وتأتين من البعيد لتنثري الحزن في أرجاء قلبٍ هدّه الألم وأحرقه الفراق تأتين تثيرين زوبعتي أصمتُ وفي صمتي ألف سؤال وسؤال هل كنتُ غِرّاً حين سلمتك مفاتيح قلبي أم كنتُ بلا عقلٍ وأنا أراك وأنتِ تعبثين بقلبي تشكلينه كيفما شئتِ سيدة حروفي ذاب القلب مِن وجعٍ فما عاد يفرحه الحبُّ سكنت الجروح بقلبي فعلامكِ اليوم تحيينها عودي من حيث أتيتِ ما عاد للأحزان في قلبي مكان ... نص «وتأتين» للكديسي عالم من الحزن، مملكة الشوق والاغتراب، مدينة الغرام، تسكنه أشباح الظنون، يذكرنا هذا النص بالشاعر غوته: ورقةُ الشجرة هذه، القادمةُ من الشرق إلى حديقتي، تُخبئ لي وللراغبين بالمعرفةِ سرَّاً. أَهِيَ مخلوقٌ واحدٌ شَطَرَ نفسَه إلى اثنين؟ أم اثنين اختارا أن يراهما العالمُ واحدًا؟ حتى أردَّ السؤالَ وجدتُ إجابته الصحيحة: ألم تلحظوا في أغانيَّ أنني واحدٌ واثنين معًا؟ ولعل التشابه بينهما فاتحة السؤال و»تأتين» الشاعر الكديسي هنا يرسم ملامح اللقاء لكنه أتى متأخراً، فهو يرفضه رغم عشقه للقاء، ويرسل بين طيات حروفه ألف سؤال وسؤال! ولعل الملاحظ في النص ذكر القلب خمس مرات لم يكن عبثاً بل شرح لوجع قلب ولوعة خافق معاً وعند كلمة معاً تذكرت نص غوته: أنني واحدٌ واثنين معًا؟ هو الوجع هو الفراق هو النوح بالحرف وصمت الصمت والأمر الآخر المهم في نص الكديسي أنه جيّش الجيوش في القصيدة جسّد كل المعاناة في كل كلماتها فهو ذكر تباعاً «الحزن، الألم، الفراق، زوبعتي، الصمت بل صمت الصمت، من وجع الجروح». تخيلوا معي كل هذا المعاناة التي سردها الشاعر في النص، ذكر في ختامها رقص، نعم، رقص! حيث قال: سيرقص قلبي فرحا برحيلك عنه كما فرح بحبك ذات مساء هنا فقط مفردتان للفرح بينهما رقص، لكن رقص الفراق رقص السعادة مغلفة بمتاهة الحب، كما قيل كالطير يرقص مذبوحا من الألم.