمملكة لديها إمكانات كبيرة وعقول متميزة تمكّنها من تقليل الاعتماد على مصدر واحد ناضب وخصوصاً في مجال التصنيع والخدمات العامة، والطريق إلى ذلك هو الاهتمام بالإدارة ومحركها الأساس وهو الإنسان.