لايمكن بحالٍ الاختلاف أن القيادة السياسية أنجزت وضع برامج ، وخططٍ رؤيوية بارعة في توجهاتها، ومضامينها، ولا أحد يختلف أن مسارات التنمية، والنمو يتجهان إلى فضاء مبهر من معالجات حقيقية لمعاناة المواطن مع السكن، والوظيفة، والتعليم، وأنهما يأخذان في استهدافاتهما محاصرة الفقر في منابعه من بطالة ، وثقافة رعوية ، وعجزٍ، واتكالية عند البعض، والتوجه نحو خلق الفرص المتوازنة، والمتكافئة للجميع، ولكل أطياف وشرائح المجتمع على امتداد جغرافيا الوطن ، وتضاريسه الديمغرافية ، ليكون كلّ مواطن حاضراً في صناعة التنمية، والإبهار الحضاري ، ومشاركاً في العملية الإنتاجية بكل ثراءاتها ، وما تعِد به من منجز حضاريّ على كل الصعد إن كانت اقتصادية، أو تعليمية، أو علمية تنقلنا من الثقافة الشفهية ، وبلاغة اللغة ، وبيان الخطاب الحماسي، وهي إرث أدبي نعتز به ، إلى ثقافة العقل ، والفكر، والمعمل، والاختراع، وإنتاج المعرفة المؤسِّسة لمجتمعٍ ، وإنسان يشارك في صناعة الحضارة الإنسانية ، وصياغة تجليات العلم. الدولة تمارس دوراً طليعياً في وضع مداميك الاقتصاد المنتج، وتتجه عبر مواردها ، واستثمار فوائضها المالية إلى بناء مشروعات تنموية جبارة ، ومبهرة ، تستحق الاحتفاء، والاحتفال ، وتعمل على إقامة المشروعات الحيوية التي تستقطب، توظيفاً وتدريباً، مئات الآلاف من الشباب ، وتنقلنا إلى منظومة الدول المتقدمة صناعياً ، واقتصادياً، ملغية مفاهيم وممارسات الحياة الاستهلاكية ، البليدة، والغارقة في الجهل، والتخلف، والاتكال، والهروب إلى دروب تفضي إلى مآزق حياتية ، واجتماعية. لقد كان الهمّ ، والهاجس لدى صانع القرار السياسي، والتنموي أن تسير عملية الصياغة الاجتماعية عبر منحيَين متلازمين لاينفصلان ، أو يتأخر أحدهما عن الآخر ، فمن جهة يكون دعم صناديق الإعانات ، والقروض ، والمشروعات الخاصة بالإسكان، والمشروعات الصغيرة للمواطنين، والضمان الاجتماعي ، وبنوك التسليف الزراعي ، والصناعي ، وما يدخل في إطار تنمية المرافق التي تلامس حياة المواطن ، وتؤهله لحياة منتجة مستقرة. ومنحى التوجه لبناء المشروعات الإنتاجية الكبيرة التي هي عصب اقتصادي يستشرف المستقبل ، وديمومة التميز، وتحصين اقتصاد الوطن ، وتحقيق بنية تحتية متماسكة، وبعيدة الأهداف ، والغايات، والطموحات تستفيد منها أجيال قادمة لها الحق في وراثة أمنٍ ، واستقرار ، وكفاءة في كل مضامين الحياة. الدولة أعطت ، وهي مستمرة في العطاء ، وتتوفر عندها الرغبة ، والعزيمة ، والإصرار في نقل الوطن والمجتمع مسافات حضارية شاسعة ومتألقة تتماهى مع التحولات التي يعيشها العالم في مفاهيمه الاقتصادية ، والتنموية ، ورغباته في حصد الانتصارات عبر مواجهاته مع المعوقات، والإحباطات التي تعترض جهود الرفاه ، والإنتاج ، وصياغة أمن مستقبلي عبر الإبداع الحضاري، منطلقة من مسلّمات أن الاقتصاد وليس الآلة العسكرية هو مايحصّن ويسيج الشعوب والجغرافيا ضد أي استهداف يتطلب المواجهة. والسؤال .. هل استجابت الأجهزة التنفيذية ، وتناغمت جهودها مع طموحات القيادة ..؟ السؤال صادم ، لكنه مطروح ..!! حقائق الواقع تشي بأن القيادة تتقدم كثيراً في أفكارها، ورغباتها ، وطموحاتها على الأجهزة التنفيذية ، ربما يرجع ذلك للبيروقراطية الضاربة في أعماق الإدارة ، وربما لاهتراء وتآكل الفكر الإداري ، وربما لأن مفهوم الوظيفة القيادية يتمحور على أنها امتياز اجتماعي، وتقدير خاص يُعطى ، ويوهب للشخص . وليس لأن الوظيفة خدمة وطنية يكلَّف بها مواطن يأتي ليعطي ، وينجز ، ويحقق المعادلات الصعبة! في الغرب تسمع من يقول لك إنني " خدمت كوزير ، أو مدير عام " ولايمكن أن يقول " عُينت وزيراً ، أو تبوّأت منصب وزير " وهنا يكون الفهم.