إن من طبيعة النفس البشرية، التي لا يمكن إنكارها، أو التنكر لها، هو حب الذات. فمن الصعب أن نطالب الإنسان أن يتنكر لها، ويفكر في مجتمعه فقط، أو يطلق العنان لها، وإنما لابد أن يؤمن المرء بقدراته الكامنة، وجدارته الشخصية الداخلية، وأهميته كفرد في مجتمع وأمة، ما يجعل شعور التقدير لذاته يشمله، ويزّين أيامه باحترامه نفسه وغيره، ويؤكّد لديه أنه حلقة لها قيمتها في سلسلة المجتمع والحياة الإنسانية، وذلك في إطار الضوابط الشرعية والاجتماعية، وإلا فسوف تتحول مشاعر الإنسان إلى عدم الرضا عن نفسه، واحتقار ذاته؛ بسبب ما يرافق إحساسه بالذنب من ظروف، أو أحداث تدفعه إلى الخجل، وهنا يشعر بفقدان قيمته الذاتية، وفي كل الأحوال لابد من ضبط كفة الميزان، فلا تميل كل الميل لأحد الطرفين، فتكون إما بين هضم لحقوقه الشخصية، وإما لفرط في حب ذاته، فيضر نفسه ومجتمعه، فيستعمر الآخرين، ويستثمر جهودهم، ويعتدي على ممتلكاتهم وحقوقهم، فهذا شيء طبيعي حتى قال الشاعر: والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم وهنا أذكر بعض المظاهر التي كان حب النفس سبباً من أسبابها، حيث يروي أحدهم أنه في يوم من الأيام اصطحب زوجته إلى أحد المطاعم الراقية، وبينما هو في انتظار تحضير طلبه، وفي جو رومانسي، فإذا بأحد الزبائن في المطعم يرفع صوته بالغناء، ما أثار الدهشة بين الحاضرين. يقول فانتظرت قليلا لعله يخفض صوته في مثل هذا المكان العام، ولكن من دون جدوى، وعندها تذمر الحاضرون ولم يتدخل أحد من القائمين على خدمة المطعم، وفجأة فإذا بأحد زبائن المطعم ذلك الشاب العملاق يطرق الباب عليه ويلجمه بكلمات لم يستطع بعدها الرد عليه، أو إكمال تصرفه الأرعن. ويواصل قائلا: إنه ورغم فخامة المطعم إلا أنه رأى تصرفات يتجرد منها العاقل، فكتابات على الطاولات، وتمزيق لأغطية المقاعد، وحدث ولا حرج. ويقول وعندما خرجت من المطعم فإذا بأحدهم قد أوقف سيارته خلفي ما جعلني أدور وأبحث كالتائه؛ لأتوصل أخيرا إلى صاحبها. فكل هذه المشاهد، وإن كانت تتكرر دائما أمامنا، لكنها ذات مدلولات عديدة، ونرى فيها أن القاسم المشترك بينها ينطوي تحت منظور الإفراط في حب الذات، بما يجعل صاحبه أنانياً لا يرى إلا نفسه، ويريد كل شيء لها وحدها، حتى وإن حدا به الأمر أن يتعدى على غيره، في أي صورة من أجل أن يرضيها، فحذاري أن نقع في شباكها، فإنها لا تورث إلا الغرور الذي هو طريق الندامة.