رغم أن منزلهم لا يبعد سوى بضعة أمتار عن مجمع تجاري كبير في وسط قريته الصغيرة، إلاّ أن الطفل "محمد" لم يمنعه ذلك من فرش بسطته المصنوعة من البلاستيك في الطريق المؤدي لذلك المجمع مع إشراقة صباح يوم العيد؛ ليبيع فيها ما يطلبه الأطفال من حلويات وألعاب وسندويتشات وبليلة. ويحرص محمد (13 سنة) ومنذ أن كان في سن السابعة وقبل أيام من حلول عيد الفطر على مرافقة والده إلى مدينة الهفوف؛ لشراء مستلزمات البسطة التي لا تباع إلاّ في بعض محلات بيع الحلويات والمكسرات والألعاب الصغيرة، ويستمر في فرش بسطته خلال الأيام الثلاثة للعيد حتى يبيع كل ما تحتويه البسطة. ويحظى "محمد" وأقرانه من أصحاب البسطات المجاورة له بتشجيع آبائهم وحرصهم على الإبقاء عليها رغم ضعفها، وتولد هذا الإصرار لدى الآباء لكونهم يعتقدون أن مثل هذه المظاهر التقليدية تعيدهم إلى أيام طفولتهم فيشعرهم هذا الأمر بشيء من السعادة التي بهتت مع تقدم العمر وتغير أنماط الحياة. والزائر لقرى الأحساء التي يزيد عددها عن 30 قرية سيلحظ كيف يمثل انتشار هذه البسطات حفاظاً على الصورة النمطية للعيد، وكيف أبقت على نكهة عيد أيام زمان رغم ما شهده العيد من تغير أنماط الفرحة فيه. زبائن البسطة يستغلون «العيدية» لشراء الحلويات ويرى آلاف من القاصدين لجبل القارة في العيد عشرات هذه البسطات تلتف حول قاعدة الجبل والقرى المحيطة فيه وهي بلدات القارة، التويثير، الدالوة، التهيمية، فيتوقف بعض السياح الأجانب للتعرف على هذه البسطات والتحدث إلى أصحابها. ويرى المربي "عبدالله البريه 53 سنة" في هذه البسطات صورة مشرقة لحرص أهالي الأحساء على تهيئة الآباء للأبناء على العمل، والاعتماد على النفس، مع ما فيها من فرحة وبهجة يشعر بها الطفل عندما يحصل على ربح جيد بعد انتهاء العيد. وكانت طرقات وأزقة قرى الأحساء وحتى مدنها ومنذ أكثر من 50 سنة تكتظ ببسطات العيد، ومعها تعلوا أصوات أصحاب تلك البسطات الذين كانوا يرددون عبارات لتسويق محتويات بسطهم حتى كانت تتداخل الأصوات، وكانت تلك الطرقات تكتظ بالأطفال الذين يسارعون وبمجرد حصولهم على العيدية التي لا تتعدى بعض القروش على الاستمتاع باقتناء الحلويات والألعاب، والدخول في لعبة "الحظ" التي كانت تحمل صور المشاهير من اللاعبين والفنانين، وكانت تمثّل روح البسطة التي لا غنى عنها، حيث يتسابق الأطفال على الدخول في الحظ لتعلو الصيحات في حالة الفوز بعلبة ثمينة من داخل الحظ، كما كانت الصورة ذاتها تتكرر مع البالونات التي يدخل فيها الحظ كذلك كونها مختلفة الأحجام حتى إذا ما فاز الطفل ببالون كبير فإنه يطير فرحة وصراخاً!. وكان أصحاب البسطات من الأطفال يتباهون بأي بسطاتهم أكبر حجماً وتنوعاً، ويحرص بعضهم على شراء الألعاب الجديدة لجذب الزبائن.