لقد ارتفعت في هذه الأيام حمى الاستثمار الزراعي في الخارج في الصحف وفي الندوات ونشرات الأخبار وبحماس شديد وكأنها العصى السحرية التي ستحل كل مشاكلنا وتؤمن لنا أمننا الغذائي. ومن حيث المبدأ فالاستثمار في الزراعة في ظل هذا الارتفاع الهائل في أسعار المنتجات الزراعية هو أمر مطلوب بشرط ان لا يكون على حساب الزراعة المحلية وان يسبقه دراسة مستفيضة للأسلوب الذي سيتم به الاستثمار والمناطق التي يجب ان يتوجه إليها تلك الاستثمارات، حيث يجب ان تكون من المناطق المشهورة بزراعة القمح والتي يتوفر فيها الاستقرار السياسي والخبرة والأيادي العاملة المدربة والمناخ البارد المناسب للقمح والزراعة المطرية والموانئ المهيأة للتصدير ووسائل النقل الحديثة، وهذه العناصر لا تتوفر إلاّ في بلدان مثل أوكرانيا أو كندا أو استراليا، أما السودان فهو بلد مستورد للقمح ومناخه حار وأغلب إنتاجه هو زراعة الذرة وقصب السكر. ولذلك يجب ان نكون حذرين وان لا نرتهن أمننا الغذائي في بلدان غير مستقرة ولا نخاطر بأموالنا مجاملة لأحد أياً كان. كما أنه يجب ان يكون الاستثمار بمبادرة من رجال الأعمال وعلى مسؤوليتهم فهم يعرفون كيف يستثمرون أموالهم ولا يضعون أقدامهم إلاّ على أرض صلبة ويعرفون (من أين تؤكل الكتف)، ولذلك (لا تجد رجال الأعمال يستثمرون في الزراعة إلاّ ما ندر) وان لا تدفع الدولة ريالاً واحداً ولا حتى القروض بل تكتفي بالدعم اللوجستي مثل توقيع اتفاقيات ثنائية تضمن لرجال الأعمال حفظ حقوقهم وإعطائهم تسهيلات في الموانئ وشراء القمح منهم بسعر ثابت لأن الدعم المادي يجعل رجال الأعمال يعتمدون على الدولة ويكون همهم الحصول على المكاسب السريعة دون حسابات للنتائج كما حصل إبان بداية دعم الدولة للقمح، حيث سارع الكثير من رجال الأعمال الأثرياء إلى مزاحمة المزارعين القدامى واستثمار أموال طائلة من أجل الحصول على الأسعار المغرية للقمح (ثلاثة ريالات ونصف للكيلو) وعندما خفضت الدولة الاعانة انسحبوا بسرعة (ولم يبق في البئر إلاّ حصاها) كما يقول المثل، وبذلك نسلم من المخاطرة بأموال الدولة في استثمارات محفوفة بالمخاطر وغير مأمونة العواقب وان توجه هذه الأموال إلى الإنتاج من أراضينا وبأيدي فلاحينا فهم أحق بها من غيرهم. وهناك من يرى أنه من الأفضل ان يتم الاتفاق مع منتجي القمح والشعير والأرز مباشرة وشرائه منهم بأسعار ثابتة ومقبولة على ان يتم دفع الثمن مقدماً واستلام البضاعة مؤجلاً، وهذا ما يسمى لدى الفقهاء بيع السلم، حيث يتم دفع ثمن البضاعة مقدماً واستلامها مؤجلاً بحيث يستفيد المنتجون من الثمن المقدم وتتخلصون من فوائد البنوك ويستفيد المشتري من الثمن الرخيص للبضاعة على ان يكون ذلك بضمان من حكومات تلك الدول وعلى ان لا تضيف تلك الحكومات أية ضرائب جديدة. @@@ لقد تأخر كثيراً إنشاء المختبرات في أسواق الخضار وفي المنافذ الحدودية بالرغم من أهميتها البالغة لصحة المستهلكين وحمايتهم من سموم المبيدات الزراعية. وقد فوجئ الجميع بتصريح لمساعد وكيل وزارة الزراعة لشؤون الأبحاث والتنمية الزراعية ينفي فيه مسؤولية وزارة الزراعة عن إنشاء مثل هذه المختبرات وان هذا يقع في دائرة اختصاص عدة جهات حكومية. والحقيقة أنه أياً كانت الجهة المسؤولة عن إقامة مثل هذه المختبرات وتمويلها فإن مسؤولية تحديد الجهة المسؤولة عنها ومتابعة إنشائها والإشراف عليها وايقاع العقوبات بالمخالفين من مسؤولية وزارة الزراعة لأنها هي التي تمنح تصاريح استيراد المبيدات الزراعية وهي التي تعرف الأضرار الناتجة عن إساءة استعمالها لذلك يجب الاسراع فوراً بإنشاء هذه المختبرات. إن جميع المزارعين الآن يستعملون مبيدات ذات سمية عالية وباسراف ولا يتقيدون بفترة التحريم الموجودة على العبوات، بل انه يتم بيع الخضار بعيد رشها مباشرة مع ان هناك بعض المبيدات والمعقمات التي تستعمل محرم استعمالها دولياً إضافة إلى استعمال مياه الصرف الصحي في سقيا مزارع الخضار وبالتحديد الورقية والتي تؤكل نيئة مع أنه لم يتم معالجة تلك المياه، وهذا موجود في كل مدن المملكة التي يوجد بها صرف صحي وقد تكون سبباً في انتشار بعض الأمراض التي لم تكن معروفة من قبل فبادروا أيها الاخوة بإنشاء هذه المختبرات بأقصى سرعة ممكنة فعلى الرغم من ان قيمتها المادية متواضعة فإن نتائجها كبيرة جداً فهي الخط الأول لحماية صحة المواطنين وهذه المختبرات لا تحتاج إلى وقت للدراسة ولا إلى اعتمادات مالية كبيرة فهي لا تتعدى وجود غرفة وتزويدها بالأجهزة اللازمة وهذه يمكن ان تقوم بها الشركات المسؤولة عن الأسواق أو تكليف أي مؤسسة خاصة بهذه المهمة نظير رسوم رمزية تتقاضاها على ان يكون الإشراف لوزارة الزراعة وقد سبق ان كتبت عن هذا الموضوع في جريدة "الرياض" في عددها الصادر برقم (11452) وتاريخ 1420/7/23ه وكتبت لمعالي وزير الزراعة السابق الدكتور عبدالله المعمر وبحثت معه هذا الموضوع عندما التقيته في مناسبة عامة ووعدني بأن الموضوع تحت الدراسة. @@@ رفعت شركة سابك أسعار الأسمدة التي تنتجها بنسبة كبيرة جداً تفوق كل التوقعات فعلى سبيل المثال تم رفع سعر اليوريا خلال سبعة شهور بما يقارب 88% وأيضاً سعر سماد الداب ما يقارب 300% . وإذا استمر الأمر على هذا الحال فسوف تتوقف زراعة الخضار وسترتفع الأسعار ارتفاعاً كبيراً فلماذا تقف وزارة الزراعة موقف المتفرج أو أنها تطبق القاعدة التي تقول (لم آمر بها ولكنها لم تسوءني) ولماذا تقوم شركة سابك بهذا الإجراء وهي شركة وطنية ولماذا تعامل السوق الداخلية معاملة الأسواق الخارجية إذا استمر الوضع على هذا الحال فسوف يكون له عواقب وخيمة على الزراعة بصفة عامة فهل تتراجع سابك وتعيد النظر في موقفها هذا هل من اجابة. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى،،،