بصراحة ووضوح، لم أجد أبلغ من هذه الفقرة أقدم بها زاوية اليوم: " إن التحديث المتوازن والمتفق مع قيمنا الإسلامية التي تصان فيها الحقوق مطلب هام في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين والمترددين"، فالملك عبدالله في الوقت المناسب والمكان المناسب والتاريخ المناسب كتب فصلا جديدا في تاريخ هذه البلاد، إذ ليس كافيا أن نحتفل بيومنا الوطني وما حققه الآباء وإنما أن نحافظ على ما تحقق بتطويره بما يتفق مع روح العصر دون خروج على ديننا وقيمنا. لن نتحدث اليوم عن الإجراءات التنفيذية للقرار، وإنما علينا ان نحتفل به وأن نعتز بهذا القائد الذي يسابق بنا الزمن في خطوات إصلاحية شجاعة ومؤصلة ولا يستطيع أحد المزايدة عليها. ما تحقق هو في واقع الأمر تقدير لمكانة المرأة السعودية وما وصلت إليه، وفيه أيضا تأكيد على أن صحة السياسة والاقتصاد واستمرار النمو والتطور يتطلب إشراك المرأة على مستوى التنفيذ والتشريع جنبا إلى جنب مع الرجل. وهو قرار يتسامى فوق القشور والمطالب ضيقة الأفق التي يفرضها تطور المجتمع دون تدخل سياسي بقرار من أعلى هرم في السلطة. المرأة في الشورى، والمرأة تصوت ويصوت لها هما قراران فارقان في مسيرة البناء والتحديث. تشير إحصائيات منشورة إلى أن مجموع أعضاء برلمانات العالم وما يدخل في حكمها يقدر بحوالي 45 ألف عضو تمثل النساء ما نسبته حوالي 19% فقط. وتحتل الدول الأوروبية صدارة التمثيل الأعلى للمرأة في البرلمانات بنسبة تصل إلى 42% وأمريكا الشمالية والجنوبية بمعدل يصل إلى 22% بينما يقبع العرب في القاع بما نسبته 10% تقريبا. وذلك يعني أن المرأة على الرغم مما حققته من مكاسب في دول سبقتنا بعقود من الزمن في هذا المضمار لم تحقق الكثير بعد وأن المجال متاح وبقوة للمرأة السعودية بأن تلحق بالركب العالمي وأن يكون لها بصمة مؤثرة مستقبلا. تعاملت مع كثير من النساء العاملات في مواقع شتى فوجدت المرأة السعودية تفرض احترامها ومكانتها من خلال التزامها بأداء ما يوكل إليها وتطويره بما يفوق الرجل في نفس المجال في كثير من المجالات، وهي تتمتع بحس إنساني يكسب قراراتها ورأيها بعدا عاطفيا يتغلب على جفاف الأنظمة والتعليمات، وبالتالي فإن القضايا ذات المساس بالمرأة والأسرة سوف تكتسب من لحظة دخول المرأة مجلس الشورى والمجالس البلدية نكهة خاصة تتسم بالقرب الشديد من أكثر من نصف المجتمع عددا وتتماهى مع حاجات كان يصعب على الرجل اكتشافها والتعامل معها بصدقية رغم اجتهاده في ذلك. قرارات الملك عبدالله الجريئة في الحق وبالحق ستسهم في إعادة صياغة مجتمع متوازن بعيد عن سيطرة الرجل، وفي الوقت ذاته فإنه ينتظر من المرأة أن تدرك ما يعانيه الرجل السعودي تحديدا من أعباء مضاعفة لا يتحملها رجل في هذا العالم؛ وينتظر منها أن تسهم بالرأي والمشورة في تخفيف العبء عن كاهل الرجل على المدى البعيد من خلال مشاركتها في صناعة القرار بما يكفل حقوق الرجال والنساء. أعتقد جازما بأن ما تطالب به المرأة سوف يجد طريقه تدريجيا وفق الضوابط الشرعية وبما يتواكب وحركة التغير المجتمعي دون حرق متهور للمراحل أو بطء قاتل لعملية التطوير والتحديث. المرأة السعودية نتاج هذا المجتمع المسلم المحافظ ولذلك فلا خوف من مشاركتها وخروجها، ولا قلق من إسهامها في صناعة القرار على أعلى مستوياته، ستبقى في نهاية المطاف تلك النبتة الوفية لبيئتها بتدينها ومحافظتها وأصالتها ومعاصرتها. وستكون المرأة في مجلس الشورى وفي المجالس البلدية بوابة من الخبرة تلج من خلالها كثير من القرارات التي تستهدف إصلاح وضع المرأة، وسيكون لوجودها إسهام حقيقي في تحديث الأنظمة والتشريعات التي تصب في صالح المجتمع السعودي المتكامل.